تعيش العديد من النساء الحيف والظلم حين ترى عدم الاعتراف بالجميل في عين زوجها بالرغم من كدها وعملها يدا بيد معه لتوفير مستقبل مريح للأبناء، بل كان موضوع الثروة المنشأة خلال فترة الحياة الزوجية من المواضيع التي أثارت الكثير من الجدل والمناقشات التي سبقت مشروع قانون مدونة الأسرة، لأنها أساس للكثير من المشاكل الأسرية التي تنسف كيانها أحيانا، وبسببها قدد تهدم أسرة بأكملها، سواء بسبب سوء فهم الطرفين لأسس القانون والشرع، أو لطغيان الأنانية والذاتية لدى أحدهما في كثير من الأحيان، والرغبة في الاغتناء ولو على حساب حقوق الغير، الأمر الذي استوجب تدخل المشرع لإقرار نظام قانوني يجعل طرفي العلاقة الزوجية مطمئنين على حقوقهما المالية والاعتراف بمجهود أو إسهام كل منهما في تكوين هذه الثروة. وتمثل قضية اليوم أحد القضايا التي ظلمت فيها الزوجة التي ثابرت واجتهدت لتكون ثروة رفقة زوجها، لكن هذا الأخير حفظ كل شيء باسمه. لم تتوقع زهرة، التي اغتربت أكثر من عشرين سنة بهولندا لضمان مستقبل مريح لها ولأسرتها أن ينتهي بها المسير إلى نقطة الصفر. أفنت زهرة التي تعتبر نفسها ضحية لعدم معرفتها بالقانون، كل عمرها في العمل والكد، وساعدت زوجها يدا بيد للحصول على ثروة لابأس بها تكفي لأن تعيش الأسرة في أمان بعد التقاعد، إلا أنها استفاقت على فاجعة أن كل ما جنته في اسم زوجها، وأنها لم تضمن حقها بعقد أواتفاق رسمي. وتذكر تفاصيل الواقعة أنه بتـاريخ 22 مارس 96 تقدمت زهرة بدعوى أمام المحكمة الابتدائية بالجديدة عرضت من خلالها أنها تعمل مع زوجها المدعى عليه ز.م في هولندا، وأفنت زهرة شبابها في السعي من أجل تحقيق المستقبل مدة تتجاوز العشرين سنة، وأسهمت بعملها في اكتساب عدة أملاك التي عقدها لنفسه، ومنها العقار ذي الرسم العقاري عدد 39861/,08 ومن المعلوم شرعا أن حق الكد والسعاية إن حصل من الزوجة لزوجها، أومن الأولاد لأبيهم، فإن ذلك يعطيها ويعطيهم الحق في نصيب فيما عقده الزوج أو الأب لنفسه من الأملاك الناتجة عن عمله وعمل زوجته وأولاده، وأن كيفية التقسيم كما قال الإمام مالك: تقسم على قدر العمل، فلا فرق بين الذكر والأنثى ولا بين حياة الأب أوموته، ولا بين الزوجين والإخوة، فكل من الشركاء بقدر عمله. وسبق للمجلس الأعلى أن سار على هذا النهج في قراره عدد 44 الصادر بتاريخ 28/11/78 ملف شرعي عدد ,46767 وقد جاء في المنهل العذب الجزء الأول ص 257 : ولا يستبد الزوج بما عقد لنفسه من الأشرية ولا بما جهز به وليته إلا أن يكون ذلك مالا استفاده من صدقة عليه أوهبة أو شبهه. جهل بالقانون التمست زهرة التصريح بحق الكد والسعاية لفائدتها، والقول باستحقاقها لنصف العقار ذي الرسم العقاري المذكور، ونصف جميع الأملاك التي اكتسبها زوجها المدعى عليه بعد الزواج، وبتمكينها من واجبها شرعا، وطالبت احتياطيا إجراء خبرة لتقدير منتوج كد العارضة، وسعايتها، ونسبتها في جميع أملاك المدعى عليه بعد حصرها. إلا أن المدعى عليه/ الزوج استدل بأن المدعى فيه (العقارات) محفظ ومسجل باسمه، فقضت المحكمة برفض الطلب المتعلق بالرسم العقاري عدد 39861/08 ، فاستأنفته المدعية وأيدته محكمة الاستئناف. عابت زهرة في طعنها لقرار محكمة الاستئناف فساد التعليل، والإخلال ضمن ذلك بمقتضيات الفصل 345 من قانون المسطرة المدنية، ذلك أن القرار المطعون فيه اعتبر حق الكد والسعاية حقا عينيا لا وجود له إلا بالتقييد في الرسم العقاري عملا بالفصلين 66 و 67 من قانون التحفيظ العقاري، في حين أن أثر طبيعة الحق العيني من حيث الإقرار بعدم وجوده قبل التسجيل لا يمنع بتاتا الدائن به من المطالبة به قضاء، وإلا فإن أي مشتر لحق عيني سوف يواجه بأن شراءه غير مقيد بالرسم العقاري، وأنه لا يحق له أن يطلب نقل الملكية، وتقييده بالرسم العقاري، ولذلك فإن الفصل 67 من قانون التحفيظ العقاري ينص صراحة على ما يلي: ..دون الإضرار بحقوق الأطراف بعضهم على بعض، وكذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم.