لم يدخر الخطاب السياسي الإسرائيلي الصهيوني أثناء عدوانه النازي على غزة جهداً في التماهي مع خطاب الاعتدال العربي تتأرجح الكتابة بين لغة الفؤاد النازف ولغة العقل الناقد؛ بين ابتزازين : ابتزاز خطاب عقلاني زائف يحرّم علينا الغضب الجارف في وجه أبشع صور الظلم والإبادة، مثلما يحرّم علينا بكاء ضحايانا بصوت مجروح يليق بالجنازة الجمعية، وكل ذلك تحت طائلة الاتهام بالانجراف وراء العواطف والانفعالات المعطّلة للعقل والتدبير؛ وبين ابتزاز عواطف متفجرة متدفقة كالنهر الهادر تصرخ تحت وطأة الكابوس بصوت لا يُسمع: إذا كان العقل يحرّم غضب القلب والضمير، فليذهب إلى الجحيم، وإن لم يكن في الوسع أن نتكافأ مع جلادينا في الحياة، فلنتكافأ بالموت... ولتكن القيامة الآن ! ولكن من اخترع ابتداءً هذه الثنائية المصطنعة بين العقل والقلب؟! أي عقلانية هذه التي تريد بأن تقنعنا أن الصراع في فلسطين لم يعد صراعاً بين دولة الاغتصاب والاحتلال والشعب المنكوب بالاحتلال والحصار والتجويع والتركيع والذبح والقتل الجماعي، وإنما هو صراع بين محور التشدّد وعلى رأسه إيران، ومحور « الاعتدال». وعليه، فإن صواريخ حماس هي الفعل المحرّض الذي أوجب ردة الفعل الإسرائيلية، وإن هذه الصواريخ لم تنطلق رداً على الخروقات الإسرائيلية المتكررة لاتفاق الهدنة التي شملت أكثر من مائة وخمسة وعشرين خرقاً عسكرياً، فضلاً عن الحصار القاتل الذي امتد سنة ونصف السنة، وإنما انطلقت بأوامر إيرانية لتحقيق أجندة إيرانية ضد دول «الاعتدال» العربي؟! إذن، فحرب غزة هي حرب بالوكالة لا شأن لها بالمقاومة والاحتلال! لا بأس إذن، ولكن أفيدوني: إذا كانت المقاومة الفلسطينية في غزة هي الوكيل الإيراني في هذه الحرب، فمن وكيل دول الاعتدال المستهدفة فيها؟ إذ لا نعلم أن صواريخ حماس قد سقطت في أرض عربية. هل نفهم إذن من هذا المنطلق العقلاني أن « إسرائيل» هي وكيل أطراف «الاعتدال»، وأن استهدافها بصواريخ حماس كان في باطن الأمر استهدافاً لتلك الأطراف؟! هل بلغ الأمر بهذا المنطق « العقلاني» أن يماهي بين إسرائيل ودول الاعتدال؟ فأي دعاية أفضل من هذه لإيران ولأطراف الممانعة؟ وأي دعاية أقبح من هذه لدول «الاعتدال» ؟! ما لكم كيف تحكمون؟!! المقاومة= إيران وأطراف الممانعة إسرائيل= محور الاعتدال العربي أهذا ما ترغبون في تأكيده لنا مرحى إذن! قد وصلت الرسالة ! فمن حيث أردتم الطعن في المقاومة الفلسطينية في غزة بإحالتها إلى إيران وأجندتها لا إلى دواعي المقاومة المشروعة للاحتلال الغاشم، عظمتم الموقف الإيراني حين أحلتموه إلى المقاومة وأحلتم أنفسكم إلى العدو الإسرائيلي- الأمريكي. نعم، اغتصاب الوطن واحتلاله والتجويع والتركيع والإبادة الجماعية والتشريد واستهداف الأطفال والنساء والمدنيين على مدى ستين سنة ونيف، ليست أسباباً كافية للمقاومة. ولكن المقاومة اختراع إيراني خالص لا يواجه إسرائيل إلا بقدر ما يواجه محور الاعتدال! إلى هذا الحد ينحط خطاب العقلانية والاعتدال ليرتد على نفسه، وهو يحاول أن يُجهز على