ما إن تقترب منهن بسيارتك أو دراجتك أو راجلا حتى يتسابقن نحوك بشكل جماعي، وكلمة واحدة في أفواههن صبانة... صبانة، عليك أن تحسم بسرعة قبل أن يقع شجار بينهن على الاستحواذ بهمزة اليوم، تلكؤك في الرد يزيد من حيرتهن، وترى بريق أعينيهن يتلاشى شيئا فشيئا، فيبدأن السؤال بشكل جماعي من تكون؟، و قبل ردك تخمن إحداهن أنك من رجال الإعلام، وبعضهن تقول إنك منتمي لجمعية خيرية أو نسائية وبعضهن يقلن إنك طالب باحث جئت تستخلص دروسك من واقع معيشهن اليومي. الصبانات لن ينتظرن كثيرا ردك، وسرعان ما تتعالى أصواتهن للتعريف بمعاناتهن، وأول ما تفعله رشيدة هو إلقاء اللوم على كل من زارهن في ذلك المكان المعروف بحي جيليز حيت تجتمع عشرات من النساء الأرامل والمطلقات والعازبات من مختلف الأعمار، يعرضن خدماتهن للراغبين في صبانة أو عاملة تنظيف مقابل مبلغ زهيد، وغالبا ما تتخذ هؤلاء النسوة من أسوار السوق المركزي القديم وبعض الأشجار وسبورة الإعلانات المتواجدة بنفس المكان مكانا مفضلا يحتمين بظله من حرارة الشمس الحارقة أو حتى بعض قطرات المطر في شكل مجموعات صغيرة لا يتجاوز أفرادها ثلاثة أو أربعة حتى يسهل عليهن الوصول إلى سيارات الزبناء، ويعتبرن أنفسهن في حالة تأهب قصوى يترقبن تحركات الأشخاص أو السيارات القادمة في اتجاههن، وكلما توقفت إحدى السيارات إلا وتسابقت النساء حولها مرددات عبارتهن الشهيرة ليتم التفاوض بسرعة قصد انتقاء الزبون لإحداهن، فيما تعود الأخريات لأماكنهن خائبات. عشرات النساء في موقف خاص بهن قرب مارشي جيليز، تجمع بين أغلبهن البحث عن لقمة عيش غير سائغة، كما تفرق بينهن حكايات لا تستطيع أن تكملها إلى نهايتها، حكايات حول واقعهن المعيش وأدوارهن داخل أسرهن وأخرى تتعلق بالمعاناة اليومية التي يعشنها في البحث عن عمل خارج المنزل من أجل كسب قوت اليوم. تاريخ الموقف رشيدة التي تستحوذ على الكلام دائما، وتخبرك بخبر اليقين عن تاريخ المهنة الذي يرجع إلى عهد الاستعمار، وتقول إنها عملت 30 سنة في المهنة وقد استطاعت أن تدخل ابنتها الوحيدة إلى الجامعة التي تقرأ لها كل ما كتب عنهن، وتشير أنه بعد التطور السريع للمجتمع المغربي واختفاء بعض قيم التضامن والتآزر بين أفراد العائلة الواحدة، أصبحت تضطر كل من ليس لها معيل أن تشمر على ساعديها وتخرج للعمل، وتزاحم الرجال، تقول واثقة من مصادرها القانونية إن المغرب دافع عن حقوق المرأة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، لكن الباب لايزال يكتنفه نوع من النقص فيما يتعلق بمهنتنا حيث يتعرض الكثير منهن لأبشع المعاملات غير الإنسانية والتحرشات اليومية من طريف العديد من عديمي الضمير. كل نهار ونهارو تحكي جميلة أن الخدامة مميزة من خلال ارتدائها ملابس إما قصيرة أو طويلة أو حذاء غير منسجم مع مقياس أرجلها، فهده الوضعية الشاذة تضرب بعرض الحائط كل خصال المروءة والإنسانية المنعدمة لدى بعض المشغلين، ناهيك عن السب والشتم والقذف دون حياء لأن هده الفئة تعاني من ظروف اجتماعية صعبة. وتقول خديجة كل نهار ونهارو، مرة يخيب ومرة يصيب، لكن في غالب الأحيان يخيب حسب فدوى، لأنها غالبا ما تتعرض لأبشع معاملات ربات البيوت والمحظوظات منهن يتمكن من الاشتغال ليوم واحد في الأسبوع أو يوم في عشرة أيام. وحتى في حالة الحصول على الشغل والاتفاق على التصبين فإن ذلك لا يشفي غليل صاحب أو صاحبة البيت بعد الانتهاء منه، حيث تنتقل العملية إلى التنظيف أو ما يصطلح عليه باللفظ العامي بـالتخمال إلى أن تفقد هذه الخادمة كل قواها البدنية وغير قادرة حتى على المشي وكل ذلك مقابل مبلغ 60 أو 70 درهما، وفي بعض الأحيان يلجأ بعض المشغلين إلى تخفيض الثمن بحجة أن العمل لم يعجبه، لكن أولاد الناس يزيدون في الثمن ويجودون بملابس قديمة أو غير ذلك، للتخفيف ولو بشكل بسيط عن تلك الخادمة معاناتها، والاعتراف بقيمة المجهود العضلي الذي بذلته من أجل تنظيف منازلهم. وتقول لعزيزة امرأة تبلغ من العمر 45 سنة، وأم لخمسة أطفال تسكن بالمدينة القديمة بدأت العمل بهذا المكان كصبانة مند 15 سنة، راه كبرت منو أولادي. وترى نفسها مرغمة على اللجوء إلى هذا المكان لتأمين مصاريف الكراء والماء والكهرباء وإعالة أولادها وهي نموذج لمثيلاتها من الصبانات حيث أكدت أنها تقوم بأشغال متعددة غير التصبين. أما سميرة غير المتزوجة وغير المطلقة حسب قولها لأن زوجها يرفض العيش معها أو إعطائها براتها تحكي بمرارة كيف اضطرت إلى توقيف ابنتها الصغرى عن الدراسة من أجل مساعدتها في المهنة غير الشريفة على حد تعبيرها. وكل ما يحز في قلبها ليس قسوة العمل أو مرارة لقمة العيش ولكن مزاحمة المومسات لهن في الموقف وتلويث سمعة الصبانات اللواتي يتحملن كل الصعوبات من أجل كسب اللقمة الحلال. كما يؤلمها أن يلجأ بعض الرجال إلى طلب مضاجعتها بدل القيام بأعمال البيت ظانين أن كل من تقف في الموقف لا تريد غير العبث وبيع الجسد في حين أنها ومثيلاتها كثيرات يفضلن كسرة خبز حلال والعيش بكرامة بدل انحلال الأخلاق وإفساد المجتمع. وتكمل سميرة حديثها بمرارة: كثيرة هي المواقف التي تعرضت لها من هذا القبيل، وكل مرة تهرب بجلدها، لكن نبرة الحزن في صوتها تريد أن تقول غير ذلك.