آسيــــا تعانــــي مــــن نقـــــص فــــــي عــدد النســـــاء نتائج تغيير سنة الله لقد أحسن الله كل شيء خلقه، وضبط توازن كل شيء في الوجود. وقال لنا والله يعلم وانتم لا تعلمون. ولكن الناس في كثير من الأحيان يظنون أنهم يحسنون صنعا عندما، يسعون إلى إعادة التوازن إلى ما يظنون أنه غير متوازن فيفسدون كل شيء.لأنهم لا يعلمون علم من خلق. مثل ذلك تلك المنطقة الزراعية في أمريكا الجنوبية التي ابتليت بنوع من الطيور يأكل لها حوالي 15% من محصولها الزراعي. فقررت البحث عن وسيلة تبيد بها هذه الطيور حتى تنعم ب100% كاملة من محصولها، جاهلة أن الخمس عشرة في المائة هي رزق ساقه الله لتلك الطير حتى تقوم بواجبها تجاه أولائك الناس أنفسهم وتوفر لهم الخمسا وثمانين في المائة التي هي رزقهم. وعندما تمكنوا من إبادة الطير لم ينعموا لا بمائة في المائة ولا بخمس وثمانين. لأنهم اكتشفوا بعد فوات الأوان أن الطير إلى جانب رزقها من المحصول الزراعي، كانت تأكل كذلك دودة في الأرض انتشرت بعد إبادة الطير وأصبحت تأكل تسعين في المائة من المحصول. فندموا حيث لا ينفع الندم وبحثوا عن طيرهم ولم يجدوها. وآخر مثال هو ما وقع في بلاد الغرب عندما حاولوا تحسين جودة قطعانهم من الأبقار فأضافوا إلى أعلافها مواد مستخلصة من اللحوم، وهكذا حولوا حيوانات خلقها الله عاشبة إلى لاحمة؛ فأصيبت أبقارهم بالجنون. والكل يعرف المآسي التي تلت ذلك. وفي هذا الملف الذي نشرته لوموند ديبلوماتيك عبرة أخرى عن التدخل البشري في خلق الله وتحديد النسل بما لا يتناسب والتوازن الطبيعي الذي وضعه الله في هذا الكون. مع ما يستتبع ذلك من عواقب على مستقبل المجتمعات.إنها الإبادة الذاتية لمجتمعات ظنت أنها تحسن صنعا. إبراهيم الخشباني في العديد من الدول الآسيوية، أخذ الاختلال بين الجنسين منعرجا مأساويا، بل إن الأمر أصبح يهدد التوازن الديموغرافي. وإذا لم يكن هناك أي تدخل بشري فإن النساء سوف يصبحن أقل عددا بتسعين مليونا. هذه الدول لن ترى ساكنتها تتزايد، ولكن الرجال فيها لن يظلوا يشكلون الأغلبية الساحقة. الإجهاض الانتقائي، سوء معاملة النساء، سياسة الطفل الوحيد في الصين، والضغوط من أجل التحكم في نسب الولادة في كل مكان، كلها أدت إلى هذه الوضعية غير المسبوقة في العالم. والأسباب هي في نفس الوقت سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية ودينية... ولكنها في الغالب أبعد ما تكون عن الأفكار الجاهزة. فمثلا قد اتضح أن الأسر الأكثر غنى ليست هي الأقل انتقائية. أريـــــد زوجــــــــة وكــــــفى في العديد من الدول الآسيوية، أخذ الاختلال بين الجنسين منعرجا مأساويا، بل إن الأمر أصبح يهدد التوازن الديموغرافي. وإذا لم يكن هناك أي تدخل بشري فإن النساء سوف يصبحن أقل عددا بتسعين مليونا. هذه الدول لن ترى ساكنتها تتزايد، ولكن الرجال فيها لن يظلوا يشكلون الأغلبية الساحقة. الإجهاض الانتقائي، سوء معاملة النساء، سياسة الطفل الوحيد في الصين، والضغوط من أجل التحكم في نسب الولادة في كل مكان، كلها أدت إلى هذه الوضعية غير المسبوقة في العالم. والأسباب هي في نفس الوقت سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية ودينية... ولكنها في الغالب أبعد ما تكون عن الأفكار الجاهزة. فمثلا قد اتضح أن الأسر الأكثر غنى ليست هي الأقل انتقائية. هذا شاب صيني في الثلاثين يتساءل مندهشا: أي نوع من النساء أتمنى؟ لا يهم كثيرا! إن العثور على زوجة اليوم أمر من الصعوبة لدرجة أنني أصبحت حاليا أريد زوجة وكفى، كيفما كانت! في العديد من دول آسيا لم يعد العثور على زوجة أمرا هينا. وهناك تقديرات تؤكد أنه انطلاقا من سنة 2010 فإن أزيد من مليون رجل كل سنة سوف يبقون بدون زواج ، وذلك بسبب نقص في عدد النساء. مثلا، في بعض قرى ولاية البنجاب الهندية (في الشمال) يرحل الرجال للبحث عن زوجة إلى ولايات أخرى بعيدة عن البلد، مثل رجاستان وأوريسا، بسب قلة؛ بل تقريبا عدم وجود نساء للزواج. الهند والصين اللتان تمثلان لوحدهما أزيد من ثلث ساكنة العالم (37%)، تتقاسمان خصوصية أقل ما يقال عنها إنها شاذة وغير طبيعية:وهذا الاختلال الديموغرافي يبقى مع ذلك أبعد من أن يثير الانتباه ويحظى بالاهتمام الذي يستحقه، كما أن الصرخة الأولى التي كان قد أطلقها سنة 1990 عالم الاقتصاد الهندي آمارتيا سين الذي أحرز بعد ذلك سنة 1998 جائزة نوبل للاقتصاد، وذلك عندما قال صرخته التي ظلت بدون صدى:ينقص العالم الآن أزيد من مائة مليون امرأة،هذه الصرخة لم تجد من يسمعها. الأغلبية الساحقة لهذا النقص تعرفها الهند والصين. داخل مجتمع ما عندما يكون الرجال والنساء يُعاملون على قدم المساواة وعندما لا تتعاطى النساء للهجرة مثل الرجال فإنه من الطبيعي أن يشكلن الأغلبية. ولو أن آسيا خضعت لهذه القاعدة العامة بتسجيلها لهذا النوع من الزيادة الطفيفة والطبيعية في عدد النساء لكانت تعد اليوم تسعين مليون امرأة إضافية. مــــوؤودات القـــــــرن الواحــــــد والعشريـــــن والصين التي كانت تعد منذ فقط ثلاثين سنة زينة الشيوعية العالمية، والمدافع المتحمس عن المساواة بين الجنسين، هي اليوم واحدة من الدول حيث التمييز ضد النساء على المستوى الديموغرافي هو الأكثر حدة. ومن الجوانب السيئة للَّبررة الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد، فإن موازين القوى التقليدية التي هي بنيويا ليست في صالح النساء، عادت إلى الظهور بقوة.والهند كقوة اقتصادية كبرى صاعدة ـ هي حاليا تحتل الصف السابع في بين الأقوى المصنعة في العالم ـ تمارس هي الأخرى التمييز ضد نسائها. وإلى جانب هذين العملاقين فإن الظاهرة مست كذلك كلا من الباكستان والبانغلاديش وتايوان و كوريا الجنوبية وبدرجة أقل آندونيسيا - وهي دول تضم لوحدها ثلاثة من بين الستة ملايين نسمة التي تعمر الكوكب الأرضي. إقصاء للبنات عن طريق الإجهاض الانتقائي،، معاملة غير متكافئة بين الأطفال تفضل الأولاد على البنات، وضع اجتماعي تهميشي وظروف صحية سيئة، كلها وراء أسباب نسب الوفاة المرتفعة بين النساء سواء في مرحلة الطفولة أو في سن الرشد، وكلها تمثل كذلك خصوصيات تتضافر لتكريس هذا النقص في عدد النساء.إن بنية التوازن بين الجنسين في أي مجتمع تخضع لنسب كل جنس عند الولادة من جهة ولوتيرة الوفيات بالنسبة للرجال وللنساء ومعدل الأعمار بين الجنسين من جهة أخرى. في الحالات العادية، أي بدون أي تدخل بشري يربك تأثير هذه المعطيات تُلاحظ عادة زيادة طفيفة في نسب ولادة الذكور مقارنة مع الإناث و نسب وفاة في مختلف الأعمار لدى الرجال أكثر منها لدى النساء، ووثيرة الوفاة هذه المرتفعة نسبيا عند الرجال تعوض في العادة النسب الزائدة في الولادة لدى الذكور. إلا