لم يكن سراً أن إسرائيل قامت بتسليح القوات الجورجية التي شنت الحرب ضد أوسيتيا الجنوبية في بداية شهر أغسطس الماضي، وذلك على مدار أعوام طويلة، وقد بدأت مبيعات السلاح الإسرائيلي إلى جورجيا منذ سبعة أعوام، اعتماداً على نشاط رجال أعمال جورجيين يقيمون في إسرائيل . وقد شهد التعاون العسكري بين تل أبيب وتبليسى تطوراً سريعاً، ولعل وجود مواطن إسرائيلي ضمن الحكومة الجورجية، وهو وزير الدفاع الجورجي دافيد كزرشفلي قد لعب دوراً في تنمية هذا التعاون. وحصلت جورجيا خلال هذه الفترة على طائرات تجسس «هرمس» بدون طيار وأجهزة شق الطرق في حقول الألغام للدبابات والأفراد. وأجهزة تصوير واتصالات وتحديد مواقع بواسطة أشعة ليزر، وقذائف صاروخية متنقلة من طراز «لينكس» يصل مداها إلى 150 كم. وقام جيش الدفاع الإسرائيلي بتدريب القوات الجورجية في إسرائيل خلال السنوات الماضية، وتم إرسال خبراء إسرائيليين إلى جورجيا للإشراف على تدريبات الجورجيين وإعدادهم للعمليات العسكرية. ولكن في سياق استقراء ودراسة الحرب الجورجية وأبعادها السياسية، سنجد أن المشاركة الإسرائيلية في تجهيز القوات الجورجية وتدريبها كانت تستهدف بالدرجة الأولى إيجاد مركز لتوجيه ضربة عسكرية لإيران من الشمال يكون قريباً من منشآت البرنامج النووي الإيراني وفي نفس الوقت بعيد عن إسرائيل وعن العراق والخليج العربي. حيث حصلت إسرائيل نظير مساعداتها للجورجيين على حق استخدام مطارين في القوقاز، بهدف استخدامهما كمنصات لإطلاق الصواريخ، وكقاعدة للطائرات الإسرائيلية. وذلك في إطار الإعداد لضرب إيران، ولحماية منابع النفط الأذربيجانية التي توفر ل إسرائيل أكثر من ربع احتياجاتها من الطاقة. ويجب الاعتراف بأن الحديث عن ضرب إيران كسبب وحيد لدعم جورجيا وتسليح قواتها ليس أكثر من تبرير ضعيف، نظراً إلى أن تسليح وتدريب القوات الجورجية كان يقصد به إزاحة روسيا من القوقاز، وأيضاً جر روسيا لنزاع يستنفد قواتها ويعطلها عن عجلة التنمية. وأن أي مساومة ستتم بين إسرائيل وجورجيا ستكون من أهم نتائجها ضرب المصالح الروسية، ما يعني أن حكومة تل أبيب لا تمانع في تقليص الدور الروسي وتحجيمه. وقد لا يمكن استبعاد الرأي القائل بأن تحجيم دور روسيا أمر حيوي بالنسبة للمصالح الإسرائيلية التي تعاني من دعم موسكو لسوريا وإيران. وتعاني أيضاً من مساعي روسيا لعقد مؤتمر دولي لتسوية أزمة الشرق الأوسط، وكان لابد أن تجد إسرائيل السبيل لإيقاف التحركات الروسية في الشرق الأوسط، عبر تفجير أزمة في المناطق المجاورة لها، والتي تعتبر مناطق مصالح استراتيجية لروسيا. ولابد من القول إن إسرائيل تعتبر حلقة هامة في ملفات السياسة الخارجية الروسية، وتعتبرها موسكو الشريك الخصم، إذاً لا يمكن الدخول في صدام مع تل أبيب لأنه ليس لدى روسيا حليف استراتيجي في المنطقة. في نفس الوقت تدرك موسكو أن إسرائيل لا تريد دوراً روسياً فاعلاً في الشرق الأوسط يعيق الاحتكار الأميركي لتسوية أزمة المنطقة، لما يسببه من أضرار على سياسات تل أبيب إزاء ملفات الحل السلمي، والتعامل مع أطراف النزاع، ناهيك عن وجود ما يقرب من مليون مهاجر من روسيا في دولة إسرائيل . ومع ذلك تبقى علاقات روسيا مع إسرائيل متعددة المستويات، وتتميز بأهمية للمصالح الروسية في الملفات التالية: 1- الدعم العسكري الذي قدمته وتقدمه إسرائيل للحكومة الجورجية. 2- إمكانية التأثير على موقف إسرائيل من مؤتمر موسكو الدولي في ظل احتياجها للعلاقة مع روسيا وضعف حكومتها. 3- تعتبر إسرائيل أحد مواقع كسر طوق العزلة الذي تريد واشنطن فرضه على روسيا. - حجم التعاون الروسي- الإسرائيلي يساوي حجم التعاون مع الدول العربية. لذا يصعب على الطرف الروسي تجاهل تل أبيب، وإنما عليه أن يعيد ترتيب وصياغة العلاقات مع إسرائيل وفق رؤية جديدة، تمكن موسكو من إجبار إسرائيل على احترام مصالحها من جهة، وأن لا تضر بالعلاقات الروسية - العربية من جهة أخرى. كاتبة ومحللة سياسية روسية