الدعوة إلى الله وإلى صراطه المستقيم لها أثر كبير في إنقاذ الإنسانية وإصلاحها ، وما تؤديه من رسالة دائمة متواصلة لخيرها ونفعها ، فقد أسبغ عليها الإسلام أشرف حلل التكريم والإجلال، ورفع كتاب الله مقام القائمين بها بين كافة الأجيال ، ومن ذلك قوله تعالى( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون) وقوله تعالى( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). فالآيتان الكريمتان حجة ناطقة على القيام بالدعوة في كل وقت وحين، هكذا نجد القائمين بالدعوة بين ظهرانينا يتحملون عن طواعية ورضى جميع المشاق والأخطار؛ التي يمكن أن تواجههم في هذا الطريق، ويكرسون جهودهم ويصرفون حياتهم في نشر الدعوة، فهم ذوو عزائم متوقدة، لا تحول دون إدراك غايتها المتاعب والصعاب. ولكن السؤال الذي يثارهنا،ونحن في فصل الصيف، هل الدعوة بدورها تعرف العطلة من قبل الدعاة؟ وكيف يوازون بين الرغبة في الترويح وأداء الرسالة؟. الدعوة والتأثر بالصيف يقول الدكتور عبد الرحمان البوكيلي، داعية، :الدعوة إلى الله تعالى فريضة ماضية ما بقي الليل والنهار. والمؤمن حيث حل وارتحل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح لله ولرسوله وللمؤمنين. نعم قد تتغير أشكالها وأساليبها وميادينها، لكنها لا تتعطل أبدا في حياة المؤمن. والصيف ليس فرصة للعطالة الدعوية بل العكس، السليم هو أنه فرصة ذهبية للتعاون على البر والتقوى والهداية للتي هي أقوم. فالفراغ الذي ينعم الله به علينا في الصيف فرصة متجددة للإقبال على تعليم الناس وتذكيرهم بالله سبحانه، وصلة الأرحام التي تنشط في الصيف فرصة ثمينة للتناصح وإشاعة الفضائل... وهكذا. آليات العمل الدعوي من شأن الداعية إلى الله ـ كما يرى الدكتور البوكيلي- أن يكون دائم الفكر في تجديد أساليبه وتنويع آلياته وتطوير أدائه. فيتخذ لكل حالة ما يناسبها ولكل مرحلة ما يفيد فيها. ومما يناسب في الصيف من برامج ووسائل وخطوات: أن يكون حريصا على بيان ما أرشد الله إليه من حسن اغتنام الأوقات، وخطر الانغماس في الميوعة والرذائل، كما ينبه دوما إلى آفات الرحلات والمخيمات وما تحمله من فتن وكوارث؛ مبينا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في أسفاره ورحلاته، كما يتناول بالبيان والتوجيه ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأفعال في الأعراس والحفلات وما إلى ذلك.... ولا يقف الداعية عند هذا الحد، بل يحاول الانخراط الجاد والفاعل في تأطير الرحلات والمخيمات الصيفية. الداعية والصيف على العموم ليس لدى الداعية وقت فائض ليضيعه، إنما الحياة كلها نفع وثواب، والله سبحانه قال : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .. فحياة المؤمن كلها يمكن أن تصير عبودية لله سبحانه .. والنية الصالحة تجعل الأعمال من مباحة إلى مثاب عليها مستحبة إذا نواها المرء لله سبحانه وتعالى، والترفه في الإجازات أمر مقبول ومطلوب لاشك للترويح عن النفوس، ولكن ليكن ترفه المؤمن فيما يحب الله ويرضى من الأفعال كلها. إن اللهو والعبث بلا طائل ليس من صفات المؤمنين بحال، وإن أهل الإيمان دوما يستغلون أوقاتهم في كل خير ونفع لهم أو لأمتهم .. وحالنا وحال أمتنا يهيب بنا دوما أن نهتم بشأنها ونرقى بها وأن ندع اللهو والعبث وضياع الأوقات ..فأوقات المؤمن محسوبة عليه، وحركاته وسكناته محسوبة عليه، إذ يقول سبحانه عمن رأى كتابه يوم القيامة مكتوبا فيه كل أفعاله ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. فالمرح المباح مسموح به في الإسلام للترويح عن النفوس، فإن النفوس إذا كلت ملت، ولكن ليكن المرح والترفه دوما فيما يحله الله سبحانه، وليس فيما ألهى عن ذكر الله سبحانه والصلاة، فكل ما ألهى عن ذكره سبحانه وعن الصلاة فهو محرم ولاشك.. والداعية حين يكون في مرح وترويح؛ فهو في عبادة دائمة. ولكن الدعوة عمل وجد طول مسيرة الحياة، لكونها أمانة وتشريف وتكليف كما يقول ابن القيم: إن مقام الدعوة إلى الله هو أرفع المقامات عند الله تعالى، والدعاة يجب عليهم ألا يستعجلوا الوصول إلى الغاية، وأن لا يرتبوا وجودهم على تحقيق الهدف، بل المطلوب منهم هو الثبات على الحق والاستقامة على الطريق، وبذل الجهد والتضحية . الداعية والفتور ومن الطبيعي أن الداعية في بعض الأحيان يصيبه الفتور والكسل، كما قال صلى الله عليه وسلم إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ، وقد كان أيضا يدعو فيقول اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور . فالإنسان في عبادته وطاعته يكون بين: قوة وضعف، وإقبال وإدبار، وزيادة ونقص، وكل هذه علامات صحة لا مرض، فلا يجعل للشيطان عليه سبيلا بذلك، فيتسلل إليه عن طريق هذه الأعراض، وليقاوم النفس والشيطان، مادام لايتجاوز الحد الأدنى من السنة النبوية، وعلاجه سهل كما يقول الأستاذ شكيب الرمال هو أن يستحضر الإنسان الداعية الغاية من وجوده، والغاية من وجوده هي عبادة الله تعالى، ثم أن يأخذ بأسباب العافية من هذا الفتور، ومن الأساليب التي يقوي بها إيمانه الحفاظ على الصلوات الخمس في وقتها والخشوع فيها، وقراءة القرآن، وذكر الله سبحانه وتعالى، خاصة أذكار اليوم والليلة التي يجب أن يداوم عليها بتدبر وتمعن وخشوع، بالإضافة إلى العشرة الصالحة أو الرفقة الصالحة، وفي الرفقة الصالحة يقول الإمام حسن البنا رحمه الله: صحبة أهل الخشوع والتأمل، وملازمة أهل التفكير والتبتل، وملازمة هذا الصنف من الأتقياء الصالحين الذين تتفجر جوانبهم بالحكمة، وتشرق وجوههم بالنور، وتدان صدورهم بالمعرفة -وقليل ما هم- دواء ناجع، فاجتهد أن يكون لك من هؤلاء أصدقاء تلازمهم وتؤوي إليهم، وتصل روحك بأرواحهم، ونفسك بنفوسهم، وتقضي معهم معظم وقت الفراغ، واحذر من الأدعياء، وتحر من ينهضك حاله، ويدلك على الخير فعاله، ومن إذا رأيته ذكرت الله. فلا بد للداعية أن يجمع بين الدعوة والترويح، واختيار الأساليب المناسبة لكل وقت دون إفراط أو تفريط،وما الصيف إلا عابر، ولكن الدعوة إلى الله دائمة لا تعرف العطالة.