أنه في العديد من الدول الآسيوية فإن واحدة أو الأخرى من هاتين القاعدتين الطبيعيتين، أو هما معا يتم التصدي لهما ومناوأتهما بممارسات اجتماعية. وهكذا تولد نساء أقل مما ينبغي وتموت من النساء أكثر مما هو طبيعي، ومن هنا تأتي النسب المرتفعة جدا للرجال. إن النظام البيولوجي الطبيعي -حوالي 105من المواليد الذكور مقابل100 من الإيناث- منتظم الحدوث بشكل ملحوظ جدا. والفوارق عندما تكون تبقى ضئيلة جدا: النسبة الأدنى سجلت في رواندا؛ حيث ولد 101 من الذكور مقابل 100 من الإناث. والنسبة الأعلى في السورينام حيث ولد 108 من الذكور مقابل 100 من الإناث. وهما معا من خارج آسيا. أما في العديد من دول آسيا، فإن الحقيقة مخالفة لذلك تماما. وتأثيرات العوامل البيولوجية، الجينية، والبيئية، التي عادة ما يُتذرع بها لتبرير هذه الفوارق بين الدول، إذا كان من الطبيعي عدم استبعادها نهائيا، فإنها لا تكفي وحدها لتفسير التطور الملاحظ منذ عشرين إلى خمس وعشرين سنة. ففي الصين والهند وكوريا الجنوبية وطايوان كان الأولاد والبنات يولدون حسب النسب العادية إلى حدود سنوات الثمانينات من القرن العشرين. ولكن مع القرارات بنقص الولادة وبتحديد النسل، فإن التفضيل التقليدي للأولاد على البنات سرعان ما يطفو على السطح مهتاجا ويأتي ليحل محل القوانين البيولوجية، لاغيا بذلك التوازن الطبيعي. ولقد أصبحت التطورات التكنولوحية تسمح بالتدخل في جنس المولود: فبعد بضعة أشهر من الحمل يمكن للمرأة الحامل أن تجري فحصا بـالإيكوغرافي أو ب الآمنيوسانتيز لمعرفة هل الجنين ذكر أو أنثى. إذا كان ذكرا يمكن العودة إلى البيت وانتظار الحدث السعيد بفارع الصبر. أما إذا كانت بنتا، فإنها المعضلة: إذا قرر الزوجان الاحتفاظ بها، هل ستكون لهما فرصة أخرى لإنجاب ولد؟ وفي هذه الحالة هل سيكون في مقدور الأبوين مواجهة تصاعد تكالف العناية بطفلين؟ في أغلب الأحيان عوض التخلي عن الولد فإن القرار يُتخذ بالتخلص من البنت غير المرغوب فيها، فتجهض المرأة الحامل. (في الصين حيث أصدرت السلطات منذ أزيد من عشرين سنة قرارا بمنع إنجاب أكثر من طفل واحد لكل أسرة فإن العائلات تفضل إذا كان من الضروري أن لا تنجب إلا مرة واحدة، أن يكون المولود الوحيد ولدا وليس بنتا؛ وهكذا هناك من النساء من أجهضت أكثر من ثماني مرات سعيا وراء الولد الذكر). وعلى هذا الأساس فإن نسبة الذكور الذين ولدوا خلال العقدين الأخيرين هي في الصين 12% أكثر من المعدل العادي، وفي الهند 6% أكثر من المعدل العادي. وفي كوريا الجنوبية، وبعد تلك النوبة التي عرفتها البلاد خلال سنوات التسعينات ب 115 مولود ذكر مقابل 100 أنثى، فإن الوضع آخذ في التحسن ب 108 ذكرا مقابل 100أنثى سنة .2004 ومنذ مدة أخذت هذه الظاهرة تنتشر في بلدان آسيوية أخرى. وهكذا أصبحت جهة فييتنامية من كل جهتين تسجل 110 من المواليد الذكور مقابل 100 من الإيناث. وفي بلدان القوقاز (أذربيدجان، جيورجيا، آرمينيا...) تصاعدت النسب بشكل عنيف في أواسط التسعينات لتبلغ مستويات تضاهي بعض جهات الصين والهند. غير أن الدول المجاورة لهذه المنطقة(روسيا،أوكرانيا، إيران، تركيا) تبقى مع ذلك محافظة على توازنها. في أندونيسيا التي ظلت فيها نسبة الذكور البالغين أقل من سنة واحدة مقارنة مع الإناث من نفس السن في حدود ما هو طبيعي إلى حدود ,1990 ثم انتقلت بعد