من بين عدة سيناريوهات دارت حولها توقعات المراقبين في تركيا لتحركات حزب العدالة والتنمية الحاكم لمرحلة ما بعد نجاته من قضية الحظر، استبعدت مصادر مقربة من الحزب إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وكشفت عن سعيه في الوقت نفسه لإجراء تغييرات في قيادات هيكله وحكومته بجانب تعديلات دستورية، بحسب ما أفادت به تقارير صحفية تركية اليوم الجمعة. واعتبرت التقارير أن الحزب يهدف من تلك الإجراءات إلى حماية نفسه من التعرض لخطر الحظر مرة أخرى، وللحد من تدخل المؤسسة العسكرية في أداء المؤسسات المدنية للدولة، ومن جانب آخر تعزيز موقفه في الانتخابات المحلية المقررة مارس .2009 ودارت التوقعات الصحفية في الأيام القليلة الماضية حول سيناريوهات ثلاثة لمرحلة ما بعد رفض المحكمة الدستورية العليا الأربعاء الماضي دعوى لحظر نشاط الحزب و71 قياديا من أعضائه بتهمة القيام بأنشطة ضد العلمانية التركية، وهذه السيناريوهات تمثلت في الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، أو إجراء حزمة تعديلات وإصلاحات دستورية وقضائية، أو تجرى تغييرات هيكلية داخل حزب العدالة وحكومته. ووفق ما ذكرته صحيفة الزمان المقربة من الحزب الحاكم فإنه من المستبعد اللجوء لسيناريو إجراء انتخابات مبكرة، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يجري رئيس الوزراء ورئيس الحزب رجب طيب أردوغان تغييرا وزاريا ضئيلا في حكومته، ويغير أيضا عددا من قيادات الحزب في أول أكتوبر القادم عند عودة البرلمان من إجازته السنوية. وكان أردوغان قد قال في معرض تعليقه على حكم المحكمة الدستورية الصادر الأربعاء الماضي: إن التعامل مع نتائج هذا القرار سيكون عبر مسارين.. الأول إجراء تعديلات وإصلاحات داخل الحزب والحكومة والدستور، والثاني تسريع وتيرة المفاوضات مع الأوروبيين لإلحاق تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي. ونقلت الزمان عن محمد كيشيك، النائب في الحزب، قوله: إن قرار المحكمة ألقى بمسئولية ضخمة على كاهل حزب العدالة.. وأولويتنا الآن يجب أن تكون في تقوية الديمقراطية والقانون وفق المعايير الأوروبية، ولفت في هذا السياق إلى أن الإصلاحات القضائية المتعلقة بنظام اختيار القضاة المنصوص عليه في الدستور يجب أن يؤخذ في الاعتبار.ويحمل حزب العدالة الدستور الحالي الذي وضعه النظام العسكري في عام 1982 مسؤولية ما يعتبره انتهاكات للمبادئ الديمقراطية في بعض المؤسسات التركية، حيث يقيد العديد من الحريات الفردية والأساسية، مثل ارتداء الحجاب والتعليم الديني، ويسمح للمؤسسة العسكرية بالتدخل في تعيينات القضاة.ووفق ما ذكرته مصادر من الحزب لصحيفة تركيش ديلي نيوز فإن حزمة الإصلاحات الحزبية والدستورية التي ينتويها الحزب تلقى دعما من مسئولين في الاتحاد الأوروبي الذي شن هجوما كبيرا على دعوى حظر الحزب المنتخب باعتبارها انتهاكا للمبادئ الديمقراطية. وبشيء من التفصيل أوردت صحيفتا الزمان وتركيش ديلي نيوز ملامح التعديلات القادمة، والمتوقع أن تبدأ في أول أكتوبر بتغيير 3 قيادات في رؤساء اللجان البرلمانية، ثم تغيير عدد من قيادات الحزب والحكومة. وبعد الانتهاء من هذه التغييرات سيتجه الحزب لإجراء تعديلات في 4 فصول من الدستور، هي: الحقوق والحريات الأساسية، والقوانين المنظمة لعمل الأحزاب والانتخابات، ونظام التعيين في السلطة القضائية، وتشكيل مؤسسات الدولة.وسيتم التعديل بناء على مناقشات تجريها 4 لجان مستقلة، وبعد انتهاء المناقشات سيدعو رئيس البرلمان الأحزاب لتختار ممثلين عنها لمناقشة مسودة التعديلات. ووفقا لـتركيش ديلي نيوز فإن الإصلاحات القضائية في الدستور الجديد ستنص على تولي أعضاء المحكمة الدستورية العليا مناصبهم بالانتخاب، وليس بالتعيين الذي تتحكم في معظمه المؤسسة العسكرية. وبحسب أحمد يايمايا، عضو حزب العدالة ورئيس اللجنة القضائية البرلمانية، فإن التحذير الذي وجهته المحكمة للحزب بتجنب اتخاذ أي إجراءات مستقبلية تعتبرها مخالفة للنظام العلماني أبقى الحزب رهينة لرقابة المحكمة، كما أبقى احتمال تجديد رفع دعوى حظره مرة أخرى؛ ولذا فإن على البرلمان مسؤولية كبيرة في الحد من هذا الخطر. وفي تلاق بين الحكومة والمعارضة حول هذه النقطة قال محمد ساندير، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب القومي المعارض: سندعم أي مبادرات لقوانين حزبية جديدة يدعمها حزب العدالة الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض.. دعونا نمح قوانين إغلاق الأحزاب، فإذا لم يكن الحزب متورطا في أعمال عنف أو إرهاب فلا يجوز حظره بالمحكمة، بل عبر صناديق الاقتراع. وفيما يخص سيناريو الانتخابات المبكرة استبعد نيهات إيرجن، نائب رئيس كتلة حزب العدالة في البرلمان، إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، قائلا: إن الانتخابات المحلية المنتظرة في مارس 2009 هي أولويتنا الانتخابية؛ لأن الشعب سيصوت فيها ليس على المرشحين فقط، بل على أحزابهم أيضا، إنه من المبكر جدا أن نتحدث عن انتخابات مبكرة في هذه المرحلة. وكانت المحكمة الدستورية التركية قد قضت يوم الأربعاء الماضي برفض دعوى حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم التي رفعها ضده المدعي العام في مارس الماضي بحجة مخالفته للأسس العلمانية للدولة، إلا أنها قررت حرمانه من نصف الدعم المالي المخصص له من ميزانية الحكومة هذا العام كتحذير له من اتخاذ ما وصفتها بإجراءات مخالفة للنظام العلماني للدولة. وتؤكد قيادات الحزب أن مساعيها لإعادة الحجاب إلى الجامعات التركية أو السماح لطلاب المدارس الإسلامية بدخول الجامعات لا يهدف إلى إنهاء النظام العلماني في الدولة، ولكنه يهدف إلى احترام الحريات الشخصية للأفراد، والذي يعد أحد أهم بنود الديمقراطية العلمانية.