نظام المعاني التحررية، ليكرس خطاب الإذعان والاستسلام. نعم، لم يدخر الخطاب السياسي الإسرائيلي – الصهيوني أثناء عدوانه النازي على غزة جهداً في التماهي مع خطاب الاعتدال العربي، ليتخذ منه ستاراً أخلاقياً يسوغ العدوان. فيتوالى المسؤولون الإسرائيليون من بيريز إلى أولمرت إلى باراك إلى ليفني، على تأكيد أن حربهم على غزة والمقاومة إنما تستهدف المشروع الإيراني في المنطقة وأنها لا تتجاوز موقف الاعتدال العربي المهدد بالمشروع نفسه، ولا تتعدى موقف الشرعية الفلسطينية ممثلاً بعباس والسلطة. ثم إذا سكت صوت المدافع لم يتوانَ أولمرت في إعلان أن الحملة الإسرائيلية (على أطفال غزة ونسائها) قد أضعفت قبضة حماس لصالح تقدم السلطة الفلسطينية فيها! وفي أثناء ذلك كله لم نسمع من عباس ومن حوله عبارة واحدة تعترض على هذه المسوغات الإسرائيلية التي تحتمي أخلاقياً بظهورهم. ألا يصح القول إذن: إن إسرائيل أرادت القضاء على حماس، فلم تصب من حماس والمقاومة بعض ما أصابت من عباس والسلطة التي تعمدت أن تتماهى معها دون اعتراض! ما لكم كيف تحكمون! لا بأس إذن. المقاومة التي أمرت بها السماء وأقرتها الشرعية الدولية الأرضية للشعوب التي تتعرض للاحتلال، هذه المقاومة عبثية في الحالة الفلسطينية، وهي تقضي على فرص البديل الممكن السلام والعملية السياسية ! وهذا يفترض ضمناً أن العملية السياسية كانت، والحمد لله، تجري على قدم وساق وتتقدم نحو غايتها المنشودة: انسحاب المحتل من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حق العودة، وتفكيك المستوطنات، وسيادة الدولة الفلسطينية على كامل أراضيها ومعابرها. وكل ذلك وفق قرارات الشرعية الدولية التي أسهمت فيها نفس القوى التي خلقت إسرائيل ابتداءً ثم جعلت انحيازها المطلق لها استراتيجية ثابتة. هل كان هذا هو الحال حقاً قبل أن تنطلق صواريخ حماس «العبثية» بأمر إيراني؟ إن لم يكن قد أصاب الخلل ذاكرتنا فإن العملية السياسية قد بدأت منذ التسعينيات، وترجل الفرسان عن خيولهم فوضعوا السلاح وجنحوا إلى السلم بعد أن تنزلت عليهم لحظة التنوير الأمريكي وانقشع الوهم السوفياتي، وذهبوا إلى أوسلو، مرة بعذر المضطر، ومرة بعذر العمل المرحلي، ومرة بعذر تأمين موطئ قدم في الوطن المحتل للانطلاق منه إلى إنجاز آخر، في زمن آخر تعتدل فيه الموازين، ومرة بعذر العجز العربي المؤبّد وإسقاط خيارات الحرب، ومرةً بعذر الواقعية السياسية التي تسترشد بالعبارة المأثورة «السياسة فن الممكن» ومعناها الحقيقي «ليس في الإمكان أبدع مما كان» (مع تجاهل أن السياسة أيضاً هي فن خلق الإمكان، بل مع تجاهل أن أصل الداء وأس البلاء هو غياب الإرادة العربية السياسية لاستخدام الممكن فعلاً)، ومرةً بدعوى أن المقاومة لا تنحصر في الجانب العسكري، وأن لها أشكالاً أخرى كالعمل السياسي، أو «الاشتباك السياسي» كما يُفَضل المتنورون الواقعيون الجدد، ليوهمونا بأنهم قد انتقلوا من شكل من أشكال المقاومة إلى شكل آخر! ومهما تكن الدواعي والتعّلات، فأين انتهت أوسلو؟ أفيدونا أيها الناس! وكيف انتهى ياسر عرفات – رحمه الله – ؟ ألم ينته إلى أن ألزمه شريكه في أوسلو وفي العملية السياسية وفي نوبل غرفة واحدة في مقره محاصراً بالدبابات والجرافات الإسرائيلية؟ ألم ينفض شريكه يَده من يده معلناً أنه لم يعد شريكاً مقبولاً في العملية السلمية؟ ألم يضغط لنقل جزء من سلطاته بوصفه رئيس السلطة إلى رئيس وزرائه عباس باعتباره الشريك البديل المقبول، ثم إذا يئس من ذلك أرسله إلى حتفه على الأرجح؟ وفي كل هذه الأثناء، ألم تتوسع المستوطنات وتتضخم لاغتيال آخر وعود أوسلو مع اغتيال الشريك الفلسطيني الأول فيها؟ لا بأس... ربما كان الملام ياسر عرفات – رحمه الله - لأنه لم يستفد من الفرص المتاحة، ولم يقبل أن ينزل عن الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية (حسب تعريفات قرارات الشرعية الدولية) وظن أنه قادر على التشاطر على الشريك الإسرائيلي في العملية السياسية. هكذا قال لنا منظرو الواقعية السياسية الجديدة، وبعضهم من رجال السلطة الأكثر استنارةً وعقلانيةً وواقعية. ذهب ياسر عرفات. وجلس مكانه من أعلنت «إسرائيل» والولاياتالمتحدة أنه الشريك المعقول لولا تعطيل عرفات له، وأنه البديل الأكثر زكاةً وأقرب رُحْما. فماذا أعطته إسرائيل وقد صار رئيس السلطة الشرعي، لتحرج دُعاة المقاومة وتسقط دعاواهم وخطابهم « المتطرف»؟ أفيدونا أيها الناس! ماذا أعطته إسرائيل، قبل أن تحمل العملية الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة «حماس» إلى المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية؟ إذا لم يكن ثمة خلل في الذاكرة فإننا نتذكر أن «إسرائيل» قد أعلنت في وقت ما أن من كانت تراه في الأمس رجل السلام المعقول وشريكه الصادق، ليس حقاً كما كانت تتوهم، وأن أملها قد خاب فيه طالما أنه لم يقدم استحقاق الشراكة وشهادة حسن السلوك بالقضاء على المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية: رأس «يحيى» المقاوم عند أقدام سالومي مقدمةً شرطيّةً لشهادة حسن السلوك من «إسرائيل». أين هي إذن تلك العملية السياسية التي كانت تتقدم نحو غايتها كي تتحمل المقاومة تهمة الإطاحة بها؟ أليس الأصح أن المقاومة قد اكتسبت المزيد من المسوغات والدعم الشعبي نتيجة لإخفاق العملية السياسية، الأمر الذي يحمل إسرائيل تراجع نهج السلطة السياسي أمام نهج المقاومة، ومهّد من ثمَ لفوز حماس بالانتخابات التشريعية إضافة إلى أسباب أخرى كثيرة، وهي الانتخابات التي شهدَ لها العالم بأنها كانت الأكثر حرية ونزاهةً في أقطار الوطن العربي، وعبر الشعب الفلسطيني عن إرادته عبر صناديق الاقتراع التي ما فتئت أمريكا تضفي عليها معنى مقدساً في سياق حربها على التطرف والإرهاب. وكان ما هو معلوم، ووصلت حماس إلى الحكومة. وعلى الفور أغلقت الولاياتالمتحدة كتاب الديمقراطية المقدس، وتنكرت لخيار الشعب الذي ذهب إلى صناديق الاقتراع، وهو يعلم ما هي حماس ومن أين جاءت وما هو برنامجها وخطابها ومرجعيتها المبدئية. وبدأ التواطؤ فوراً بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل وأوربا وأطراف فلسطينية، مع الأسف، لإسقاط نتائج العملية الديمقراطية ومعاقبة الشعب الذي لم يعرف كيف يختار ومن يختار! إسرائيل تعتقل جملة من أعضاء المجلس التشريعي المنتخب عن حماس ومن بينهم رئيس المجلس، والمساعدات تتوقف، ويبدأ الضغط الإسرائيلي والدولي لانتزاع جزء من مسؤوليات الحكومة وثقلها إلى مؤسسة الرئاسة (السلطة). أي مفارقة أو مفارقات! في أثناء رئاسة ياسر عرفات، ينشأ ضغط لتوسيع سلطات رئيس الوزراء «عباس» من حساب الرئيس. حتى إذا ذهب أبو عمار – رحمه الله – وصار عباس رئيساً، تكتشف إسرائيل أنه ليس الشريك الذي كانت تؤيده، ثم إذا صعدت حماس إلى الحكومة، صار لا بد من توسيع سلطات الرئيس ولاسيما في المجال الأمني من حساب رئيس الحكومة وحكومته! وبين هذا وذاك، لا شيء للعملية السياسية سواءً أكان عباس رئيس حكومة أم رئيس سلطة، والعصا الغليظة لغيره سواءً أكان رئيساً للسلطة (أبو عمار) أم رئيساً للحكومة «هنية». الخيار، إذن، بين أن تكتفي إسرائيل بألا تعطيك شيئاً في خط العملية السياسية (إذا كنت ملتزماً بها) وبين أن تهدم السقوف على رأسك ورؤوس شعبك إذا تمسكت بنهج المقاومة في ظل إخفاق العملية السياسية! فأين تذهبون؟ وفي الوقت نفسه، بدأت عملية انقلاب غير منظورة ضد حكومة حماس المنتخبة! نعم، كن متعاطفاً مع حماس أو خصماً لها، كن مع مبدأ حق المقاومة ضد الاحتلال أو كن ضده، ولكن كن منسجماً على الأقل مع المنطق العقلاني الذي تحاصر به خصومك، ومبدأ الديمقراطية الذي تتعبد به، واعترف بالواقع الذي يشهد لنفسه. نعم، بدأت على الفور عملية انقلابية من داخل أجهزة السلطة، ولاسيما الأمنية منها، ضد حكومة حماس المنتخبة. والعبارة الأخيرة تضمر هذه الحقيقة لمن ألقى السمع وهو شهيد، وتحلى بأقل قدر من الموضوعية والنزاهة والإخلاص. فحين نذكر أجهزة السلطة في مقابل حكومة حماس، فما الذي تعنيه هذه الثنائية الشاذة؟ إن تعبير « أجهزة السلطة» في هذا السياق لا يحيل حقّاً على مؤسسات الدولة العامة التي يفترض أن تديرها الحكومة، أي حكومة شرعية، حتى حين تتناوب الأحزاب على تشكيل الحكومات وفقاً للعملية الديمقراطية: في كل مكان في العالم تأتمر أجهزة الدولة ومؤسساتها الأمنية بأوامر الحكومة الشرعية والإدارة السياسية العليا، وقد تتغير الحكومات في الدولة الديمقراطية، وتختلف برامجها السياسية، ولكن أجهزة الدولة ومؤسساتها تبقى خاضعة للإدارة السياسية الحكومية حسب القانون. فلا ثنائية بين الحكومة القائمة الشرعية وتلك الأجهزة والمؤسسات التي يتوجب عليها أن تنفذ أوامر الوزارات المعنية وتتصرف وفق قراراتها. أما الحديث عن السلطة وأجهزتها ومؤسساتها من جهة، والحكومة المنتخبة من جهة أخرى في الحالة الفلسطينية، فلا يفيد إلا بأن أجهزة السلطة وإدارتها ومؤسساتها، ومنها المؤسسات الأمنية، تمثل طرفاً سياسياً أو حزباً أو فصيلاً في مقابل الحكومة التي تمثل فصيلاً أو حزباً أو فريقاً سياسياً آخر. وفي هذه الحالة المختلّة لا تأتمر إدارات الدولة