يمثل تردي الإبداع والإعلام في الحضارة العربية الإسلامية الحالية- وهو ترد لا ينكره أحد لتواتر علاماته عرض الدائين الرئيسيين اللذين يكاد يحصل حولهما شبه إجماع توصيفي لأمراض مجتمعنا العربي الإسلامي الحديث. لكن هذا الإجماع وجه التشخيص والعلاج إلى حلول أحادية النظرة فأفسد شروط التحليل العلمي لأهم هذه الأمراض في لحظتها الراهنة وحال دون إصلاح شؤوننا العامة. فأما العلامة الأولى فهي ما ألم بمجال الإبداع الأدبي الذي يكاد أن يغرق في مستقنع الطحالب والزعانف. فلا أحد يمكن أن يزعم أن الحل والعقد في تحديد المعايير والقيم العامة المسيطرة على الساحة الإبداعية يوجد بيد أفضل المبدعين ولا حتى أقرب المفضولين إلى ذوي الفضل: ولعل أكبر مؤيدات هذه الظاهرة ما يغلب على اتحادات الكتاب العربية. فأغلب روادها من عيون الأحزاب الحاكمة ووزارات داخلياتها. وأما العلامة الثانية فهي ما أحاط بمجال الإخبار الإعلامي الذي يكاد يتلخص في الإيديولوجيا الرسمية وفي بروباجندا الأحزاب والأنظمة الحاكمة: وتصح نفس المؤيدات والعلامات حتى وإن اختلف التعين التنظيمي التابع والمتبوع إذ ننتقل من وزارة الداخلية إلى وزارة الإعلام ومن اتحاد الكتاب إلى نقابة الصحافيين. لكن طابع هذا التوصيف المباشر وبساطته قد يجعلانا نرتاب من بداهة التشخيص الذي ينتهي في الغاية إلى إهمال علل الأدواء لحصر الهم في علاماتها وقصر التشخيص على أدنى العلل أعني العلل السياسية التي يعتقدها البعض ناتجة عن طبيعة السلوك السياسي للحكام والأحزاب الحاكمة. لكأن الحكام والأحزاب بيدهم عصى سحرية يجعلون بها الجميع رهن طوعهم يفعلون ما يريدون. فلماذا يهمل أصحاب هذا التصور العجول النظر في إمكانية قلب العلية خاصة ومن شروط السلوك السياسي صلاحا أو طلاحا الأخلاق العامة التي تجعل الأمرين ممكنين؟ ألا يكون التفسير السريع بفساد الأنظمة والحكام وحده مجرد مهرب هدفه تجنب المعارك الحقيقية وقصر الهم على مجرد الجدل السياسي .