احتفت إسرائيل بذكرى ستين عاما انصرمت على تأسيسها أمام أنظار العالم بكل صلافة ووقاحة، وجاء السدنة ليباركوا هذا الكيان الغاشم، وليعلنوا دعمهم للدولة الصهيونية. وإذا كانت إسرائيل قد احتفلت، فإن احتفالها هذا لا يعطيها شرعية، ولا يجعلها قريرة العين، آمنة مطمئنة، لأن الغضب ذنب يؤرق صاحبه، ويكدر عليه حياته، حتى ولو أراد نسيانه،ولا شك أن ما ارتكبه الصهاينة من قتل وتدمير وبطش وفتك؛بشعب أعزل لا حول له ولا قوة، سيلاحقهم جرمه أينما كانوا، قياما وقعودا، جموعا وشتاتا،لانياما وياقظين، فهواجس الظلم وكوابيسه؛ لن تترك لهم نفسا راضية،ولا قلبا مطمئنا،ذلك أن الظلم مرفوض بكل حال، شرعا وعقلا وعرفا وواقعا، ونتائجه على الظالم وخيمة، ولو طال الأمد،. ففي الحديث القدسي الذي يرويه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ،فيما يرويه عن ربه عز وجل،قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا (صحيح مسلم،حديث 25577كتاب البر والعلة). وفي حديث ابن عباس مرفوعا واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبن الله حجاب (صحيح البخاري،حديث2448كتاب المظالم). ودعوات هؤلاء المظلومين الذين هجروا من ديارهم وأموالهم بغير حق؛ ستلاحق الصهاينة حيثما حلوا وارتحلوا، ولا يشفع لهم الدعم المادي والمعنوي الهائل الذي يتلقونه من الدول الغربية، وأمريكا التي تمدهم بالمال والسلاح، وتنافح عنهم في المحافل الدولية، لأن الشعب الفلسطيني الأعزل؛ يستمد قوته من ذاته،ومن إيمانه بعدالة قضيته، ويقينه بأن الأرض أرضه، وأنها غصبت منه قهرا، ولذلك-رغم المعانات- فهو يبيت راضيا مطمئنا، صابرا محتسبا، مصرا على البقاء، منافحا عن استرداد حقه ولو طال الزمن، ولذا؛ فمفاتيح بيوته التي أجلي منها بيده؛ ومعالم أرضه محفورة في ذاكرته، يتوارثها الأجيال من الأحفاد عن الأجداد، ويتسلمها الأخير عن الأول، أمانة وحقا يأبى النسيان. إذا احتفت إسرائيل بذكراها؛ فالفلسطينيون-ومعهم الشعوب الإسلامية- محتفلة بنكبة فلسطين واغتصابها؛ بمؤامرات دولية وإقليمية من أبنائها الأصلاء، وكل على موعد، وينتظر الموعد،قال تعالى وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون (هود122-121:). وهذا كلي مفهوم ومدرك، والذي لا يفهم؛هو هذا الصمت الرهيب الذي يخيم على المسؤولين العرب، الذين يسارعون في التنازلات تلو الأخرى فيما يخص هذه القضية، فعلى مدار ستين سنة؛ لم تحقق السياسة العربية لهذه القضية شيئا ذا بال، والكل يهرول إلى من لا يرضى عنه إلا بأخذ اللحم والشحم والعظم معا. وينبغي أن يفهم الساسة العرب؛ أن إسرائيل قامت على عقيدة صهيونية، فهي تقاتل وتغتصب، وتؤسس وتبني من منطق تلك العقيدة، والعقائد لا تجتث وتهزم بالكلمات والخطب والمؤتمرات،وإنما تغلب بعقيدة أقوى منها، وليس هناك عقيدة تستطيع أن تواجه عقيدة الصلف والكبرياء والصهينة؛ غير عقيدة الإسلام، في سموها ووضوحها، فبينما يزداد الصهاينة جهارا بباطلهم، واعتزازا به؛ يزداد الوطن العربي انكماشا واستحياء، وخجلا من دينه وأمته وتراثه، إلى حد التنكر له أحيانا،أو تجاهله أو محاربته، بدون شعور،حتى ضعف الانتماء إلى هذا الدين والتبرم منه، والخوف من جملة من بيدهم الحل والعقد. ومشكلة فلسطين لن تجد طريقها إلى الحل إلا إذا عادت قضية إسلامية، تهم جميع المسلمين،لا الفلسطينيين وحدهم،ذلك أن الأرض المقدسة؛ هي - تاريخيا- وقف إسلامي،لا يباع ولا يوهب ولا يرهن،ولا يتنازل عنه بأي وجه من الوجوه، فمن بدل فيه أو غير؛ فالله حسبه، ولن يغير ذلك من واقعه شيئا. واسترداد هذا الحق المغصوب؛ يحتاج لجمع الكلمة وتأليف الصفوف ورصها. وبدون ذلك؛ لن نقدم لفلسطين شيئا،وسيبقى وضعها نهبا لمن يعيشون عليها،ويتأكلون بها، ويربطون مصيرهم ببقاء مشكلها بدون حل. وهذا الصنف موجود في الفلسطينيين أنفسهم، وفي غيرهم، فما زالوا متمادين متباغضين، يتجسس بعضهم على بعض، ويبيع بعضم بعضا، مقابل دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع. فنتج عن ذلك؛ هذا الصمت العجيب؛ الذي أصبحت فيه فلسطين سجنا كبيرا للشيوخ، والأرامل، والصبية، والعجزة، على مرأى ومسمع من العالم، ولا يستطيع أحد أن يفك عن هؤلاء العزل هذا الحصار الغاشم ،الذي أصبح فيه الإنسان أقل من الحيوان كرامة، وأهون من الجلد الأجرب، واالذي يخاف هو أن تدور الدائرة على الجميع، كما قال الشاعر ذهب الحمام بأم عمر فلا رجعت ولا رجع الحمام والموئل الوحيد، هو في الاعتصام بهذا الدين،وبوحدة الأمة ومصيرها المشترك،قال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، إن الله مع الصابرين(الأنفال/46) وقال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكر رضي الله عنه إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه،أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه (حديث صحيح،أخرجه أبوا داوود الترمذي).