بنك المغرب يفند محتوى إعلامي كاذب يستخدم هويته    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    بنك المغرب يفند محتوى إعلامي كاذب يستخدم هويته    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    الاستئناف يشدد عقوبات مدافعين عن ضحايا زلزال الحوز    تفكيك شبكة إجرامية خطيرة تضم مشتبه فيه "68 عاما" متورط في الاختطاف والمخدرات    تقنيو المغرب يعلنون عن إضرابات مستمرة طوال شهر مارس احتجاجا على أوضاعهم المزرية    مجلس جهة الداخلة وادي الذهب يعقد دورته العادية لشهر مارس 2025    أسعار الأكباش تنخفض 50%.. الكسابة يحذرون من انهيار القطاع في جهة الشرق    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    فعاليات مدنية بالقدس تشيد بمبادرات جلالة الملك للتخفيف من معاناة الساكنة المقدسية خلال شهر رمضان    ترامب يوقف جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية بالقدس الشريف    الاتحاد العربي للجولف يطلق سلسلة بطولات تتضمن نظام تصنيف رسمي ومستقل    المغاربة المقيمون بالخارج.. تحويلات تفوق 9,45 مليار درهم خلال يناير    مبادرة تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المستهلك وتمكينه من حق التراجع عن الشراء    بنك المغرب يحذر من محتوى احتيالي    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    إسرائيل تطالب بنزع السلاح في غزة    أسباب تضارب أسعار اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن والبيض..    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ‬ما ‬دلالة ‬رئاسة ‬المغرب ‬لمجلس ‬الأمن ‬والسلم ‬في ‬الاتحاد ‬الأفريقي ‬للمرة ‬الرابعة ‬؟    الصين تفرض رسوما على سلع أمريكا    تصعيد نقابي في قطاع الصحة بجهة الداخلة وادي الذهب.. وقفة احتجاجية واعتصام إنذاري ومطالب بصرف التعويضات    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    تأجيل قضية ناشط في طنجة توبع بسبب تدوينات حول حرب غزة إلى 10 مارس    قمة عربية في القاهرة لمناقشة خطة بديلة لمشروع ترامب في غزة    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    الصين: افتتاح الدورتين، الحدث السياسي الأبرز في السنة    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    بتعليمات ملكية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة يشرفان على انطلاق عملية "رمضان" لفائدة مليون أسرة مغربية    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    ساكنة الجديدة تنتظر تدخل العامل ومحاسبة المتسببين في مهزلة الأزبال    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    مباحثات بين ولد الرشيد ووزير خارجية ألبانيا للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والسياسي    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    أحمد زينون    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفر العباد إلى الله...أنواع ومنافع- لللخطيب عبد الرحمن البوكيلي
نشر في التجديد يوم 12 - 07 - 2008


السفر فعل إنساني قديم. ارتبطت به حاجات الإنسان الكثيرة منذ وُجِد. بل إن التحرك في الأرض والضرب فيها سنة المخلوقات جميعها. لذلك لم يكن غريبا أن يجعل القرآن الكريم أيام الإنسان يومين: يوم سفر ويوم إقامة. فقال سبحانه: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الانْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعَنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ، وَمِن اَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ؟ النحل.80 وتحدث كتاب الله عن جملة من الأسفار؛ من مثل الضرب في الأرض لطلب الرزق، والسفر للجهاد في سبيل الله، ولحج بيت الله الحرام وهكذا... وعرف المسلمون بعدُ أسفارا متميزة لطلب العلم وجمع الحديث الشريف والاتصال بكبار العلماء... بل الأعجب من كل ما ذكر؛ حديث القرآن الكريم عن سفر واجب لا صلاح للدين ولا للدنيا إلا به. وهو المعروف بالهجرة فرارا بالدين وتحصيلا للحرية. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الارْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا النساء96 واللطيف أن عددا من العلماء يعتبر السفر ضرورة للتجدد والتخلص من الرتابة والجمود. فمما يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: تغرَّب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرّجُ هَمّ واكتسابُ معيشة وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد وقوله: ما في المقامِ لذي لُبٍ وذي أدبٍ من راحة فدع الأوطانَ واغترب سافرْ تجدْ عوضاً عمن تفارقَه وانصبْ فإن لذيذَ العيشِ في النصبِ إِني رأيتُ وقوفَ الماءِ يفسدُه إِن ساحَ طابَ وإِن لم يجْرِ لم يطب لما كان السفر بهذه الأهمية، ولما كان عدد كبير من الناس يقبلون على أسفار مختلفة في هذا الفصل، كان من اللازم التنبيه على جملة من الآداب والأحكام التي وجه إليها ديننا بهذا الخصوص. جملة من آداب السفر: سفر برّ وتقوى لا عبرة بسفر ما لم يكن سفر بر وتقوى. سفر طاعة لله عز وجل، لا سفر عصيان وتمرد عليه سبحانه. فالمسلم يردد في سفره ما كان يفتتح به النبي أسفاره قائلا:(اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى) (أخرجه