الحديث عن الأدوية بالمغرب يستدعي العودة لبعض الذكريات التي يحتفظ بها المغاربة، الأمر لا يستدعي استحضار تاريخ مئات السنين الماضية ولكن فقط الحديث عن فترة الستينات والسبعينات، وبالضبط قبل سنة 1983 التي أعلن فيها عن دخول مرحلة الأزمات، خاصة في المجالات الاجتماعية، ففي هذه السنة شرع في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي (سءذ)، ويذكر المغاربة أن قبل هذا التاريخ كان كل وافد على مؤسسة صحية يتلقى العلاج دون حاجة لاقتناء الأدوية والصيدلية. سواء كان هذا العلاج داخل مستشفى أو بمركز صحي أو مستوصف، ولكن حتى بالنسبة للدول الأوربية. النتيجة الثانية هي أن إقبال المواطنين على العلاج العصري جد ضعيف، وفي هذا الصدد لا زال للطرق التقليدية حتى الخطير منها مكان رحب ولها مريدوها، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن حقيقة هذا الوضع؟ الجواب بكل بساطة أن المغرب الذي لم يحدد سياسته الصحية التي تنطلق من حاجة المواطنين وتستجيب لها، وجد نفسه صيدا سهلا لشركات الصناعة الدوائية العابرة للقارات التي تستغل السوق المغربي مباشرة وعن طريق شركاء مغاربة، الذين سهلوا هذا الأمر بل عمقوا من الأزمة. إن المتدخلين في الصناعة الدوائية هم من أجهض مشروع معمل الأدوية التابعة لوزارة الصحة، وهم يصولون ويجولون في هذا المجال، دون حسيب ولا رقيب. وفي قضية شركة بايرْمٌّفق التي تفجرت مؤخرا، مثال على ذلك، لكن السؤال المحوري هو ما السبيل للخروج من هذه الورطة؟ على الدولة طبعا أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان ولوج المواطنين إلى العلاج الضروري، وفي الوقت المناسب، مهما كانت إمكانياتهم المادية، ومن بين عناصر هذا الولوج تأمين الأدوية الأساسية . إن المغرب لم ينفذ التزاماته المتعلقة بالأدوية الأساسية، هذه الالتزامات التي عجز عنها في نهاية السبعينات عندما انخرط في الشعار القديم الصحة للجميع سنة .2000 وهذا لن يتأتى إلا من خلال سياسة صحية للمغرب متوافق عليها وبالطبع هذه السياسة تتضمن كذلك سياسة دوائية تتحمل فيها الدولة كل مسؤولياتها وتضع كل متدخل في مكانه الصحيح.