ذلك بعشر سنوات فقط إلى 3,106%. إنها عملية تذكير مكتفة للساكنة تجلت في نقص ملحوظ في النساء، زادت طينه بلة الهجرة الكثيفة للنساء، خصوصا نحو المملكة العربية السعودية، مما جعل اختلال التوازن الديمغرافي بين الجنسين يتكرس أكثر. سياســــة الطفـــــل الوحيــــد وهناك عوامل معقدة تساهم كذلك في تفضيل الرجال وإساءة معاملة النساء. غير أن المجتمعات الآسيوية التي اشتهرت بنقص كبير في المواليد الإناث لديها مشترك يوحدها هو تفضيلها القوي للأولاد على البنات، وهو ما زاد من تكريسه الانخفاض الذي عرفته العقود الأخيرة في عدد الولادات على العموم. ففي الصين وتحت تأثير السياسة الطغيانية للتحكم في عدد الولادات فقد انهارالعدد المتوسط للأطفال لكل امرأة خلال أوائل سنوات السبعينات من القرن العشرين من أكثر من خمسة أطفال إلى أقل من اثنين. وفي الهند هو في طريقه إلى النزول إلى أقل من ثلاثة أطفال مقابل ما يقارب الخمسة منذ عشرين سنة. وفي كل من كوريا الجنوبية وتايوان لم تعد النساء يلدن أكثر من 2,1 في المعدل، وهي من بين نسب الولادة الأكثر انخفاضا في العالم. إذن ما العمل عندما لا تريد الأسرة أو لا تستطيع ـ كما هو الحال في الصين ـ أن تنجب إلا عددا محدودا جدا من الأطفال؟(طفل واحد لكل أسرة في الصين). ليس هناك إلا خيار واحد: الحيلولة ما أمكن دون ولادة بنت، وعندما يُتأكد أن الجنين الذي في البطن هو أنثى؛ القيام بكل ما في الإمكان بما يمنعها من أن تحرم أبويها من إمكانية إنجاب ولد ذكر. (في الصين ليس هناك إلا الإجهاض وإعادة المحاولة مرات ومرات حتى التأكد من أن الجنين ذكر). في الهند ومنذ سنوات الستينات من القرن المنصرم تدعو الحكومات إلى نموذج الأسرة القليلة العدد. وهكذا فالنسبة المثلى هي كما هو الحال في العالم المعاصر أجمع: ولد وبنت.يقول الصينيون: يجب ولد وبنت حتى تكون الأسرة مكتملة وهو نموذج مقبول إلى حد كبير من المواطنين الصينيين، ولكن الدولة لا تسمح بأكثر من مولود واحد. بينما الناس في الحقيقة يفضلون ولدا أو عدة أولاد وبنتا واحدة على أكثر تقدير.في بانغلاديتش وباكستان حيث لا زالت النساء تلدن مولودين أو ثلاثا أكثر من الصينيات، والكوريات الجنوبيات، والطايوانيات، فإن الانتقاء القبْلي للمواليد غير منتشر بنفس الحدة. بل هو قليل جدا. غير أن التمييز ضد البنات والنساء ليس أقل منه في هذه البلاد الأسيوية الأخرى. فهاتان الأمتان هما والهند تعتبران من بين الدول النادرة في العالم حيث الأمل في الحياة بالنسبة للنساء هو نفسه بالنسبة للرجال، بل هو أقل منه لدى الرجال، بينما قوانين الطبيعة تعطي الامتياز للنساء في هذا المجال.أن تهمل الأسرة بناتها، وأن تجعلهن بعد الولد عندما يتعلق الأمر بإطعامهن أو علاجهن أو تلقيحهن، هي ممارسات عادية وغالبا ما تكون مميتة، ومن هنا انعدام التساوي الملحوظ جدا بين الجنسين أمام الموت، وخصوصا في فترة الطفولة. الموت في سن من الولادة إلى الخمس سنوات هو عادة ما يكون أكثر حدوثا بين الأولاد منه بين البنات. ولكنه في الهند بالنسبة للبنات أكثر بـ7% منه بين الأولاد، وفي الباكستان 5% بين البنات أكثر منه بين الأولاد، وفي بانغلاديش3% بين البنات أكثر منه بين الأولاد. وعلى سبيل المقارنة فبالنسبة للدول المسلمة مثل تونس ومصر وموريطانيا، التي لها مستوى نمو بشري مماثل للدول