اهتزت مدينة الدارالبيضاء في إحدى لياليها الباردة على واقع جريمة لم يجد العقل وصف لها، في أحد أحياء الشعبية لهذه المدينة وفي منزل بئيس وجدت جثة امرأة تسبح في بركة من الدماء وآثار طعنات السكين تنخر كل جسدها، من القاتل؟ بهذا السؤال بدأت الضابطة القضائية تحرياتها، وقبل ذلك كان السؤال من المقتولة؟ لماذا قتلت ؟ ... أسئلة كثيرة تناثرت لتصل إلى كشف هوية الضحية، هي زوجة وأم لابن عمره 14 سنة، بدون عمل، تعيش حياة طبيعية مع زوجها، إلى هنا الأمور واضحة ولكن لماذا تواجدت في هذا الوقت من الليل في منزل معلوم عنه أنه لشاب عازب، ومن تدخله من النساء ـ حسب أقوال الجيران ـ هن نساء يمتهن الدعارة، فهل الضحية منهن؟ خيانة زوجية جمعت الضابطة القضائية مجموعة من الأسئلة والاستفسارات علها تجد لها جوابا عند أسرة المجني عليها التي استقبلهم زوجها عبد القادر. م بدموع في عينيه وحالة نفسية مزرية، فهو إضافة إلى مصابه الجلل في مقتل زوجته فقد تعرض للطعن في شرفه من قبل الزوجة الخائنة قبل توديعها الحياة، كل من سمع قصته تعاطف معه، يقول عبد القادر.م أنه ارتبط بالضحية بعد قصة حب قصيرة توجت بالزواج، عاشا بعدها حياة زوجية سعيدة أنجبا فيها ابنهما الوحيد والذي يبلغ من العمر الآن 14سنة، وأنه لم يشك يوما في إخلاص زوجته فهي كانت عنده نعم الزوجة، وعن يوم الجريمة صرح زوج الهالكة للضابطة القضائية أنه بعدما عاد إلى منزله حوالي الساعة العاشرة ليلا وجد زوجته تتأهب للخروج، وعندما سألها عن وجهتها أجابته أنها ذاهبة لعيادة جارة مريضة، فأوصاها أن تبلغ لها تحياته وتمنياته بالشفاء العاجل، لتخرج بعدها الزوجة من المنزل دون أن تعود، يسرد الزوج روايته ودموع الحزن والألم والحسرة لم تفارق مقلتيه، لم يتمالك معها نفسه فسقط مغمى عليه من هول الفاجعة التي حلت به. الاتهامات تتوجه إلى العشيق كشفت الضابطة القضائية أن الضحية كانت على علاقة غير شرعية مع المسمى (ع.ك) وأنها حسب شهادة جيران المنزل ـ مسرح الجريمة ـ اعتادت الحضور عنده في أوقات متأخرة من الليل منذ أكثر من 6 أشهر مضت، وأنهما شوهدا أكثر من مرة في أوضاع مخلة بالحياء العام، فمن هو (ع.ك)؟ وأين هو الآن؟... أسئلة كثيرة تبادرت إلى ذهن كل متتبع لأطوار هذه القضية لتخلص إلى إجابات كالتالي: هو شاب يبلغ من العمر 32 سنة عازب يعمل صباغ يكتري بيت بأحد الأحياء الهامشية للدار البيضاء، مدمن على المخدرات، سمعته غير طيبة عند جيرانه، فهو إضافة إلى إدمانه المخدرات فهو مدمن على النساء، له علاقات مشبوهة وسوابق إجرامية، وفي ليلة الجريمة كان بمعية الضحية في غرفة واحدة ليغادرها بمفرده تاركا وراءه الضحية تسبح في بركة من الدماء، أصدرت الضابطة القضائية في حقه مذكرة بحث إلى جميع النقط الأمنية، وهنا أثير السؤال: هل العشيق هو قاتل الزوجة وما هي الدوافع التي جعلته يقدم على ارتكاب جريمته الشنعاء؟ الحقيقية الضائعة اتجهت أصابع الاتهام إلى العشيق الهارب الذي رحل بالحقيقة في صدره دون أن يتم العثور على أثر له، ليبقى السؤال مطروح لماذا قتل الزوجة؟ ولتستأنف التحريات مع زوج الضحية وفي هذه الأثناء لاحظ أحد رجال الشرطة القضائية أنه أثناء استجواب الأب علامات الخوف والذعر على محيا الابن، مما أثار الشكوك حوله وحول ما لا يريد الإفصاح عنه، تمت محاصرة الابن بالأسئلة لينهار بعدها معترفا بالحقيقة الضائعة. اعتراف الابن أين ذهبت أمك؟ كيف كانت علاقة أمك بأبيك؟ أسئلة وغيرها وجهت إلى الابن الذي اعترف بعد تردد بالتالي: في تلك الليلة تجملت أمي ولبست أحسن ما عندها من الثياب لتستغل غياب أبي عن المنزل وتتوجه إلى بيت عشيقها، غير أن أبي سبق له وأن توصل بوشاية عن العلاقة التي تربط أمي بعشيقها، كان يشك فيها وفي تصرفاتها، خاصة و أن طبيعة عمله مكنت أمي من ممارسة نزواتها بكل أريحية، لكن أبي كان مصر على التربص بها وكشف حقيقتها بنفسه، في تلك الليلة فاجأ أبي أمي تتأهب للخروج وعندما سألها عن وجهتها أجابته أنها ستزور إحدى الجارات وبعد خروجها أمرني والدي أن أرافقه لمراقبتها، تبعناها حتى لمحناها تغير مسار طريق بيت الجارة لتسلك مسار آخر، لتدخل بعدها بيت (ع.ك)، وهنالك أمرني أبي بالرجوع إلى المنزل لأنه سيتصرف وسيصحح الخطأ كما أخبرني، عدت إلى منزلنا، وبعد منتصف اليل عاد أبي وهو في قمة التو ثر وآثار الدماء بادية على ثيابه، طلب مني التزام الصمت لأنه ثأر لشرفنا، استحم بعدها ودخل غرفته وأقفل عليه. الحقيقة تنكشف بعد مواجهة الأب بأقوال الابن انهار معترفا بجريمته، نعم أنا القاتل؟ هكذا كان اعتراف الزوج، الذي أردف قائلا إنه ضجر سلوكيات زوجته الصبيانية، وأنه عندما كان الجيران أو الأصدقاء يخبرونه بنزواتها وعلاقاتها المشبوهة لم يكن ليصدقهم لأنه كان يحبها ويثق فيها، إلى أن انكشف المستور في تلك الليلة عندما لمحها تدخل إلى بيت عشيقها ليتسلل وراءها بخطوات هادئة، وبعد مدة وجيزة من الزمن باغثهما في حالة تلبس، وهنالك لم يتمالك أعصابه فطعن الزوجة بسكين، أما العشيق فقد تمكن من الفرار، بعد ذلك ولكي لا ينكشف أمره محا كل آثار جريمته ليعود إلى منزله وكأن شيئا لم يكن. إدانة بعد إحالة الزوج على العدالة قضت محكمة الاستئناف الجنائية في حقه بالسجن لمدة 20سنة نافذة. وبالرجوع إلى النصوص القانونية نجد المشرع المغربي قد نظم جريمة القتل العمد و عقوبتها في القانون الجنائي، حيث نص في الفصل 392 منه على أنه كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا، ويعاقب بالسجن المؤبد، لكن يعاقب على القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين: ـ إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى. ـ إذا كان الغرض منه إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة، و وفق الفصل 392 فإن القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد يعاقب عليه بالإعدام، وكتفسير لهذه المادة أردف المشرع مفصلا أن سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه، قبل وقوع الجريمة، على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف، حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو شرط، أما الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده، وحيث أن قضية ملف عددنا اليوم ثبت في حق الجاني فيها من خلال اعترافات الابن المدلى بها أن ترصد الضحية كان عنصرا متوافرا في الجريمة وأنه كانت هناك النية المبيتة في قتلها من الزوج حيث تم حجز السكين أداة الجريمة في حوزته، واعتبارا لحالة الاستفزاز التي تعرض لها الجاني من خلال ضبط زوجته في حالة تلبس بالخيانة الزوجية فقد قضت محكمة الاستئناف الجنائي في حق الجاني ب20 سنة حبسا نافذا وبذلك أسدل الستار على جريمة اهتزت معها العواطف لتطرح معها إشكالية القيم والأخلاق في مجتمعنا المغربي والتي كانت من نتائجها هذا النوع من الجرائم.