بأمر الحكومة ولكن بأمر قيادة حزبها، وليس للحكومة الشرعية ولاية عليها في واقع الأمر. وهذا ما لا يقرّ به قانون في العالم. فلم، إذن، نلجأ إلى الانتخابات الديمقراطية ونقر مبدأ التناوب السلمي على السلطة، إذا كان المطلوب أن تأتي الانتخابات بمن يمثلون نفس الفريق الذي تنتسب إليه إدارات الدولة، وإلاّ فلا طاعة للحكومة المنتخبة. هذا هو الخلل البنيوي الذي تأسس مع قيام السلطة ابتداءً، حين اختصت الإدارات والأجهزة الأمنية بفريقها الفتحاوي بصورة أساسية، مما قطع الطريق مسبقاً على جدوى عملية ديمقراطية يمكن أن تأتي بفريق حكومي ينتمي إلى منظمة سياسية أخرى. والآن، ما الذي يعنيه - في كل أقطار العالم- أن ترفض إدارات الدولة المدنية والأمنية ولاية الحكومة الشرعية، وتستقل بإرادتها متوجهة فقط بأوامر المنظمة السياسية التي تنتسب إليها؟ ماذا تفعل حكومة عربية أو أجنبية تتمرد على ولايتها وقراراتها إدارات الدولة الأمنية مثلاً؟ ألا يُعدّ ذلك بمثابة انقلاب وخروج على القانون؟ ألا تحشد الحكومة في هذه الحالة كل ما تستطيع حشده من مؤيديها في المؤسسة العسكرية لإخماد الانقلاب، فإذا أخفقت لجأت إلى المؤسسات الشرعية الدولية لإعانتها على المتمردّين؟! من المتوقع في هذه الحالة الفلسطينية الفريدة التي نشأت عقب تولّي حماس الحكومة أن تبدأ حماس في خلق أجهزتها الأمنية الموازية التي تطيع ولايتها، كي يزداد الوضع تأزماً ويتجه نحو الصدام والتفاصل المدمّرين. وإذن، فقبل الحديث عن انقلاب حماس في غزة يجب أن يجري الحديث عن انقلاب أجهزة السلطة الأمنية على ولاية الحكومة المنتخبة. فكان لا بد أن يفضي ذلك إلى الصدام والتفاصل على نحو ما جرى في غزة. وكان هذا ما ترغب فيه إسرائيل والولاياتالمتحدة لشق الصف الفلسطيني وتسويغ الحصار المدمّر على غزة والتواطؤ الدولي والإقليمي على الحكومة المنتخبة والمقاومة بصفة عامة، بمعاذير جديدة تتستر بشرعيّة السلطة وشرعية الرئيس وتجتهد في أن تتماهى معها وتسوّغ ممارستها القمعية بها، وتتباكى عليها وتخفّ لدعمها. وفي هذا السياق بالضبط يتم تغيير خطوط جبهات الصراع. فبدلاً من أن تكون المفاصلة بين قوى الاحتلال والاغتصاب (إسرائيل) من جهة، والشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال بكل أطيافه وفصائله من جهة أخرى، تصبح القسمة بين تيارات المقاومة (الموسومة بالتطرف والتشدد والإرهاب) من جهة، وقوى السلام والاعتدال التي تجمع قسراً إسرائيل مع السلطة من جهة أخرى. وربما لم تكن السلطة راغبة في هذا التماهي، ولكنها تركت لإسرائيل والولاياتالمتحدة والأطراف الإقليمية المتواطئة أن تجرها إلى هذا الوضع. وإذ إن الخلاف الإقليمي العربي والإسلامي قائم أصلاً، يصبح بالإمكان توسيع القسمة الجديدة لتصبح بين محور الممانعة الذي يضم إيران سوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية في جبهة واحدة، وبين محور «الاعتدال» المعروف الذي وجدت أطراف عربية نفسها تجتمع فيه مع السلطة وإسرائيل والولاياتالمتحدة وأوربا، من جهة أخرى.