الآسيوية المذكورة فإن نسبة الوفيات بين الأولاد قبل خمس سنوات تفوق نسبة الوفيات بين البنات ببضع نقط؛ بما يتوافق مع النسب الطبيعية في كل العالم. وتبلغ نسبة مخالفة الطبيعة ذروتها في الصين حيث تفوق نسَب الوفاة بين الإناث بـ28% نسب الوفاة بين الأولاد. وهكذا فإن الإجهاض الانتقائي حسب جنس الجنين الذي يُفضل ذكرا، وإهمال البنات في العلاج في حالة المرض مما يتسبب في ارتفاع أعداد الوفيات بينهن، هي أسباب مسؤولة بقدر كبير عن هذا النقص في عدد النساء، بينما لا تقوم الأنواع الأخرى من التمييز إلا بدور ثانوي جدا. وهذه الممارسات ناتجة مباشرة عن الوضع الدوني للمرأة في هذه المجتمعات: النظام الأبوي الباترياركي، الأسر التي تورث فيها القيادة للأولاد الذكور، تقاليد اجتماعية تربي النساء على الخضوع للأزواج، بل وأحيانا حتى لعائلة الزوج حد التملك، تزويج البنات بالإرغام... (يلزم ولد لصيانة الأسرة، وضمان استمرارية الاسم العائلي وتأمين إعادة الإنتاج الاجتماعي والبيولوجي). في الصين والتايوان وكوريا الجنوبية يعتبر غياب وريث ذكر نذيرا لانقراض السلسلة الأسرية ولعقيدة الأسلاف وعباداتهم، في الديانة الهندوسية غياب وريث ذكر معناه الحكم على الأبوين بالتيه الأبدي بعد الوفاة، لأن الابن الذكر هو المكلف بطقوس الجنازة بعد موت أبويه. في الهند كما في الصين لا تعتبر البنت بالنسبة لأبويها إلا حالة عابرة. فبعد زواجها تذهب لتنذر نفسها لخدمة أسرة زوجها، ومن حينها لا تعود تدين بشيء لوالديها على الإطلاق. وفي البوادي الصينية يعتقدون أنه من الواجب تربية ولد بقصد التهيُّء للشيخوخة، إذ ليس هناك أي مجال للحصول على أي معاش للشيخوخة. أما تربية بنت فيقول عنها مثل صيني: تربية البنت كحرث حقل للغير وفي الهند يقولون كسقي حديقة جارك. نــــادرات لكــــــــن لســــــــــن غاليـــــــــات إن مظاهر التمييز لا تهم الأزواج في معزل عن وضعهم الاجتماعي، الاقتصادي أو الديني. فمثلا في الهند؛ يمس اللجوء إلى الانتقاء قبل الإنجاب أكثر ما يمس وبشكل مكثف الطبقات الأكثر غنىً والأكثر تعلما. ومن الغريب أن النساء الأكثر اسقلالية هن اللواتي يلجأن في الغالب أكثر من الأخريات إلى الإجهاض الانتقائي فيجهضن البنت ويحتفظن بالولد.وهي نفس الملاحظة في الصين حيث النساء الأكثر شبابا والأكثر ثقافة، وخصوصا في المدن؛ هن اللواتي يمارسن وبشكل ممنهج هذه أساليب الانتقاء قبل الإنجاب هذه، سعيا وراء الولد وتجنبا للبنت. وهذا لا يعني أن باقي الساكنة تحافظ على بناتها، بل بالعكس؛ ففي الصين كما في الهند، فإن صيانة الثروة الاقتصادية للأسرة ووسائل إنتاجها ـ التي في الغالب هي الأرض ـ أمر يؤثر جدا في قرار تفضيل الولد. مثلا، نظام منح الأراضي القابلة للزراعة الذي تم وضعه بعد فشل سياسة التأميم في المجال الفلاحي في الصين الشيوعية، وفي حقبة تفكيك المزارع الجماعية في الثمانينات من القرن العشرين، هذا النظام الذي ينضاف إلى نظام توريث تؤطره قوانين أبوية، ليحث العديد من المزارعين الصينيين على تفضيل الولد على البنت. وبما أن قوانين تنظيم الأسرة في الصين تمنع على كل أسرة إنجاب أكثر من طفل واحد فمن الأفضل أن يكون هذا الطفل الواحد ولدا، وهو ما يشكل أحد أهم الحوافز على إقصاء البنات، ومن هنا الإجهاض الانتقائي المتكرر أحيانا إلى عدة مرات سعيا وراء الولد الذي