في الوثائق التي نشرنا بعضها لفت انتباهنا أمر غريب، ذلك أن معظم الرسائل التي وصلته بشأن الفتنة والتي كانت تطالبه بتوضيح موقفه وشرح تفاصيل ما يجري داخل التنظيم، كان يرد عليها بطرق متعددة القاسم المشترك فيها جميعا هو رفض الجواب، فتارة كان يتعلل بأن المقام لا يسمح بذلك، وتارة يتعلل بغياب الأمن في البريد، وأحيانا أخرى يدفع بمسألة العقيدة ليمنع الخوض في مسألة الفتنة، وأحيانا أخرى يفتعل الشروط للحوار كما فعل مع جماعة التبين حينما اشترط عليها أن يكون للحوار مدخل شرعي فاشترط عليها أن تقدم البيعة أولا للأمير، وأن تمهد قبل البيعة بما يثبت حسن نية أعضائها وذلك بالانخراط في الجماعة وترك الخوض في الفتنة. بعض المتابعين لتجربة الشبيبة الإسلامية يرى أن مطيعا كان يسد باب الحوار لأن الأمر يتعلق بطبيعة شخصيته ومزاجه، بينما يرى بعض السداسيين أن مطيع كان يتهرب من المواجهة ولا يريد لأحد أن يكون حكما عليه. القضية ربما هي أكبر من أن تحصر في مسألة مزاج أو قضية قبول بتحكيم، القضية مرتبطة بمفهوم العمل الإسلامي ومركزية العمل القائد في عمل طبيعته سري ومنطلقه ثوري. إن عملا إسلاميا بهذه الطبيعة لا يسمح بالنقاش ولا طرح الأسئلة، ولا يسمح بمراجعة بعض القرارات حتى ولو كانت ظالمة. ولبعل الذين وجهوا لعبد الكريم مطيع رسائل الاستفسار عن ما يقع في الجسم التنظيمي للشبيبة الإسلامية لم يستوعبوا جيدا الطبيعة التي أٍاد مطيع أن ينشئ التنظيم عليها، بل ولم يفهموا الرهان الكبير على كتاب معالم في الطريق وبالضبط فصل جيل قرآني فريد ولم يدركوا معنى التلقي من أجل التنفيذ. كان مطيع يريد أن يؤسس تنظيما بمواصفات خاصة، أساسه ثوري، وتنظيميه سري، لا يخضع لأي تراتبية تنظيمية معقولة، يشعر فيه الكل أنه مسئول لكن في نهاية المطاق لا أحد مسئول إلا القائد عبد الكريم مطيع الذي يملك سلطة تغيير الخطوط القيادية متى شاء وكيف شاء دون أن يطلب منه تبرير موقفه، والذي يملك أن يفصل ويعزل ويأمر بهجرة بعض الأعضاء بالشكل الذي يرى ويقدر دون أن يجد مناقشة من أحد. المشكلة أن الإخوة لم يفهموا طبيعة التنظيم الذي يريد مطيع، ولذلك لما نضجت عندهم الأسئلة، ولما بادروا إلى توجيهها إلى عبد الكريم مطيع تعامل معهم بأساليب مختلفة حسب السياق، فهاجم البعض وألصق به تهما شنيعة، واحتال على البعض الآخر، وخاطب برفق ووادع، وسكت عن رسائل عديدة لا زال أصحابها ينتظرون الجواب. لكن في كل المواقف الصادرة عن عبد الكريم مطيع بإزاء هذه الرسائل وهذه الأسئلة موقف واحد ناظم يجمع كل هذه التصرفات المتعددة، إنه الرفض لمنطق السؤال داخل التنظيم. ذلك أن السؤال يقضي على روح الجندية، ويدمر التنظيم السري، ويقوض أركان التوجه الثوري. ولذلك يصح أن نقول إن الفترة التي نضجت فيها الأسئلة لدى الإخوة هي ذاتها الفترة التي بدؤوا يقتنعون فيها بضرورة القطع مع الرؤية التي أسس عليها مطيع تنظيم الشبيبة الإسلامية.