أطلقت حركة التوحيد والإصلاح الحملة الوطنية للتواصي بالاستقامة، وهي الحملة التي اتخذت شعارا لها وصية النبي صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم، وتستهدف هذه الحملة التي تستمر إلى غاية شهر أبريل المقبل أعضاء الحركة والمتعاطفين معها وعامة الناس. وتهدف هذه الحملة بحسب الدليل الذي وضعته الحركة، والذي تتوفر التجديد على نسخة منه، إلى الإسهام في إشاعة نفس عام للتزكية والاسيتقامة داخل الحركة وخارجها، إلى جانب دعم وتثبيت معاني الاستقامة القائمة داخل الحركة وخارجها ومعالجة مظاهر الخلل الناتجة عن التفريط أو التهاون في التزام الاستقامة، وكذا تحصين أعضاء الحركة من كل عوائق الاستقامة في علاقتهم بربهم وبإخوانهم وبمجتمعهم. الاستقامة المقصودة الاستقامة التي تريد الحركة لأعضاء والمتعاطفين معها وأفراد المجتمع بلوغها هي الاستمساك بشرع الله وأمره والثبات على ذلك حتى لحظة مفارقة الدنيا، قال تعالى: فاستمسك بالذي أوحي إليك، إنك على صراط مستقيم الزخرف ,43 كما أن الاستقامة تنافي الاعوجاج والتذبذب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب، كما فسرها الشيخ الطاهر بن عاشور بقوله: وحقيقتها عدم الاعوجاج والميل. ومن الوسائل التي تقترحها الحركة في مطوية عممتها على أعضائها، والتي تعين على الاستقامة: - المحافظة على الصلاة في وقتها، قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين البقرة: 238 وكتب عمر بن الخطاب إلى عماله يوصيهم فقال: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. - الإكثار من الذكر والدعاء: فقد أرشدنا الله تعالى إلى طلب الثبات وعدم الزيغ فقال: ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من قول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. - لزوم الصحبة الصالحة: قال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم نريد زينة الحياة الدنيا الكهف: 28 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. - التعرف على سير الصالحين: وهم الذين لزموا الاستقامة وداوموا عليها، وجعلوها شغلهم الشاغل. فارتقوا في منازل السائرين إلى الله تعالى القائل سبحانه: أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده المائدة: 91 الاستقامة كلمة قرآنية نبوية وفي كلمة توجيهية للدكتور عز الدين توفيق، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، أكد على أن الحديث عن الاستقامة هو حديث عن كلمة قرآنية نبوية، وعن كلمة اختارها الله سبحانه وتعالى في كتابه واختارها نبيه في أحاديثه لتقرب إلى الناس مراد الله ومراد رسوله منها، مشيرا إلى أن هذه الكلمة واحدة من الكلمات الجامعة في الكتاب والسنة، وهي كلمة جامعة للإسلام بشقه الاعتقادي وشقه العملي، لأن الإسلام نفسه قبل أن ينزل إلى واقع الناس فهو في مصادره وفي أصوله في الكتاب والسنة صراط مستقيم، فمن رضيه دينا لابد أن تنتقل هذه الاستقامة إليه وهي طبيعة الدين الإسلامي عندما يختاره. لهذا - يضيف الدكتور توفيق- وصف الله سبحانه وتعالى دينه بالاستقامة أولا ثم أمر الناس أن يحملوا سلوكهم على هذا الدين المستقيم، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم، وإذا كان دينه سبحانه وتعالى صراطا مستقيما فإن الأمر بأن يكون الإنسان على هذا الصراط هو بكل وضوح دعوة إلى الاستقامة. وتحدث توفيق في كلمته التوجيهية عن كون الاستقامة واحدة من ضمن اختيارات أخرى جعلها الله تعالى في الحياة، فليس كل الناس يختار صراط الله المستقيم، لهذا قال الله تعالى: إن هو إلا ذكر للعالمين، لمن شاء منكم أن يستقيم، فمن الناس من يختار أن يستقيم عندما يرتضي الإسلام دينا ويحمل نفسه عليه سواء في الاعتقاد أوفي العمل. وهكذا فإذا اتفقنا على أن الاستقامة كلمة جامعة للالتزام بالإسلام والعمل به، فإنها تشمل استقامة القلب واللسان والجوارح باعتبار أن هذه هي المستويات الثلاث التي تمثل الجانب الإرادي للإنسان، والتي هي مناط المسؤولية وعليها المحاسبة، وهو الجانب الذي وضع تحت تصرف الإنسان أو وكل إليه توجيهه وتسييره وضبطه في مقابل الجانب الآخر الذي أعفاه الحق سبحانه وتعالى من التدخل فيه. كما يمكن أن نستوعب مسارات هذه الاستقامة بتقسيم ثلاثي آخر، - كما يفصل الدكتور عز الدين- فنتحدث عن استقامة الفرد واستقامة الأسرة واستقامة المجتمع، باعتبار أن الانسان يحيا هذه الحياة مرة وحده ومرة داخل أسرة ومرة داخل مجتمع بمختلف مؤسسات