قد لا يأتي وتسمتر الزوجة في الإجهاض إلى ما لا نهاية. وحتى في الأوساط الموسرة فإن إنجاب بنت ينظر إليه في الغالب كسوء حظ، فعند تزويجها تضطر أسرتها للتخلي عن جزء مهم من ثروتها لعائلة العريس، بينما تزويج الولد يأتي بمداخيل جديدة لأسرته؛ لأن المهر هناك تعطيه الزوجة للزوج. يقولون في الصين وفي الهند:إذا كانت لك ثلاث بنات فأنت محكوم عليك حتما بالإفلاس، أما إذا كان لديك ثلاثة أولاد فسوف تُنقذ من الفقر. والانتماء الديني الذي يؤثر على ميل الأزواج إلى تفضيل الولد على البنت يقوم هنا بدور حاسم في عملية اللجوء إلى الإجهاض الانتقائي. فكوريا الجنوبية حيث 47% بوذيون و37% بروتيستانت و14% كاثوليك، تعتبر هذه الدولة مثالا معبرا؛ فالبوذية التي تتوافق مع القيم الكونفيشيوسية الأكثر تفضيلا للذكور من الكاثوليكية أو البروتيستانتية وكذلك الأكثر تساهلا تجاه الإجهاض فإن هذا الدين سيكون عاملا مكرسا للتمييز عن طريق الانتقاء قبل الإنجاب. وفي الهند، وفي الوقت الذي لا يكاد يوجد بين المسلمين والمسيحيين أي تمييز ضد البنات بحيث يبقى التوازن بين البنات والأولاد لدى هاتين الطائفتين الدينيتين أقرب إلى الوضع الطبيعي، فإن الهندوس، وأكثر منهم السيخ والجاهينيين هم أكثر ممارسة للإجهاض الانتقائي. وعلى مستوى هذه الدول المعنية، فإن الرهان الديموغرافي يبدو مهما جدا. والتبعات الأكثر مباشرة وقربا سوف تظهر منذ أواسط العقد القادم، عندما تبلغ هذه الشراذم من الأجيال ذات النقص الواضح في عدد البنات سن الزواج، حيث سيجد عدد كبير جدا من الشباب صعوبة قصوى في العثور على زوجة. في الصين سوف يبلغ الاختلال بين الجنسين في سوق الزواج حدة متزايدة ابتداءً من سنة 2010 مع زيادة في عدد الرجال قد تبلغ ال20% في حدود سنة 2030 حيث سيجد حوالي مليون وستمائة ألف رجل كل سنة أنفسهم في استحالة الزواج. في مرحلة أولى سوف يتقنن سوق الزواج من ذات نفسه. فالراغبون في الزواج سوف يتجهون في البداية نحو نساء أكثر شبابا قبل اللجوء إلى احتياطيين لم يكونا مرغوبا فيهما من قبل: احتياطي الأرامل حيث سوف يسقط طابو الزواج الثاني بالنسبة للمرأة من ذات نفسه بعد أن ظل سائدا هناك منذ الأزل، وكذلك على الخصوص احتياطي المطلقات. وسيكون مع ذلك على الراغبين التحلي بالصبر الكبير قبل التوصل إلى العثور على زوجة، ولو من هذين الاحتياطيين. وبالتالي سوف لن يتمكنوا من الزواج إلا في سن متقدمة جدا. وعلى المدى القصير فإن عزوبة الرجال سوف تصبح اضطرارية، بما أنهم سوف يكونون مكرهين على التخلي عن الذرية، ومن هنا انقطاع للخلف في أسرهم وهو ما يؤكد النتيجة العكسية لتفضيل الولد؛ فالحفاظ على استمرار هذه الخلفة العائلية هو الذي كان وراء تفضيل الولد. وبقصد الاستجابة لهذا الطلب المتصاعد على الزوجات، وخصوصا في الصين، فإن شبكات عابرة للأمم أخذت تنظم نفسها من الآن. فعلى الحدود الصينية الفييتنامية؛ مثلا فإن هجرة النساء من أجل الزواج هي في تصاعد كبير. وهناك عدة عوامل تفسر ذلك: العامل الأول مرتبظ بالنقص الحاد في النساء بالمناطق الجنوبية، والعامل الثاني اقتصادي، وهو ناتج عن التضخم في النفقات الملازمة للزواج منذ حلول الإصلاحات الاقتصادية لسنوات الثمانينات. وبالنسبة لبعض العائلات الصينية الفقيرة أصبح شراء فييتنامية هو الوسيلة الوحيدة للحصول على زوجة لابنهم