من فضائل ندوة الدارالبيضاء التي نظمتها الجمعية الديمقراطية لحقوق المرأة ومركز الإعلام ورصد النساء يوم الجمعة والسبت الماضيين أنها كشفت مأزق الاستئصاليين بشتى أطيافهم وفضحت هامشيتهم، وسمحت بذلك من الاقتراب من أطروحتهم ومن طبيعة المشروع المجتمعي الذي يتطلعون إليه. ندوة كشفت ولأول مرة وبالتصريح، رهانات الاستئصاليين على أكثر من مستوى. لقد كشفت العديد من تدخلاتهم أن المشكلة تتعدى كون حركات إسلامية معتدلة تمثل الفرشة الإيدلوجية للإرهاب حسب تحليلهم، وإنما تمتد لتطال النص الديني المؤسس. فحسب أحمد عصيد وغيره من المتدخلين، ينبغي التوجه رأسا إلى النصوص الشرعية التي وصف عصيد بعضا منها بأنها تتضمن مشاهد عنفية أليمة، وأن محاربة التطرف تمر بالضرورة عبر بوابة إصلاح ديني يدع جانبا النصوص الشرعية التي لم تعد صالحة لهذا الزمن بحسب تعبيره. تدخلات أخرى، مضت في اتجاه آخر أكثر جرأة، إذ نحت باللائمة على أصولية الدولة، ورأت أن المدخل لمواجهة التطرف يكمن في علمنة شاملة للدولة، وإعادة النظر في إمارة المومنين! المشكلة أن الاستئصاليين وهم يوجهون نقدا لاذعا للأحزاب - التي تغيب أغلبها في دلالة تحمل عدم الاتفاق مع المشروع الاستئصالي- ويصفونها بالمحافظة والتردد والانتظارية، ويتهمون الجمعيات الحقوقية بمناصرة الإرهاب والدفاع عن رموزه، ويؤاخذون على الباحثين والنخبة الأكاديمية تمييزها بين حركات الاعتدال الإسلامي وجماعات التطرف والإرهاب، ويتهجمون على وسائل الإعلام لكونها تنقل تصريحات قيادات الحركة الإسلامية وتتابع أنشطتهم، ويحملون الدولة الأصولية وإمارة المومنين مسؤولية رعاية التطرف، ويرون في كل قيم المجتمع مبادئ ماضوية موروثة يلزم القطع معها، إنهم في كل هذه المواقف التي يصدرونها ضد الجميع لا يشعرون بأنهم نخبة معزولة عن المجتمع وعن الأحزاب السياسية وعن الجمعيات الحقوقية والمدنية، وأنهم أقلية تريد أن تخضع كل المقتضيات العلمية والمهنية والحقوقية وتكيفها لخدمة الأطروحة الاستئصالية. فعلى الإعلامي أن يتجاوز كل قواعد المهنة حتى تقر عين الاستئصاليين، وعلى الحقوقي أن يبرر الاختطاف ويعتبره أمرا ضروريا لحماية الوطن كما صرح بذلك سعيد لكحل، وعلى الدولة أن تراجع الشرعية الدينية التي قامت عليها منذ قرون وتنبذ إمارة المومنين حتى لا يجد الأصولي والمتطرف مبرر وجوده، وعلى المجتمع أن يقطع مع الموروث القيمي والعقدي الذي اختاره تاريخيا واستراتيجيا، وعلى الأحزاب أن تعلن خصومتها للقيم الإسلامية حتى ترفع عنها تهمة المحافظة والتردد. مشكلة الاستئصاليين أنهم لم ينظروا إلى نسبة التجاوب التي لقيتها دعوتهم من قبل الأحزاب والجمعيات الحقوقية والمدنية والإعلام، إذ لو كلفوا أنفسهم ذلك لاكتشفوا أنهم لا يمثلون في أحسن الأحوال سوى أقلية معزولة وهامشية، وألا أثر لحركيتهم في الواقع والمجتمع ، وأن حضورهم لا يتعدى حديث الصالونات والفنادق.