كلما حل شهر رمضان المبارك إلا وسارعت القناتان المغربيتان الأولى والثانية إلى طرح عدد كبير من الأفلام العربية والأجنبية على الشاشة الصغيرة، دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية شهر الصيام الداعي إلى العفة والحياء. فأحيانا مضمون الأفلام المبرمجة وبالأخص الأجنبية لايحترم نفسية الصائم، ولا الضوابط الأخلاقية أوالشرعية. وخلال هذا الشهر ستعرض القناتان المغربيتان نفس النوعية من الأفلام: هندية وأمريكية ومصرية ومغربية، سنحاول في هذا العمل عرض البعض منها؛ بسبب أثرها السلبي على المشاهد المغربي. الأفلام الهندية السينما الهندية ستكون حاضرة بقوة على القناتين خلال شهر رمضان، بحيث ستعرض القناة الأولى مساء كل سبت فيلما هنديا، بينما الثانية ستعرضه مساء كل خميس. والكل يعرف أن معظم الأفلام الهندية درامية، موسيقية، غنائية. وتستهدف قصص العنف والمطاردات وقصص المغامرات العاطفية والأساطير، بما في ذلك من ثأر وانتقام وخيانة وتمرد وخطف وترويج للمخدرات وتهريب للأسلحة. على أن السينما الهندية اليوم تأثرت برياح العولمة لتتخلى عن قيمها وتقاليدها، فأصبحت لا فرق بينها وبين أفلام هوليود إلا في الملابس والرقص. وفي هذا الصدد صرح لالتجديد الفنان عائد موهوب بأن المفروض في هذا الشهر هو تقديم أفلام دينية وعربية وتاريخية. مضيفا: مع الأسف؛ السينما الهندية اليوم مخلة بالآداب والحياء. و كان على القائمين على البرامج أن يراعوا هذه الأمور. و عموما فإن الأفلام البوليودية(بوليود) التي تعرض على الشاشة الصغيرة عادة ما تعزف على الوتر الحساس لدى المشاهد: حب وعاطفة وموسيقى ورقص. فهل بهذه الأفلام الضاربة في الخيال يمكن استقبال رمضان الذي تعرف فيه وتيرة المعيشة اليومية صعودا ملحوظا؟ الأفلام المصرية عادة كانت السينما المصرية تجد مكانتها بين مواد رمضان الفنية، بل كانت هي الطاغية. اليوم تراجعت لحساب مواطنتها الدراما التلفزيونية التي مازالت تكتسح القنوات الفضائية العربية؛ رغم منافسة الأعمال السورية. هذا لا يعني أن المشاهد المغربي لن يرى هذه المرة أفلاما مصرية، فإذا كانت شبه غائبة في القناة الثانية فإنها حاضرة في القناة الأولى التي تحافظ على هذا التقليد الفني الرمضاني، و ذلك بعرضها لشريطين طويلين تحت عنوان حاجا وتفاحة، وحريم كريم. الفيلم الأول كوميدي والثاني رومانسي غنائي، و كلاهما ينتميان إلى السينما التجارية التي تفتقد إلى عمق درامي وفني، وإلى المعالجة الإنسانية أوالاجتماعية، حيث لاتعتمد إلا على المواقف الضاحكة والساخرة أوالعاطفية المألوفة لدى المشاهد. مما يعطي الانطباع أن قسم البرمجة لم تكن له رؤية واضحة في اختيار الأفلام، لأن الفيلموغرافية المصرية تزخر بأعمال سينمائية جادة يمكن مشاهدتها في هذا الشهر حتى وإن كانت قديمة. فالأعمال الفنية القيمة لاتموت مع الزمن، بل تزداد جمالا مع كل جيل يتعرف عليها و يحاول الغوص فيها. على أن هناك سؤالا يطرحه العديد من المشاهدين: لماذا لا تنفتح القناة المغربية على تجارب سينمائية أخرى من أقطار عربية مختلفة مثل السينما الجزائرية أوالقطرية أو السورية...؟ من المؤكد أن هذا الانفتاح على أعمال سينمائية أخرى غير التجربة المصرية سيؤدي إلى تلاقح فني وفكري، وسيقلص المسافات بين الشعوب العربية عن طريق الصورة الهادفة؛ خصوصا في شهر يحث فيه على الأخوة الإنسانية و الاسلامية. السينما العالمية لا أحد ينكر أن أسماء سينمائية عالمية مثل جودي فوستر أو هاريسون فورد أو آل باتشينو أوأونطوني هوبكنز أوجورج كلوني أوكيفن كوستنر وغيرهم... لا تستهوي المشاهد المغربي؛ وخصوصا المهتم بالسينما الأمريكية التي تغزو القناة الثانية(دوزيم) بدون منازع. فهذه الأسماء قدمت أعمالا سينمائية هادفة وذات قيمة إنسانية بغض النظر عن الفلسفة المؤطرة لها. وعلى هذا الأساسح فإدراج أفلاما في القناة الثانية مثل مايكل كلايتن(2007)، وفايروال(2006) وفلايت بلان(2005)، بالإضافة الى