هذا المجتمع التي يشارك فيها، ويمكن أن نأخذ تقسيما ثلاثيا آخر باعتبار الموضوع، فتكون الاستقامة على التوحيد وتكون على السنة وتكون على الطاعة، فاستقامة القلب واللسان والجوارح هي الأمور التي تستقيم في الانسان، واستقامة الفرد والأسرة والمجتمع هذا الفضاء الذي تتحقق فيه هذه الاستقامة، أما الاستقامة على التوحيد والسنة والطاعة فهذا موضوع الاستقامة. مجالات الاستقامة ويحدد المتحدث عددا من مجالات الاستقامة، مؤكدا على الحاجة إلى الاستقامة في حياتنا الشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية والدعوية، إضافة إلى مجالات أخرى من مجالات الحياة، وفي مجال الحياة الشخصية، تشمل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، واستقامة اللسان على القول الطيب، واستقامة الجوارح وهي تابعة للقلب واللسان. ومن أماراتها استواء السر والعلن، وعندما لا يفرق المرء بين الحال التي يكون فيها مع الناس والحال التي لا يكون فيها معه أحد. وبخصوص الاستقامة في حياتنا الأسرية، يقول عز الدين توفيق إن الله سبحانه وتعالى هو الذي أمرنا أن نسلك طريق الزواج وبناء الأسرة ورعاية الأطفال، وينشأ عن هذا العقد حقوق وواجبات، فالاستقامة في الحياة العائلية هي أن يسير كل من الزوج والزوجة وبقية أفراد الأسرة على طريقة واحدة لا يكون فيها انحراف واعوجاج، فواجباته يؤديها والحقوق تؤدى إليه، كما أن الحياة العائلية كما هو معلوم قائمة على تبادل الحقوق والواجبات، وذلك لأن الأدوار فيها متكاملة. المجال الثالث هو مجال الحياة الاجتماعية، فكل واحد يعيش في مجتمع لديه مكان يسكن فيه وآخر يعمل فيه وآخر يصلي فيه وآخر يشتري فيه حاجاته وآخر يمارس فيه رياضته، والاستقامة في الحياة الاجتماعية هي أن يعرف المرء حدوده التي تنتهي فيها حريته وتبدأ حرية الآخرين، فيكون إنسانا مستقيما بين السكان والجيران وزملاء العمل وبين المصلين وفي السوق والطريق وهكذا .. المجال الرابع هو مجال الحياة المهنية، والاستقامة في هذا المجال هي أن يؤدي الفرد عمله بعيدا عن الغش والاستهتار واللامبالاة وبعيدا عن الأفكار السلبية التي يتخذها البعض غطاء لتبرير تقصيره وتفريطه وتهاونه. والمجال الخامس هو المجال الدعوي، وهذا المجال -كما يشرح توفيق- يهم أولئك الذين يبشرون بهذه الاستقامة ويدعون الناس إليها ويحدثونهم عن منافعها وفوائدها في دنياهم وأخراهم، فكما أن الإسلام أمر بالاستقامة في الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية، فمن باب أولى أن يأمر بهذه الاستقامة في أخطر هذه المجالات على الإطلاق وهو مجال الدعوة لذلك قال تعالى فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم، ومن الوفاء للدعوة إلى الله تعالى أنه عندما تأتي المغريات وعندما تعرض للإنسان المصالح الخاصة التي تدعوه إلى التنازل عما كان يدعو إليه وعما كان ملتزما به، ومن أمارات الاستقامة أن يرتقي الداعية فوق هذه الإغراءات وأن يصمد في وجه هذه الفتن، وأن لا يجعل أمر الدعوة محل مساومة، فقد اختار لنفسه أن يكون من هذه الفئة التي تنشر الخير وتعين الناس على الاهتداء، فلا يساوم على ذلك ويكون في زيادة وليس في نقصان. الناس ثلاثة أقسام في استعمال جوارحهم أحدهما : من استعمل تلك الجوارح فيما خلقت له ، و أريد منها ، فهذا هو الذي تاجر الله بأربح التجارة ، و باع نفسه لله بأربح البيع. و الصلاة وُضعت لاستعمال الجوارح جميعها في العبودية تبعاً لقيام القلب بها و هذا رجلٌ عرَف نعمة الله فيما خُلق له من الجوارح و ما أنعم عليه من الآلاء ، و النعم ، فقام بعبوديته ظاهراً و باطناً و استعمل جوارحه في طاعة ربِّه ، و حفظ نفسه و جوارحه عمَّا يُغضب ربه و يشينه عنده. و الثاني : من استعمل جوارحه فيما لم تُخلق له ، بل حبسها على المخالفات و المعاصي ، و لم يطلقها ، فهذا هو الذي خابَ سعيه ، و خسرت تجارته ، و فاته رضا ربَّه عزَّ و جل عنه ، و جَزيل ثوابه ، و حصل على سخطه و أليم عقابه. و الثالث : مَن عطَّل جوارحه ، و أماتها بالبطالة و الجهالة، فهذا أيضا خاسر بائر أعظم خسارة من الذي قبله ،فإن العبد إنما خُلق للعبادة و الطاعة لا للبطالة . و أبغض الخلق إلى الله العبد البطَّال الذي لا في شغل الدنيا و لا في سعي الآخرة. بل هو كلّ على الدنيا و الدين ، بل لو سعى للدنيا و لم يسع للآخرة كان مذموماً مخذولاً ، و كيف إذا عطّل الأمرين ، و إنَّ امرء يسعى لدنياه دائما ، و يذهل عن أُخراه ، لا شكَّ خاسر.