بأقل التكاليف. وبالمقابل فإن هذا الطلب يستجيب للاستراتيجيات الاقتصادية التي تضعها المهاجرات الفييتناميات اللواتي يجعلن من زواجهن من رجل صيني أملهن في حياة أفضل. هذه الهجرات بقصد الزواج تعرف كذلك تصاعدا في اتجاه طايوان؛ حيث ما يقرب من 8% من الزيجات التي تمت سنة 2000 هي بين زوجة فييتنامية وزوج طايواني. ومنذ أواسط سنوات التسعينات تكون الفييتنام قد زودت بزوجات حوالي مائة ألف طايواني، من الراغبين في الارتباط المستقر مع زوجات يحترمن قيمهم التقليدية المشتركة، وهن كذلك أقل مطالبة بالاستقلالية من الطايوانيات. في الصين تعرف تجارة الزوجات نموا مضطردا. والمشترون هم في الغالب مزارعون فقراء وغير متعلمين، بالنسبة لهم اللجوء إلى المتاجرين في الفييتناميات أمر أيسر وأقل تكلفة من بناء بيت بشكل قانوني. ومما يشجع نمو هذه التجارة انتشار التساهل والرشوة في المناطق المشترية. ففي بعض القرى تسمح مصالح تسجيل الزواجات لنفسها بتبسيط المساطر مما يسمح للمشترين بالحصول بعد الدفع طبعا على شهادة تؤكد زواجهم مع المرأة المشتراة وعلى تسجيلٍ كامل الصلاحية في كناش الحالة المدنية. وهكذا فقد سجلت حالة صينية عثرت عليها الشرطة بعد أن اختطفت ثم بيعت، فطالبت بإعادتها إلى أسرتها، ولكن الذي هو في نفس الوقت المشتري والزوج احتج على ذلك مشهرا شهادة زواجه منها، قائلا :نعم إنها زوجتي التي اشتريتها، ولكننا زوجان أمام القانون. هل ندرة النساء سوف تؤدي في النهاية إلى تحسين أوضاعهن؟ لا شيء يشير إلى ذلك في الوقت الراهن. في الصين كما في الهند هناك الآن تسليع للنساء اللواتي ينتهي بهن الأمر إلى أن لا يمثلن إلا متاعا للاستهلاك مثل كل السلع الأخرى. وبعيدا عن الرفع من قيمتهن المعنوية ، وبالتالي الاعتبار الذي كان مفروضا أن تمنحه لهن هذه الندرة، ويمنحه لهن التحديث الاقتصادي والاجتماعي وظاهرة النساء النادرات، فإن الظاهرة تميل إلى تكريس أكثر لتشييئهن. إنها الحالة في الهند خصوصا مع نظام المهر الواجب أن تدفعه الزوجة للزوج. وهي نفسها الحالة في الصين حيث، مع الإصلاحات الحديثة فإن القيمة التجارية للمرأة ارتفعت، دون ان يكون ذلك سببا، خصوصا في البوادي ليجعلها تحظى بتقدير أكبر. كونهن نادرات لا يعني إذن وبالضرورة أنهن ثمينات. هذا ما يظهره بوضوح فِلم عالم بدون نساء للمخرج الهندي مانيش جها مارتوبهومي والذي تم إنجازه سنة .2005 تدورأحداث الفلم في إحدى المناطق القروية بالهند؛ حيث ومنذ عدة سنوات انقرضت الساكنة النسوية تماما بسبب إبادة الطفلات بالإجهاض. يحاول رجل رامشاران يائسا تزويج أولاده الخمسة. وغير بعيد من القرية كان فلاح فقير يخفي كنزه الثمين النادر: ابنته كالكي ذات الستة عشر ربيعا. فتاة ذات قدر كبير من الجمال. وعندما أخبره أحد أصدقائه عن وجود هذه الفتاة، اشترى رامشاران البنت كالكي بثمن باهظ جدا فاق وزنها ذهبا، وذلك لتزويجها إلى ابنه البكر. ولكن بمجرد بدإ الاحتفالات صارت الفتاة محل رغبة الإخوة الخمسة جميعا ووالدهم كذلك. ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فهي الأنثى الوحيدة في القرية وبالتالي دونها الحرب الأهلية. فانتهى بها الأمر من أن تكون كنزا ثمينا إلى أن أصبحت موثقة بالأصفاد في إحدى الحظائر مع البهائم ومعروضة في إهمال لشهوة رجال القرية. وانتهى بها الأمر إلى أن أنجبت... بنتا!