أفاد تقرير لمنظمة العمل العربية صدر صيف سنة 2008 أن البطالة في الوطن العربي وحسب الاحصاءات الرسمية هي الأعلى في العالم وأنها في طريقها لتجاوز كل الخطوط الحمراء، حيث تخطت حاجز الـ 14 في المائة، 17 مليون مواطن عربي، من قوة العمل، و25 في المائة بين الشباب، وفي بعض الأقطار بلغت نسبة البطالة بين الشباب 66 في المائة، في حين بلغ معدل البطالة على الصعيد العالمي وحسب منظمة العمل الدولية زهاء 8 في المائة. التقرير الذي أطلقته منظمة العمل العربية في شهر يوليو في القاهرة لاحظ في الوقت ذاته أن الدول العربية تستضيف أكثر من 12 مليون عامل أجنبي. وقد أشار مراقبون ان الدول العربية وخاصة الخليجية لم تتجاوب حتى مع نداءات عدد من مسؤوليها الذين حذروا من خطر العمالة غير العربية على أمن بلادهم القومي خاصة بعد أصبحت تلك العمالة الاجنبية وجلها تقريبا أسيوي تشكل اغلبية سكانها. زد على ذلك ان تلك العمالة الاجنبية حولت الى خارج منطقة الخليج العربية 37 مليار دولار سنة 2007 مقابل 30 مليار دولار سنة 2005 و 10 مليارات دولار عام 1988 متفوقة بذلك على مجموع تحويلات العاملين الأجانب في الولاياتالمتحدة التي تعد أكبر دولة مستوردة لقوة العمل الأجنبية. لمواجهة خطر البطالة وهي عمود أساسي في هيكل التخلف والفقر، ولو بشكل نسبي، دعا التقرير الى ان تستثمر الاقتصاديات العربية نحو 70 مليار دولار في مجالات مختلفة لتوفير حوالي 4 ملايين فرصة عمل جديدة على الأقل لمواجهة تلك الأزمة. وأشار التقرير الى ان عدد الداخلين الجدد في سوق العمل الذين يقدر بحوالي 4 ملايين شخص سنويا، وهو ما يعني في حالة استمرار الاوضاع الحالية تضخيم صفوف العاطلين. وطالب التقرير بضرورة التكامل في مجال تبادل الأيدي العاملة، خاصة بعد أن شهد هذا التبادل بعض النكسات على المستوى الثنائي حين خضع استقدام العمال أو طردهم للمواقف السياسية. تقرير آخر صدر من معهد السياسات الاقتصادية التابع لصندوق النقد العربي أشار الى نسبة بطالة تبلغ 15 في المائة بالإضافة إلى البطالة المقنعة التي تصل إلى 25 في المائة. من أجل ان ينجو الوطن العربي من بركان التخلف بكل تشعباته يتطلب اقتصاد اقطار المنطقة معدلات نمو تصل إلى 7 في المائة سنويا لتجاوز معدلات البطالة الحالية التي تنمو بنسب تصل إلى 3 في المائة سنويا، غير أن تحقيق تلك المستويات من النمو الاقتصادي لن يتحقق إلا من خلال إعادة تنشيط عمليات استثمار رؤوس الأموال العربية داخل دول المنطقة. منذ سنوات طويلة يجري الحديث دوريا خلال مؤتمرات ولقاءات مختلفة عن توجيه فائض الاموال العربية خاصة النفطية الى الاستثمار محليا ولكن ما تحقق خلال عقدين يبعث على الآسى حيث ان أكثر من 85 في المائة من فائض الاموال العربية يذهب الى الأسواق الأمريكية والاوروبية والاسيوية ليكرس تبعية الانظمة للغرب الرأسمالي وليساهم في تمويل حروبها العدوانية وإنقاذ اقتصادياتها من الازمات. تتفاوت تقديرات الأوساط الاقتصادية لحجم الاستثمارات العربية خارج منطقتها وذلك بسبب السرية التي تحيط بها الاوساط الحاكمة تصرفها بشكل يذكر بإقطاعيات القرون الوسطى في أموال شعوبها. مصادر مصرفية خليجية قدرت تلك الاموال بما بين 800 مليار و 1200 مليار دولار سنة ,2007 غير ان مصادر موثوقة في أسواق المال بلندن ونيويورك تقدرها بأكثر من 3000 مليار دولار. هذه الاموال تضيع وتهدر بشكل لم يشهد له التاريخ المالي العالمي مثيلا، فخلال أزمة البورصات سنتي 2007 و 2008 قدرت خسائرها ب 40 مليار دولار. مع بداية شهر سبتمبر 2008 توالت بشكل أسرع عملية هدر الأموال العربية، حيث كشفت الخزانة الأمريكية ان خطر الانهيار يهدد مؤسستين للتمويل العقاري هما فاني مي وفريدي ماك وبالتالي سيضيع مبلغ 1500 مليار دولار بينها أموال مصارف مركزية عربية. هذا الانهيار يأتي بعد ذلك الذي أصاب مؤسسة بير ستيرنز في شهر مارس الماضي والتي تدخلت إدارة بوش بنحو 30 مليار دولار لإنقاذ ما أمكن، ولكن رؤوس الاموال العربية تكبدت هناك خسائر فادحة. هذه الضربة التي لحقت بالارصدة العربية وتم الكشف عنها ليست سوى جزء صغير من قمة جبل الجليد الطافي فوق الماء، حيث تتكتم الانظمة على خسائر مغامراتها المالية التي تحمل بالاضافة الى انانية محركيها بصمات الاملاءات الاجنبية. يوم الثلاثاء 3 سبتمبر كشف بنك أبوظبي التجاري انه يقاضي مؤسسات مالية أمريكية اقنعته باستثمار لم تكشف له عن مخاطره ويتطلع لدعم خليجي لدعواه، ضد بنوك ومؤسسات امريكية بهدف إسترداد بعض من الخسائر التي تكبدها جراء استثمار قام به على اساس مزاعم تبين لاحقا انها غير صحيحة. ورفع البنك الذي تملك حكومة أبوظبي حصة أغلبية فيه الدعوى على بنك الاستثمار مورغان ستانلي وبانك أوف نيويورك ميلون ووكالتي موديز وستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني اتهمهم فيها بالإحتيال. وجاء في الدعوى التي رفعها البنك أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن أن المدعى عليهم سوقوا الصندوق الذي عرف بإسم صندوق شين على أنه استثمار موثوق يتمتع بدرجة عالية من المصداقية لكنهم أخفوا المخاطر المحيطة بهذا الاستثمار، كما ان ادارة الصندوق لم تكن جيدة. السؤال الذي يطرح هل تكون هذه الضربات التي تتلقاها الاستثمارات العربية محركا للعودة الى الصواب، وتوجيه الاموال لخدمة كل العرب من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي، فالتاريخ لا يرحم.