الفيلم الشهير رقصة مع الذئاب، ونيكسون للمخرج أوليفر ستون، يشكل اختيارا صائبا باعتبار أن هذه الأفلام تتوفر على جمالية سواء على مستوى المضمون أوالشكل، دون أن تخلو من التشويق. لكن الأفلام الأخرى المبرمجة وإن كانت تستهوي شريحة معينة من المشاهدين، والذين غالبا ما يكونون قد شاهدوها عن طريق الأقراص، فهي لا تخرج عن إطار المغامرة والخطف والإثارة وقصص المافيا والمطاردات البوليسية والرعب المتمثل في فيلم هنيبال الذي يعرض في الأولى، وفيلم دوني براسكو(1997) وهيت الذي يمثل فيهما آل باتشينو، ومن الظلام الى النور، وجيري ماجير في القناة الثانية. كل هذه الأفلام تصور واقعا مغايرا للواقع المغربي بحمولاته الثقافية والاجتماعية، والتي أصبحت مع الأسف مكونا من مكونات مخيال المشاهد العربي. فهذه الأفلام وغيرها، رغم مقص الرقابة، لا تخلو من أثر سلبي على المجتمعات العربية بصفة عامة، وفي رمضان بصفة خاصة على المستوى الفكري والاجتماعي والأخلاقي. و كما قال الفنان محمد الدرهم :على صعيد الصورة لا يمكن لأحد أن يتفق على الأخلاقية وإلا سيكون رأيا شاذا، لأن الأخلاق هي الأخلاق. أفلاما مغربية يشكل الإنتاج الوطني لهذه السنة في برامج رمضان 80بالمائة من مجموع البرامج التلفزية للقناتين المغربيتين الرئيسيتين، وتأخذ السينما المغربية من ذلك حيزا هاما، إذا ما أضفنا إليها الإنتاجات الممولة من قبل القناتين. لكن بقدر ما يفرح الإنسان لهذه الخطوة الوطنية التي تقطع مع تصورات الماضي؛ بقدر ما يستاء لعرض أفلام مغربية أثارت جدلا واسعا في الأوساط السينمائية لضعفها الفني ولعدم احترامها لقيم المجتمع المغربي. ونخص بالذكر هنا فيلم انهض يا مغرب للمخرجة نرجس النجار؛ الذي عرف انتقادات واسعة في الصحف ومن قبل النقاد؛ لاستغلالها لدعم الدولة لإنتاج فيلم اعترته هفوات كثيرة ليكون غير مشرف للمغاربة. وليست هذه المرة الأولى التي تثير فيها أفلام نرجس النجار ردود فعل قوية، إذ سبق لنساء قرية تيزي نيسلي الأمازيغية أن اتهمنها بإظهارهن عاهرات في فيلم العيون الجافة دون علمهن؛ بعدما عملن ككومبارس مقابل راتب هزيل. من جهة أخرى؛ ففيلم انهض يا مغرب يعرف إقحام مشاهد مخلة بالحياء؛ من قبيل لقطات أجساد نساء عاريات في حمام شعبي وقبلات طويلة. إضافة الى إعطاء نظرة مشوهة عن الدين. و سيكون للمشاهد موعد آخر مع نرجس النجار في عمل تلفزي من انتاج القناة الثانية(2008)، وهي سلسلة في حلقتين تحت عنوان الطيور تعود دوما ، من المتوقع أن تعرف ردود فعل اخرى . فيلم القلوب المحترقة للمخرج أحمد المعنوني؛ الذي عرف نجاحا هاما لتوظيفه لفضاء مدينة فاس ولتراثها، ولتسليطه الضوء على معاناة إنسانية يجترها بطل الفيلم معه منذ الطفولة، هو الآخر لا يخلو من لقطات جنسية ومن مشاهد مثيرة كانت قد أثارت حفيظة مجموعة من المهتمين كان من نتيجتها ندم أحد أبطال الفيلم لقبول تصويره لمشاهد تنافي قيمنا الاسلامية.و هنا نسائل القناة الثانية هل ستأخذ الرقابة مجراها أم أن الأفلام ستعرض كما عرضت في السينما؛ ضاربة حرمة رمضان و حرمة مبادئنا الاسلامية بعرض الحائط؟ أما بخصوص القناة الأولى فقد اكتفت هذه الأخيرة بالإشارة الى المخرجين عبد الحي العراقي وحكيم نوري دون تقديم عناوين أفلامهم. ولذلك وجب الانتظار حتى يتبين ما ستسفر عنه العروض الدرامية المتبقية. ما بعد رمضان أن ما تمت الإشارة إليه فلا يهم شهر رمضان فقط، و إن كان هذا الشهر يستحق العناية أكثر من الشهور الأخرى ، فالملاحظات الموجهة إلى القناتين فيما يخص الأفلام التي تتنافى مع قيمنا وتخدش كرامة وحياء المشاهد تتعدى رمضان، لأنها من صميم ثقافتنا، وحول هذا المنحى قال الفنان محمد الدرهم في تصريح للتجديد : صحيح أن رمضان شهر مقدس، والتعامل معه بكيفية خاصة من ورائه حكمة ربانية، إلا أن مراعاة الأخلاق لايمكن أن تكون فقط في رمضان؛ بل في جميع السنة، لأن القيم من خلال الصورة هي من ركائز هذا المجتمع الضامنة لاستمراريته.