أظهرت الحرب الجورجية - الروسية أن قوى دولية عديدة تورطت في إشعال هذه الحرب، أو على الأقل ساهمت في دفع الرئيس الجورجي ساكاشفيلي للتحرش بروسيا الاتحادية عن طريق اجتياح أراضي أوسيتيا الجنوبية. من بين هذه الدول إسرائيل التي كانت تساعد الجيش الجورجي بتدريب وحدات منه وتزويده بخبراء عسكريين، الأمر الذي يطرح التساؤل عن أسباب ودوافع التورط الإسرائيلي في هذه الحرب، ومعرفة آلياته ومظاهره وحجم الدعم والمساندة التي قدمت للطرف الجورجي. ويثير تورط إسرائيل في المغامرة الجورجية ضد روسيا عدداً من الأسئلة والتحليلات، وتطاول تلك الأسئلة الأسباب التي دفعتها إلى إغضاب القيادة الروسية، وهل حاولت إسرائيل استعارة النهج الأميركي في استعراض العضلات، والتصرف كدولة عظمى؟ لا شك في أن التدخل الإسرائيلي يرتبط قبل كل شيء بمصالح إسرائيل، وهدفه محاولة تأمين الإمدادات النفطية، أي الحفاظ على خط إمداد النفط باكو-تبليسي-جيهان، الذي يعمل على نقل النفط الخام من أذربيجان عن طريق جورجيا وصولاً إلى الأراضي التركية، ومن ثم إلى إسرائيل. وقد ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الحرب الجورجية-الروسية لم تؤثر على أنابيب وإنتاج هذا الخط الحيوي. لكن سياسة إسرائيل تذهب إلى ما هو أبعد من النفط، إذ إن الاهتمام الإسرائيلي بجورجيا هدفه استقطاب هذه الدولة للحصول منها على الكثير من المكاسب. وحسب صحيفة هآرتس، فإن إسرائيل سعت إلى القيام بلعب دور في جورجيا لأن وضع هذه الدولة بدا نموذجياً، من الناحية الشكلية، كون النظام السياسي فيها مؤيد للغرب، و جغرافيتها تطل على مفترق طرق لمعابر النفط. وهناك وزراء يهود كبار في حكومتها، تعلّموا ودرسوا إسرائيل. وتمتلك جيشاً متعطشاً لتعلم الفنون العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى أن الصديق الأميركي هو شريك أساسي في المشروع الجورجي. لقد قدم نظام ساكاشفيلي مغريات وتسهيلات عديدة لإسرائيل، إذ فتح فرصاً سياسية وتجارية أمام الإسرائيليين، وسارع جنرالات الاحتياط والسماسرة والوسطاء إلى الانقضاض على ما تقدمه الغنيمة الجورجية. ونشرت بعض وسائل الإعلام الروسية تقارير عديدة عن حجم التورط في الحرب التي أشعلتها جورجيا من خلال اجتياح أوسيتيا الجنوبية، حتى باتت تتحدث عن المساعدات الأمنية وإقدام وزارة الدفاع على تصدير السلاح عشوائياً إلى جورجيا. لكن بعد انهزام الجيش الجورجي أمام القوة الروسية بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن عجز الغرب عن نجدة نظام ساكاشفيلي، وأن إسرائيل قد راهنت على الحصان الخطأ وعليها أن تحاول تقليل الأضرار الفادحة المترتبة على هذا الرهان. وبشكل عام، لا تتوانى الدولة الصهيونية عن توظيف مختلف الآليات السياسية والاقتصادية والعسكرية خدمة لمصالحها، كما توظف أفراد ومنظمات الجاليات اليهودية في مختلف بلدان العالم خدمة لأغراضها وأهدافها. وعليه، قامت إسرائيل بتوظيف الجالية اليهودية في جورجيا التي كان دورها مؤثراً إلى حد كبير في تسهيل صفقات السلاح الإسرائيلي وتقوية العلاقات الثنائية. وقد أرسلت إسرائيل مئات الخبراء العسكريين الذين ساهموا في تدريب الجيش الجورجي لشن هجومه على أوسيتيا الجنوبية. وقبل أشهر قليلة من الحرب، جرى الكشف بشكل علني عن تعاونها العسكري مع جورجيا، وذلك بعد إسقاط طائرة بدون طيار من صنع إسرائيلي. وأكدت صحيفة يديعوت أحرونوت على أن إسرائيل لعبت دوراً كبيراً في إشعال المواجهات التي دارت في أوسيتيا الجنوبية بين جورجيا وروسيا، شجعت ميخائيل سكاشفيلي على القيام بمغامرته العسكرية ضد أوسيتيا الجنوبية. وفي ضوء نتائج الحرب، اعتبر بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين أن هزيمة جورجيا هي هزيمة لإسرائيل، وأن نتائج حرب القوقاز هي بمثابة حلقة من حلقات الهزائم الإسرائيلية المتتالية، بعدما خسرت الحرب التي شنتها على لبنان في يوليو .2006 أما ألكسندر كرمتشين رئيس معهد الدراسات العسكرية والسياسية في موسكو، فقد رأى أن الجيش الروسي أدرك تماماً من خلال الحرب نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي التي أفضت إلى هزيمته أمام حزب الله، وبالتالي فإن نتائج هذه الحرب وجهت ضربة قوية للمصالح الإسرائيلية في منطقة القوقاز.