2ـ مراجعة أصول الفقة في الحلقة الثانية من حواره يرى العلواني أن علم أصول الفقة يحتاج إلى إجراء مراجعة على ضوء القرآن الكريم ، حسب رأيه وأول ما يجب مراجعته هو تعريف علم أصول الفقه ، حيث إنه علم يبحث في أدلة الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد..، أو علم يبحث في دلائل الفقه الإجمالية وكيفية الاستدلال بها وحال المستدل. فبداية هذا الجمع في كلمة أدلة ينافي كون القرآن الكريم هو الأساس والأصل والمنشئ للأحكام، فالقرآن أخبرنا بأن الحكم لله إنشاء وابتداء إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ (الأنعام : 75)، وربط بين التشريع والعبادة، وربط بين وظيفة المشرع والإله، وأوضح أن ذلك كله من شأن الله تعالى. فإذن ويستنتج من هذا أنه لا دليل سوى القرآن الكريم؛ لأنه وحده الذي يحمل مؤهلات إنشاء الأحكام والكشف عنها والنطق باسم الله تعالى، فالتشريع هو اختصاصه، أما السنة، وهو الذي خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فحين يقوم عليه الصلاة والسلام بتنفيذها في الواقع تكون سنة قرآنية من حيث الإنشاء والكشف، وسنة نبوية من حيث التفعيل والتطبيق. واستدل بقول الإمام الشافعي في الرسالة : وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة إلا وفي كتاب الله أصل لها. أما الإجماع ـ في نظره ـ فلم يكن أبدا منشئا لحكم أو كاشفا عنه، بل إن القرآن هو من كشف عن الحكم وأنشأه، ويرى أن تقديم الإجماع على القرآن عند التعارض بينهما خطأ كبير؛ لأن تقديم الإجماع على صاحب المستند لا يجوز ولا يعقل أساسا. أما القياس فقام على أساس مقولة الأصوليين أن نصوص القرآن متناهية ووقائعنا غير متناهية هذه مقولة - في نظره - غير صحيحة على الإطلاق، وإلا فأين هيمنة القرآن واستيعابه؟! ويرى أن التدبر كفيل بأن يعلمنا أنه لم يفرط الله في القرآن من شيء ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (الأنعام : 83)، وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ(الكهف : 45)، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ (النحل : 98). أما بخصوص العموم والإطلاق والتقييد والمجاز والمبين والمجمل، وغيرها من الأدلة التي أبدعها الأصوليون فينفي العلواني أن يكون شيء من هذا في القرآن ، ويرى أن الذي حدث أننا أسقطنا أحكام لساننا القاصر ولغتنا عليه، وظننا بالتشابه الموجود بين لسانه وألسنتنا أنها واحدة، فحكمنا على ما ورد فيه بأن هذا مجمل وهذا مبين وهذا مشترك وهذا عام وهذا خاص. وسوينا بينه وبين لغاتنا، مع أن الله قد تحدانا منذ البداية وأثبت لنا أننا لا يمكن أن نقارب لسانه وأننا أعجز جنا وإنسا وبشرا وكل قوانا وطاقاتنا من محاولة الإتيان بمثله أو مقاربة مستواه بأي شكل من الأشكال. أما بخصوص المصلحة فيرى العلواني أن القرآن حينما يصوغ أدلته يصوغها وهو ينظر في السماء وفي الأرض، في الإنسان وفي خالق الإنسان.فهو يعلم أن الخالق تبارك وتعالى قد راعى طاقاتنا وكل شئوننا، ولكنه يدرك أيضا أن هناك نسقا ينتظم كل هذه المصالح، حينما تخرج عنه تتحول إلى نفعية تتنافى مع العبادة. واتهم العلواني الأصوليين بتحويل المصلحة إلى مذهب نفعي يستهدف نفع الإنسان بغض النظر عن أشياء أخرى، وفي حين أن الله خلقنا للعبادة توهمنا أن شريعته جاءت من أجل تحقيق بقائنا فقط، فهناك ضروريات وتحسينيات وحاجيات لا علاقة للقرآن بها، وإنما جعلناها هدفا لأنها في نظرنا ضروري أو حاجي أو تحسيني، وبالتالي جعلنا الشريعة تبعا لمصالحنا، فقلنا خطأ حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.. مع أن العكس هو الواجب والصحيح. ورغم قوة هذه الآراء وكون العديد منها ليس جديدا فإن العلواني لم يطرح بعد نظرية علمية أكاديمية مفصلة في كل ما قاله، مما يضعف بعض الشيء هذه الآراء ويفقدها قوة الحجة. واه حاول في بحوث ومحاضرات نثر هذه الآراء، وخص التعامل مع السنة بأبحاث قيمة، مثل بحثه المعمق لبعض الأحاديث المذكورة في هذا المقال. إن ما أثاره مفكر من حجم العلواني من أفكار وآراء تكفي لحمل المختصين على إعادة تداولها ونقدها بروية ومنهجية علمية، بعيدا عن أساليب التشنيع والتشهير المعهودة التي تقابل بها عادة مثل هذه الآراء، لعل ذلك يكون مقدمة لتجاوز الركود الذي أصاب العلوم الإسلامية وأبقاها أسيرة الاجتهادات السابقة، وعطلها عن القيام بمهامها في النهوض بواقع الأمة الذي يزداد سوءا واستفحلا، ،ولنا عودة مفصلة للموضوع بإذن الله. أستاذ الفكر الإسلامي كلية الآداب جامعة ابن زهر- اكادير