الفلم على غرائبيته ولا واقعيته؛ فإنه يظهر مع ذلك بعض الانحرافات الممكنة لمجتمع مبتور من شقه النسوي. وعيا منها بخطورة الوضع تحاول سلطات الدول المعنية أن تطرح أجوبة سياسية للمعضلة. ففي الهند أصبحت القوانين المؤطرة ل تقنيات التشخيص قبل الإنجاب تمنع منذ 1994 الكشف للآباء عن جنس جنينهم. غير أن هذا القانون مع أنه يهدد بأحكام بالسجن وبالذعائر فإنه يُنتهك دائما بدون عقاب، ويفشى السر على الدوام. وفي الصين، صدرت عدة قوانين خلال عقد التسعينات تمنع كل تعامل سيء تجاه البنات، كما تمنع الانتقاء قبل الإنجاب.ولكن، بفضل انتشار الرشوة يبقى الإجهاض الانتقائي، خدمة طبية تقدم بانتشار واسع. وكذلك فإن حملة من أجل اعتبار أكبر للبنات، التي انطلقت سنة ,2001 تسعى إلى تشجيع ونشر فكرة المساواة بين الجنسين، خصوصا من خلال الكتب المدرسية، وإلى تحسين ظروف العيش بالنسبة للأسر التي ليس لها إلا بنت. وكذلك في بعض المناطق تستفيد الأسر المعنية من صندوق لدعم الأسر التي قبلت أن يكون مولودها الوحيد الذي يسمح به القانون بنتا، كما تعفى من الضرائب الفلاحية وتؤدى لها كل تكاليف تمدرس بنتها وعيشها إلى أن تبلغ سن الزواج. ومن جهة أخرى وضعت الحكومة الصينية برنامجا يهدف إلى تخفيض نسبة المواليد الذكور من الآن إلى سنة .2010 غير أن كل هذه القوانين لم تكن كافية على الإطلاق. ففي هذه المجتمعات تبقى القيم الذكورية متجذرة بعمق في العقليات؛ لدرجة أن النساء أنفسهن مستمرات في تفضيل الولد الذكر على البنت رغم أن بعضهن يعترفن بأن البنت هي أكثر ارتباطا بأمها من الولد وبأن البنات أكثر اعتناء بوالديهن في الشيخوخة من الأولاد. وهكذا هناك تخوف من أن يحتاج الأمر إلى أجيال وأجيال قبل أن تنتهي الأسر مع تطور ظروف المرأة الاجتماعية والفكرية إلى أن تصبح غير مبالية بجنس مواليدها. ويبقى مع ذلك أمل ولو كان ضئيلا: أن تتوصل مختلف القوانين والإجراءات المتخذة حاليا، إلى تغيير الاتجاه العام بسرعة، كما حدث في كوريا الجنوبية. حيث الأسر الشابة أقل نزوعا من آبائهم إلى تبني القيم الذكورية وإلى إعادة إنتاج السلوكات التمييزية حسب الجنس؛ مما أدى إلى أن نسبة الذكورة في المواليد أصبحت تجد منذ أواسط سنوات التسعينات مستويات طبيعية ومتوازنة مع نسب الأنوثة. إن مستقبل هذه الأجيال من النساء يبقى في حاجة إلى إعادة الكتابة. وإذا ما استمر هذا النقص في النساء ماضيا في طريقه، يحفر كل عشر سنين هوة تصل إلى الملايين من الفروق بين الرجال والنساء فإن الوضع ستكون له عواقب وخيمة جدا. لأن النقص في النساء يؤدي في النهاية إلى النقص في الأطفال، وبالتالي حسابيا نقصا في البنات، إذن نقصا متزايدا في النساء بالنسبة للأجيال المقبلة. والنتيجة إذن تباطؤ سريع في النمو الديمغرافي في هذه الدول التي هي اليوم الأكثر ساكنة في العالم. ومن هنا لن نكون بعيدين من التخيل الذي تصوره أمين معلوف في كتابه القرن الأول بعد بياطريس، حيث يقول: إذا تمكن غدا الرجال والنساء بوسائل بسيطة من التحكم في قرار اختيار جنس مواليدهم، فإن بعض الشعوب سوف تختار الأولاد، وليس البنات. ومن تم فهي شعوب سوف تتوقف عن التوالد، و في النهاية سوف تختفي من الوجود. إن ثقافة الذكر التي هي اليوم معضلة، سوف تتحول إلى انتحار جماعي. وسوف نشهد في هذه الحالة: إبادة ذاتية للشعوب المعادية للمرأة.