مسلم عن ابن عمر). هذا هو المقصد: البر والتقوى... فهو إما سفر دعوة إلى الله ونشر كلمته وجهاد في سبيله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا... النساء .93 وإما لطلب الرزق وابتغاء ما عند الله من الفضل. عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الارْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه... المزمل .18 وإما لزيارة الأقارب أو الإخوة في الله. وإما سفر نظر في ملكوت السماوات والأرض،قُل انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْض... يونس .101 وإما السير للاعتبار بالأمم وحضاراتها وتاريخها. قُلْ سِيرُواْ فِي الارْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ الأنعام .12 قُلْ سِيرُوا فِي الاَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ العنكبوت.19 وإما سفر تعلم وتعليم... نحو سفر موسى عليه السلام ليتعلم من العبد الصالح. (وَمَنْ سَلَكَ طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهّلَ الله لَهُ به طَرِيقاً إِلَى الْجَنّة) (مسلم عن أبي هريرة) وإما سفر راحة واستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، واسترجاع لحيوية الإنسان وتجدده. وهذا في جوهره محمود ما لم تخالطه معصية الله تعالى. روي عن أنس مرفوعا: (روحوا القلوب ساعة وساعة). وقال علي رضي الله عنه: أجِمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان. المهم أن يكون سفرك أخي الحبيب سفر خير وطاعة ومنفعة، لا سفر شر ومعصية ومفسدة. فإنه لعار أن يرزقك الله تعالى نعمة الصحة ونعمة الفراغ، ونعمة الغنى والمقدرة على السير في الأرض الممهدة، فتقابل ذلك كله بالظلم، وتبارز ربك المنعم بالمعصية! سفر ذكر لله عز وجل كما أن سفرك أخي المسلم سفر ذكر وشكر لله سبحانه. وذلك للأنس به واستشعار معيته ودوام مراقبته سبحانه. فهو معك في حلك وترحالك، في بلدك وفي غربتك...لأجل هذا سن لنا النبي (ص) في السفر جملة من الأذكار البليغة لا حرمنا الله من فضلها. أستسمحك أخي الحبيب لبسط باقة منها: عند الركوب. أخرج الترمذي وصححه عن عليّ بن ربيعة قال: شَهِدْتُ عَلِيّا أُتِيَ بِدَابّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمّا وَضَعَ رِجْلَهُ في الرّكَابِ قالَ: (بِسْمِ الله) ثلاثاً، فَلَمّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قالَ (الْحَمْدُ لله). ثُمّ قالَ: (سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا ومَا كُنّا لَهُ مُقْرِنينَ وَإنّا إلى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) ثُمّ قالَ: (الْحَمْدُ لله) ثَلاَثاً (والله أَكْبَرُ) ثلاثاً (سُبْحَانَكَ إنّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فإِنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أَنْتَ) ثُمّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ مِنْ أَيّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ؟ قالَ رأيْتُ رسولَ الله (ص) صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمّ ضَحِكَ فَقُلْتُ مِنْ أيّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: (إِنّ رَبّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ غَيْرَك) دعاء السفر أخرج مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن رسول اللّه (ص) كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ثلاثاً، ثم قال: (سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ، وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوّن عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ في الأهْلِ. اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ وكآبَةِ المَنْظَرِ وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ.) وفيه عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ (ص)، إِذَا سَافَرَ، يَتَعَوّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْن (أي الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص)، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ. ذكر الصعود والنزول أثناء السير في صحيح البخاري، عن جابر رضي اللّه عنه قال: كنّا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وإذا نزلنا سبَّحنا. ذكر النزول بمكان ما في صحيح مسلم وموطأ مالك وكتاب الترمذي عن خولةَ بنتِ حكيم رضي اللّه عنها قالت: سمعتُ رسول اللّه (ص) يقول: (مَنْ نَزَلَ مَنْزلاً ثُمَّ قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ، لَم يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلكَ). ذكر دخول قرية ما عن صُهيب رضي اللّه عنه: أن النبيّ (ص) لم يرَ قريةً يُريد دخولَها إلا قال حين يَراهَا: (اللَّهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِها وَخَيْرَ ما فيها، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ أهْلها وَشَرّ ما فِيها) أخرجه النسائي. وعن عائشةَ رضي اللّه تعالى عنها قالت: كان رسولُ اللّه (ص) إذا أشرفَ على أرضٍ يُريد دخولَها قال: ((اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ وَخَيْرِ ما جَمَعْتَ فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما جَمَعْتَ فِيها، اللَّهُمَّ ارْزُقْنا حَيَاها، وَأَعِذْنا مِنْ وَباهَا، وَحَبِّبْنا إلى أهْلِهَا، وَحَبِّبْ صَالِحي أهْلِها إِلَيْنا) أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم. وحسَّنه الحافظ. ذكر العودة من السفر في صحيح مسلم، عن أنس رضي اللّه عنه، قال: أقبلنا مع النبيّ (ص) أنا وأبو طلحة، وصفيّة رديفته على ناقته، حتى إذا كنّا بظهر المدينة قال: (آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُون لِرَبِّنا حامِدُونَ). فلم يزلْ يقولُ ذلك حتى قَدِمْنَا المدينةَ. أعظم الذكر هذا وإن أعظم الذكر الذي يحرص عليه المسلم في كل أحيانه هو صلاته. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي طه.14 فقد كان النبي يصلي النافلة على دابته وينزل للفريضة. وكان إذا جَدَّ به السير؛ جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. أما ما يفعله الكثير من ضعاف الإيمان المتهاونون في دينهم من ترك الصلاة أو تضييعها حال سفرهم، فذلك من أظهر الفساد وأغربه ولا حول ولا قوة إلا بالله. سفر دعاء لله ومما يجدر التنبيه عليه في السفر هو ما للدعاء من القيمة فيه. أخرج الترمذي وحسنه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه (ص): (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِهِ) لذلك يسن للمسافر أن يدعو لنفسه بمثل ما ورد في حديث علي رضي الله السالف: (سُبْحانَك إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ)، وما ورد في دعاء السفر، أو غير ذلك من خيري الدنيا والآخرة. كما يدعو لإخوانه الحاضرين والغائبين. عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه قال: (مَنْ أَرَادَ أنْ يُسافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخَلِّفُ: أسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ). وعن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: استأذنتُ النبيّ في العمرة، فأذِنَ وقال: (لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِن دُعائِكَ) فقال كلمةً ما يسرُّني أنَّ لي بها الدنيا. وفي رواية قال: (أشْرِكْنا يا أخِي في دُعائِكَ) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. سفر توكل على الله معلوم أخي الكريم أن ديننا دين التوكل على الله في كل عمل. قال تعالى: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران .159 مما يستلزم الأخذ بأسباب السلامة، ونهج سبيل العافية. إن الناظر في أحوالنا يلاحظ أن أغلب ما يحصل للمسافرين من حوادث مريعة؛ إنما هو بسبب ما كسبته أيديهم من التفريط فيما أمر الله به من التزود بالأسباب. وعليه وجب بهذا الخصوص التذكير ببعض الأمور التي كثرت الغفلة عنها من قبل المسافرين: أولها: متعلقة بما يركبه الإنسان مما سخره الله له من المراكب. فالواجب إعطاؤها حقها من الصيانة والمراقبة ومدى أهليتها للسفر. ثم الحرص على عدم تحميلها ما لا تطيق. عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ. وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَهِ، فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا. وَإِذَا عَرّسْتُمْ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ. فَإِنّهَا طُرُقُ الدّوَابّ، وَمَأْوَى الْهَوَامّ بِاللّيْل)) رَوَاهُ مُسلِمٌ. ولنا فيما ذكره الله تعالى عن سفينة نوح عليه السلام درس في الاعتناء بوسائل النقل من حيث حمولتها، ومن حيث ذكر الله عز وجل عند امتطائها. فقد حدد الحق حمولتها في قوله حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ هود ,40 ووجه إلى ذكره سبحانه قائلا: وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ هود.41 ثانيها: متعلق بالمسافر نفسه. إذ عليه اجتناب ما يعرض ذاته وغيره للمهلكة. وعلى رأس ذلك: - الإخلال بقانون السير عموما، مما يجعل المصالح المرتبطة به من حفظ أرزاق الناس وأنفسهم معطلة. - الإفراط في السرعة وعدم استحضار عواقب ذلك. مع العلم أن المسافر كلما زاد من السرعة ازدادت المخاطر، وازداد ضعف تحكمه في سيارته. - عدم إعطاء الجسم قسطه من الراحة. فكم من دواهي كان سببها قلة النوم... - تجنب الخمور والمخدرات. فكم كان ذلك خلف خسائر لا حصر لها في الأموال والأنفس. والأدهى من كل ذلك أن يلقى المسلم ربه سكرانا. ولا حول ولا قوة إلا بالله. سفر يذكر بالسفر الكبير الكَيّسُ من يذكره كل ما يشاهده بما أعده الله تعالى لعباده. فتذكره النعم بالنعيم الذي لا ينفد، وتذكره النقم والمكاره بالجحيم. من هنا احتوى دعاء السفر الثابت عن رسول الله تذكير المسافر بالسفر الكبير الذي منتهاه الدار الآخرة. (وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ). فيتذكر المسلم دوما أنه مقبل على ربه، وأنه سيخاطبه ليس بينه وبينه ترجمان، وأن له مقاما بين يديه سبحانه، وأنه سيجد ما قدم قدامه صغيره وكبيره. فإذا كان من شأن الإنسان أن يتزود لأسفاره بما يلزم، فإنه لا زاد للسفر الكبير سوى خشية الله والعمل بطاعته سبحانه. وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الالْبَابِ البقرة 196 جعلنا الله من المتقين والحمد لله رب العالمين

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.