إلا أن زهرة لم تدل للمحكمة بأي عقد كتابي، أو اتفاق بينها وبين زوجها تثبت من خلاله أنها شريكة في كل الثروة التي يتوفر عليها، وإن كانت قد أدلت بشهادة مهاجرين معها أكدوا على أنها تعمل بشركة بهولندا، وأنها كانت تساعد زوجها بالأموال قصد شراء العقارات بالمغرب، على اعتبار أن التصريحات بالشرف ليست وسيلة من وسائل الإثبات المنصوص عليها في الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، ولا يصح الاحتجاج بها لإثبات حق الكد والسعاية، فقضى المجلس الأعلى برفض الطلب وبتحميل الطالب المصاريف المجلس الأعلى في قرار له تحت رقم ,1041 صدر بتاريخ 28/3/,2007 في الملف رقم: 2328/1/4/.2005 ***** المجلس الأعلى ناقش وسائل إثبات حـق الكـد والسعاية ولم يناقشه من حيث وجوده أو عدمه بالرجوع إلى وقائع القضية والمتعلقة بطلب حق الكد والسعاية يتبين أن الطاعنة التي كانت تهدف إلى الحكم لها بحقها في ما تملكه زوجها (طليقها) خلال فترة الزوجة، وبعد صدور قرار محكمة الاستئناف بالجديدة، والقاضي برفض الطلب المتعلق بالرسم العقاري عدد 39861/08 وبعد قبول الطلب في الباقي. حيث تم تقديم الطعن في القرار الاستئنافي وصدر قرار المجلس الأعلى عدد 1041الصادر بتاريخ 28/3/2007 في الملف رقم: 2328/1/4/2005 و القاضي برفض طلب النقض. والمجلس الأعلى في قراره المذكور لم يناقش الكد والسعاية من حيث المبدأ، وإنما ناقش وسيلة الإثبات التي اعتمدتها طالبة النقض في دعواها إلى المحكمة. فالمجلس الأعلى وبعد استعراضه لمراحل الملف ابتدائيا واستئنافيا، وموقف محكمة الاستيناف فيما اعتمدته بخصوص إثبات السعاية يؤكد على ضرورة الإثبات المقبول شرعا وقانونا، ومادام الأمر يتعلق بعقار محفظ فان المجلس الأعلى اعتبر الإثبات يجب أن يكون كتابيا، وعاب على الطاعنة كونها لم تدل للمحكمة بأي عقد كتابي أو اتفاق بينها وبين المطلوب في النقض يتضمن إقرارا من قبل هذا الأخير لفائدتها بخصوص ما تدعيه. ولعل المجلس الأعلى في قراره المذكور كان متأثرا إلى حد كبير بمبدأ استقرار المعاملات العقارية، معتبرا بذلك القيود التي فرضها نظام التحفيظ العقاري على العقار المحفظ. و بهذا نجده قد اعتبر حق الكد و السعاية كباقي الحقوق يستلزم التوفر على وسيلة الإثبات المتطلبة قانونا، ولن تكون في نازلة الحال إلا التقييد بالسجل العقاري أو عقد كتابي أو اتفاق بينها وبين المطلوب في النقض يتضمن إقرارا من قبله لفائدتها. و الواقع أن المجلس الأعلى ذهب في اتجاه اعتبار حق الكد والسعاية من العقوق العينية التي تنصب على العقار المتنازع فيه، ولم يذهب في اتجاه اعتباره حقا من الحقوق الشخصية للزوجة اتجاه زوجها، وهذا موضوع واسع لا يسع المجال لمناقشته الآن، ولعله يكون موضوع نقاش لاحق. وطالبة النقض كانت قد تقدمت احتياطيا بطلب إجراء خبرة لتحديد نسبتها في جميع أموال المدعى عليه، إلا أنها ووجهت بعدم قبول الطلب هذه المرة، وقد نهج المجلس الأعلى نفس الطريق عندما قضى برفض الطلب، وناقش وسائل الإثبات مرة أخرى، واعتبر أن التصريح بالشرف المدلى به ليس وسيلة إثبات، وبذلك يكون قد التزم حرفية الفصل 404 من قانون الالتزامات و العقود. الأمر الذي جعله يعتبر الوسيلة المدلى بها غير جديرة بالاعتبار، وبالتالي لم يعب على المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عدم مناقشتها. يتضح إذن أن المجلس الأعلى لما قضى في قراره برفض الطلب إنما كان يناقش الوسائل المعتمدة في إثبات حق الكد والسعاية، ولم يناقش هذا الحق من حيث وجوده أو عدمه، وإلا فإن قرارات عديدة أخرى ذهبت ومنذ القديم إلى الاعتراف بهذا الحق للزوجة التي تثبت بوسيلة قانونية أنها كانت تساعد زوجها خلال فترة الزوجية. ولعل فقه النوازل المغربي، وخصوصا ما يعرف بالعمل السوسي، تعرض بإسهاب لهذا الموضوع، وله اجتهادات كثيرة لقيت تأييدا من قبل المجلس الأعلى. عبد الصمد الادريسي محامي بهيئة مكناس