تعليقا على القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في الملف عدد 5382/2005 بتاريخ 2007/5/.17 فالتحرش الجنسي في أماكن العمل يمارس في المغرب بجميع أنواعه (الشفهي، البصري، الجسدي)، وهو لون من ألوان إهانة المرأة الأجيرة وإذلالها وإلحاق الأذى بها، وهو الذي حذر الله من وقوعه في الآية 59 من سورة الأحزاب. والملاحظ في المغرب أن أربع نساء من بين خمس يتعرضن للتحرش الجنسي في طريقهن إلى العمل، أو في مقرات العمل. لكن هذه الظاهرة مسكوت عنها بالدرجة الأولى من طرف النساء الضحايا خوفا من الطرد من العمل بسبب الفقر والتهميش أو حفاظا على سمعتهن ولغياب ثقافة البوح. وقليلات هن النساء اللواتي يغادرن مقرات العمل بسبب التحرش بهن جنسيا، أو تحريضهن على الدعارة، كما في نازلة الحال، حيث في قراءة سريعة لصورة النازلة، أن التحرش الجنسي في أماكن العمل يستمد وجوده غير المشروع من التفوق السلطوي الاجتماعي، أو السياسي، أو الثقافي، ولاحظنا في نازلة الحال أن الأجيرة طلب منها مشغلها توقيع عقد عمل جديد في غضون شهر مارس ,2004 ولما عارضت في ذلك أخذ في الضغط عليها، والتحرش بها، وهو الأمر الثابت خلال جلسة البحث التي عقدتها محكمة الاستئناف بتاريخ 2006/12/,21 حيث صرح الشاهد أنه كان يلاحظ رب العمل يقول للأجيرة ويصفها بـ(شعرك جميل، وملابسك جميلة) وأن هذا النوع من الكلمات لم يسبق أن قاله لكاتبة أخرى، وبالتالي قدرت محكمة الدرجة الثانية بناء على شهادة شاهدة أخرى أن الكلمات الموجهة للأجيرة تكون منسجمة مع ما صرحت به، إضافة إلى كلمات الغزل الثابتة بواسطة الشاهد المستمع إليه، وهي امرأة متزوجة، وسيصيبها ذلك بعدة أضرار بليغة، وسينعكس ذلك سلبا على أسرتها الصغيرة، ومحيطها الاجتماعي. وعليه اعتبرت محكمة الاستئناف أن التحرش الجنسي ثابت في حق المؤجر، وأنه خطأ جسيم ولون من ألوان الإذلال والإهانة والظلم، وما ذهب إليه القرار مسنود بما جاء في مدونة الشغل حسب المادة 40 التي اعتبرت أنه يعد من بين الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها رب العمل، التحرش الجنسي، التحريض على الفساد، وفي حالة ثبوتها في حق رب العمل، تعد بمثابة فصل تعسفي، وأنه حسب المادة 41 من مدونة الشغل فإنه في حالة تعرض أية امرأة لواقعة التحرش الجنسي في أماكن العمل فلها الحق في المغادرة التلقائية، ويعتبر ذلك بمثابة طرد تعسفي يستوجب التعويض المادي وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في قرارها موضوع التعليق، لما ألغت الحكم الابتدائي وقضت لفائدة الأجيرة بتعويض حدد مبلغه في 145865 درهما. وبالإضافة إلى ما ورد في مدونة الشغل فإن القانون الجنائي المغربي جرم التحرش الجنسي في المادة 52/13 حيث يمكن للأجيرة المتحرش بها أن تتقدم بشكاية مباشرة أوعادية بالإضافة إلى دعوى الفصل التعسفي. ولكن عليها الإدلاء بوسائل الإثبات من شهود وشواهد طبية المثبتة للآثار النفسية للفعل الإجرامي، حيث يمكن مطالبة الجاني ذي السلوك المنحرف بتعويضات على شكل مطالب مدنية أمام المحكمة المعروضة عليها النازلة. والقرار موضوع التعليق اعتبر التحرش الجنسي خطأ جسيما يبرر المغادرة التلقائية للأجيرة، ويعتبر سلوكه المنحرف هذا فعلا تعسفيا، اعتمد على مجموعة من النصوص الدولية التي تجرم التحرش الجنسي والتي تنص على حق المرأة في العمل بدون تمييز بسبب الجنس، وحمايتها صحيا وأخلاقيا وخاصة الاتفاقيتين 100 و111 الصادرتين عن منظمة العمل الدولية والموقع عليها من طرف المغرب واللتان تنصان على حماية المرأة العاملة من التحرش الجنسي، وهو الأمر الذي يتسبب لا محالة في إعاقة نمو المجتمع ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة للبلد. والقرار وجّه إشارة تربوية وأخلاقية لأرباب العمل للحفاظ على كرامة الأجيرات وسمعتهن ليساهمن في التنمية بشكل إيجابي وأنه في حالة تحرشهم بالنساء العاملات فإن ذلك سيعرضهم لا محالة لعقاب القانون في الدنيا ولعقاب الله تعالى في الآخرة.