حتى الآن لا يُنْشَر سوى القليل من تفاصيل ما يدور بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، وبين أحمد قريع وتسيبي ليفني؛ إذ غالبًا ما يجري تلخيص لقاء يستمرّ ساعات ببضع عبارات لا أكثر. اللقاء الأخير بين الزعيمين خرج بشيء عملي هذه المرّة؛ فقد وعد أولمرت- كبادرة حسن نية- بالإفراج عن 150 أسيرًا فلسطينيًا يبدو أنهم قُدِّموا هدية للسيدة كوندوليزا رايس التي ما برحت، مشكورة بالطبع!! تحثّ على تقديم مبادرات من هذا النوع تحسِّن وضع السلطة الفلسطينية وتساعد عملية السلام، لاسيما أن الإسرائيليين يستغلونها في تصعيد مسلسل الاستيطان، بينما لا يتوقفون عن الاجتياحات والاعتقالات!! في سياق الاحتقال بالخطوة الإسرائيلية خرج صائب عريقات يبشِّر بأن مروان البرغوثي وأحمد سعدات سيكونان بين المفرج عنهم، لكن النفي الإسرائيلي لم يتأخر بالطبع، معطوفًا على القول: إن أسماء المفرج عنهم ستُحَدّد لاحقًا بحسب المعايير الإسرائيلية. يذكر أن مصادر إسرائيلية كانت سرّبت معلومات حول احتجاج فلسطيني على صفقة التبادل مع حماس، معتبرة أن تنفيذ شروط الحركة سيضرّ أشدّ الضرر بالسلطة، الأمر الذي لم تكتفِ السلطة بنفْيِه، بل برفع دعوى ضدّ الصحيفة الإسرائيلية التي نشرت الخبر. أيًا كان الأمر، فقد تقرّر الإفراج عن 150 أسيرًا سيَتَبَيَّن لاحقًا أنهم جميعًا من أعضاء حركة فتح الذين شارفت محكومياتهم على الانتهاء، مع العلم أن عدد مَن اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية من الضفة الغربية خلال الشهر الماضي فقط يزيد عن ,330 فيما يعلم الجميع أن الاعتقالات قد زادت بشكل واضح منذ الحسم العسكري في قطاع غزة، كان معظمها في صفوف حركة حماس. أية غطرسة يتعامل بها الإسرائيليون مع شريكهم الفلسطيني، ومن أين يأتون بكل هذا الصلف؟ ماذا سيضيرهم لو أفرجوا عن 500 أو حتى ألف معتقل من بين حوالي 12 ألفًا يُكَدِّسونهم في سجونهم؛ هم الذين بوسعهم اعتقال الآلاف خلال أيام، لاسيما أن ثمة أكثر من ثلاثة آلاف معتقل لحركة فتح وحدها لا تنطبق عليهم مقولة الدم على الأيدي التي تعيق الإفراج عنهم؟! إنهم لا يحترمون سوى الأقوياء، ولا يتراجعون إلا أمام منطق القوة، بدليل الصفقة مع حزب الله، والتهدئة في قطاع غزة، أما منطق الاستجداء فلا يستثير فيهم سوى مشاعر الغطرسة والعنجهية. ألم تكن الضفة الغربية هي الأوْلَى بالتهدئة، في وقت تقلّ فيها عمليات المقاومة، وتحضر فيها سلطة تمارس التعاون الأمني، وتصرّ على أن برنامجها هو التفاوض، واستمرار التفاوض فقط، بصرف النظر عن النتيجة؟! لندع هذا اللون من بوادر حسن النية البائسة، ونتحدث عن المفاوضات نفسها؛ إلى أين وصلت وما الذي يمكن أن يتحقق حتى نهاية ,2008 وماذا لو لم يتحقق شيء؟! ثمّة كثير من المؤشرات على أن المفاوضات قد بلغت مرحلة متقدمة، وكلام أولمرت قبل أسبوعين أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يؤكّد ذلك، مع العلم أن رحيل أولمرت ومجيء ليفني لن يوقف المفاوضات، لاسيما أنها (أي ليفني) ذات صلة مباشرة بسائر تفاصيلها. من الواضح أن ملف القدس القديمة هو الذي يعيق التوصُّل إلى اتفاق، فلا أولمرت ولا ليفني قادران على منح السلطة أجزاءً من القدسالشرقية القديمة، ولا الرئيس الفلسطيني قادر على تمرير اتفاق يتنازل عمليًا عن حق العودة ويبقي الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية من دون الحصول على موطيء قدم في القدس القديمة، ونتذكر أن هذه القضية هي التي فجّرت محادثات كامب ديفيد صيف العام .2000 ماذا لو لم يتوصلوا لاتفاق نهائي؟ هل ستقبل السلطة بتفاهمات تؤجل ملف القدس كما يريد الأمريكان، أم تستمرّ المفاوضات بينما تتكرس سلطة (الأمن مقابل المعونات الدولية) في الضفة الغربية؟! أسئلة ترتبط إجاباتها بتحولات دولية وإقليمية (الحرب على إيران وتداعياتها) وعربية، والأهمّ؛ فلسطينية ذات صلة بحَسْم الصراع داخل حركة فتح بين من يريدونها حركة تحرُّر، ومن يريدونها حزب سلطة.