أصبح من العسير التمييز، في إطار طبيعة صراع القيم الدائر اليوم، بين الحملات ذات الطبيعة الأيديولوجية المحضة والحملات ذات الطبيعة التجارية النفعية أو التي تمزج بينهما. لكن المؤكد أن توجها عاما في الغرب، كما في دولنا الإسلامية أيضا، يستهدف الإسلام، قد أخد في التوسع والانتشار مستغلا كل وسائل الاتصال والتواصل. فبعد أن كان الجنس، وما يزال، المحرك الأساس في رواج المنتجات الإعلامية، انتقلت وسائل إعلام كثيرة إلى طلب الرواج التجاري بتوظيف سلبي للإسلام ورموزه كعنصر إثارة يجلب الاهتمام ويضمن الرواج التجاري. ورغم أن مسألة توظيف الدين لأغراض سياسية أو تجارية قديم قدم الدين نفسه، إلا أنه كان دائما يتم بشكل يمكن اعتباره، تجاوزا، بالإيجابي لأنه يتم بشكل متخف وفي احترام كامل لمشاعر المسلمين كحد أدنى. غير أن التوظيف المقصود هنا لا يتعلق باختلاف في الرأي، كيفما كانت خلفياته، والذي هو بمثابة حق للجميع والذي يمكن أن تمثله بعض الأعمال من مثل كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي أو حتى كتاب الفرقان الحق الذي هو عبارة عن تقليد مشوه للقرآن الكريم يستهدف عقائد المسلمين. ولكن الأمر هنا أخطر ويتعلق بصناعة اقتصادية قائمة على توظيف الدين بشكل سلبي وعلني ومستفز لا يحترم مشاعر المسلمين ويهدف إلى الربح المادي وهي ليست أكثر من سب وقذف يقدم ملفوفا بفن الكاريكاتور أو السينما أو غيرهما. وهذه النقطة مهمة في مواجهة مواقف تحاول الاعتذار لجرائم الإسلاموفوبيا التسويقية، داخليا وخارجيا، بحق التعبير عن الرأي وهي منه براء. لقد أبانت التطورات الأخيرة أن البحث عن الشهرة والبحث عن الإثارة والبحث عن الرواج التجاري كانت هي العناصر الأساسية المحركة لعدة جرائم إعلامية في حق الإسلام والمسلمين. وفي هذا الإطار يندرج فيلم فتنة المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام وقبله حملات التنافس على إجراء مسابقات لرسومات كاريكاتورية أو إعادة نشرها. فهذه الأعمال حققت لأصحابها الاهتمام والشهرة والرواج التجاري لمنتجاتهم اعتمادا على قاعدة خالف تعرف وقاعدة كل ممنوع مطلوب. غير أن الخطير في الأمر أننا، وأمام عجز الحكومات الغربية على فعل أي شيء يمكن أن تسجله عليهم منظمات حقوق الإنسان، نكون إزاء معادلة معقدة تنطلي حبكتها على الكثيرين. فالمغامرة التجارية هنا تركز على قانون كل ممنوع مطلوب فبقدر ما يكون الاحتجاج على تلك الجرائم قويا كلما كان ذلك مدعاة إلى جلب الاهتمام بها لا من باب الاتفاق معها ولكن من باب إشباع حب الاستطلاع. ولتوضيح الأمر نورد مثالا أكثر ذكاء وصمتا وأقل ضررا وهو ما تذهب إليه بعض المواقع الالكترونية في الغرب للرفع من حجم عدد زوارها ، الذي يعتبر أمرا حاسما في الفوز بالإعلانات التجارية لدى المعلنين. فقد اهتدت تلك المواقع إلى حيلة طريفة تتلخص في طرح عريضة للتوقيع حول قضية إسلامية كالمطالبة بفرض نزع الحجاب في الأماكن العمومية مثلا واضعة هدف الوصول إلى مليون صوت مثلا من أجل الضغط على حكومة ما. ويتم تسريب الخبر عبر رسالة الكترونية موجهة إلى المسلين. وما أن تقع الرسالة في بريد مسلم غيور حتى يهب إلى تحرير رسالة الكترونية مناسبة تستنفر المسلين لنصرة دينهم وتحثهم على الدخول إلى الموقع الالكتروني المعني والمشاركة في التصويت بلا واضعا هدفا رقميا واحدا هو تجاوز الرقم الفخ الذي جاء في الرسالة التجارية الأولى. ويتم تناقل الرسالة من موقع إلى موقع وفي كل مرة تزداد جرعتها التحفيزية حتى تتحول أحيانا إلى فريضة دينية؟؟ والأدهى والأمر أنه أحيانا لا يطرح الموقع المعني أية عريضة للتوقيع بل يتحقق مراده التجاري بمجرد الزيارة ويتجنب في نفس الوقت التعرض لأي اعتداء انتقامي محتمل. وبالرجوع إلى فيلم فتنة الذي أوردت وكالة رويترز، الخميس الماضي، قيام مخرجه بطرحه فعلا على الانترنيت، فهذا الفيلم ، زيادة على رواد الانترنيت الغربيين يهودا ونصارى ولا دينيين وغيرهم، سيسعى لمشاهدته كل من وصله خبره من المسلمين. وماذا ستكون النتيجة؟ ارتفاع عدد زوار الموقع ليضاهي عدد زوار أكبر محركات البحث على الانترنيت. ما العمل إذن لتجنب الوقوع في فخ التسويق الإسلاموفوبي؟ فرغم ما تمثله هذه الأعمال من مس بالمشاعر إلا أن أنجع إستراتيجية لمواجهة التسويق الإسلاموفوبي هي التجاهل التام ذلك أن العمل على الواجهة الشعبية والسياسية والدبلوماسية في الضغط على الحكومات للتدخل، رغم أهميته، إلا أن مروره عبر الاحتجاج الشعبي يجعل المحتجين يقعون في الفخ.