بدون شك، إن حدث المؤتمر السادس للعدالة والتنمية ليس حدثا عاديا في المشهد السياسي المغربي، وليس كسائر المؤتمرات التي مرت في تاريخ هذا الحزب، فهناك ما يشبه الإجماع لدى المراقبين السياسيين أن الطابع السياسي لهذا المؤتمر يبرز بشكل كبير، ذلك أن هذا الحدث يتعدى كونه استحقاقا انتخابيا يؤول في نهايته إلى اختيار قيادة الحزب. فوتيرة التراجع التي عرفها المغرب على مستوى مكتسباته الحقوقية والديمقراطية والإعلامية باتت تستدعي أجوبة حقيقية للفاعلين السياسيين ، وإذا كانت بعض الفاعلين السياسيين قد عجز أو تأخر لاعتبارات تنظيمية تتعلق بالمخاض الداخلي في تقديم جوابه السياسي، وإذا كان البعض يريد أن يوجه اعطاب المشهد السياسي في الاتجاه الذي يهيمن فيه على الساحة السياسية تحت حجة الفراغ السياسي، فإن حزب العدالة والتنمية، ومن خلال مؤتمره السادس، قدم ثلاث رسائل سياسية بهذا الخصوص: تقوية مواقعه في المؤسسات السياسية وتحسين شروط مشاركته فيها، النضال الديمقراطي لتحصين المكتسبات الديمقراطية وتقوية المؤسسات، فتح جسور التواصل مع المنتظم السياسي لتدعم خيار الإصلاح السياسي وتعزيز مواقع المرجعية الإسلامية. ثلاث رسائل سياسية تلخص جواب العدالة والتنمية على تحديات المشهد السياسي، وتعكس في نفس الوقت موقع هذا الحزب باعتباره طرفا قويا في المعادلة السياسية لا يمكن الاستغناء عنه في أي إصلاح ديمقراطي بالبلد، بالنظر إلى فاعليته السياسية وحضوره الجماهيري والنموذج الذي يقدمه في التدبير الديمقراطي. أما على المستوى الخارجي، فقد كان واضحا من خلال الوفود التي حضرت المؤتمر وبشكل خاص وفود المغرب العربي، أن رهان الحزب على المشاركة هو رهان استراتيجي، وأن حرصه على ترجمة التطلعات الوحدوية المغاربية ينطلق من عمق القناعة بفاعلية المشاركة بما هي مساهمة فعالة ليس فقط في التدبير الديمقراطي للبلد، وإنما أيضا في المساهمة وبفعالية في تحقيق رهان تقوية المغرب العربي من بوابته القوية السياسية والشعبية. لا يمكن فصل رهان بهذا الحجم، عن إطاره الاستراتيجي بما هو فك العزلة عن الحركة الإسلامية في المنطقة، وإعطاء نموذج لمشاركة سياسية فاعلة تمضي بالمغرب نحو الإصلاح السياسي. بلا شك ايضا، أن المؤتمر كشف ولمرة أخرى، أن صيغة تدبير العلاقة بين الحركي والحزبي الذي اختاره النموذج الحركي المغربي لم تؤت ثمارها فقط، بل صارت مركز استقطاب للعديد من التجارب الحركية الإسلامية، إذ شكل خوض الحزب غمار السياسات العامة وقضايا الشأن العام والتدبير، وانشغال الحركة بالقيم والدعوة، أساس التمايز بين الوظيفتين الدعوية والسياسية وهو التمييز الذي سمح للحزب بالانفتاح على مختلف مكونات الطيف السياسي على أرضية التدبير، كما سمح للحركة بنسج علاقاتها مع مكونات الشأن الديني والدعوي بما يدعم مواقع القيم داخل المغرب. بهذه الاعتبارات، يمكن النظر إلى جواب العدالة والتنمية عن التحديات السياسية على أنه مساهمة فعالة تفتح آفاقا كبيرة للعمل السياسي في المغرب، إذ لم يعد أمر دعم مواقع المرجعية الإسلامية، ولا الإصلاح السياسي حكرا على أحد، وإنما هي حسب رؤية المؤتمر السادس مهمة مفتوحة على كل الفاعلين السياسيين لبناء تحالفات سياسية تحقق تطلعات المغرب لبناء ديمقرطية حقيقة وإيقاف التراجع في المكتسبات السياسية والحقوقية والإعلامية ومنع أي سيناريو للاستحواذ على الحياة السياسية.