مرت سنتان على إطلاق قناة محمد السادس، وهي فترة كافية تسمح بتقييم مسارها والوقوف عند بعض نجاحاتها واخفاقاتها.. كان البحث عن بعض المعطيات يقتضي طرق باب القناة، لكن لو لم يكن أحد الحراس الذي دلني على البناية لما تمكنت من الوصول.. المدخل الذي أرشدني إليه في حسان بالرباط كتب عليه: المملكة المغربية، وزارة الأوقاف، ملحقة الإعلام والدراسات، دون إشارة لاسم القناة. لم أتمكن من الحصول على أجوبة عن كثير من الأسئلة التي ظلت معلقة، لأن لا أحد من مسؤولي القناة أجاب بشكل رسمي، وكان جواب أحد المسؤولين عبارة عن ارتسامات عادية وفضفاضة، لا تضعك في الصورة كما يجب. وقد استقت >التجديد< بعض الآراء، سواء من ضيوف القناة، أو الذين يشتغلون في الإعلام مثل مدير قناة الجزيرة، وكذلك آراء المشاهد بصفة عامة. إيقاع لا يتغير يرى هشام (رجل أعمال)، أن قناة السادسة تطغى عليها الخصوصية والمحلية حتى في اللباس، فضيوف القناة يحرصون دائما على الظهور بالزي المغربي، كما نجد تغليب الخصوصية في كثير من البرامج. وهذه الصورة تضفي على إعلامنا المغربي نوعا من الرتابة، وبالتالي فالتنويع الإعلامي لن يتم إلا بتغيير العقليات والتفكير النمطي في اقتراح البرامج. ويضيف إن هذا لا يعني أن قناتنا الإعلامية السادسة غير ناجحة، بل يمكن اعتبارها محطة جديدة لخدمة الدين سدّا للفراغ الذي كان قائما لأمد طويل، في نفس الوقت يجب التفكير. ويضرب رجل الأعمال المثال ببعض القنوات التي لاقت إقبالا واسعا بسبب حرصها عل تنويع خطابها الإعلامي. أما كوثر (مجازة في علم الاجتماع)، فتقول إن بعض ضيوف القناة يتناولون مواضيع باهتة ومتداولة، فلكي تستميل انتباه المشاهد، يجب تبسيط الفكرة وإثارة عاطفته وملامسة عمق المشاكل التي تعيق أي مقبل على الله. وتضيف كوثر على القناة أن تتناول قضايا مثل الإعجاز ومواضيع لها علاقة بحضور القلب والخشوع كي تستقطب المزيد من المشاهدين. خصوصية القناة ويرى الإعلامي المغربي حسن الراشدي بأنه ينبغي إعطاء قناة السادسة المزيد من الوقت لتثبت وجودها تقنيا وعمليا، ويشير إلى أن القنوات ذات التوجه الديني تجد مشاهدين كثر، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال إقبال الناس عموما عليها خاصة وأن هذه القنوات جاءت لتملأ نوعا من الفراغ الذي كان سائدا على مستوى الإعلام الإسلامي، ويمكن تطوير مثل هذه المبادرات، لتعطي المرجو منها، خاصة وأن إطلاق قناة ليس بالعمل الهين، فهي عملية تحتاج إلى التطوير وإلى رصد الميزانيات، شأنها في ذلك شأن باقي القنوات. كما يرى أن القناة وجدت بخط تحريري واضح ومعلن يهدف إلى التخصص، وهذا التخصص يتماشى مع أسباب وجودها ومع المناخ الذي تواجدت فيه، فإذا كان الهدف الرئيسي لوجودها هو خدمة المشاهد المغربي، يعتقد أنها خططت للوصول إلى المشاهد المغربي، ولاتسعى للوصول إلى منافسة بقية القنوات المشابهة التي تبت من خارج المغرب، والتي لها أيضا رؤيتها وخطها التحريري الذي قد يتقاسم مع الخط التحريري لهذه القناة في الجوهر، مضيفا على أن بقية التفاصيل ترجع بطبيعة الحال إلى دراسة الجدول التي أعتمد في إنشاء القناة، وإلى من هي تتوجه؟ ويقول: بحكم أننا لانعرف دراسة الجدول الذي خصص لها، يصعب علينا أن نقول أنها تنافس أو لا تنافس، ربما في نظري المتواضع أنها وجدت لخدمة المشاهد المغربي أولا وأخيرا. تفاؤل بعين متفائلة يرى الدكتور أحمد البوكيلي أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة ابن طفيل قناة السادسة، ويرى أنها رغم بعض الإكراهات التي تعرفها بحكم أنها في بداية الطريق إلا أنها نجحت في تقديم التصور الديني المرتبط بالنموذج المغربي. ويؤكد البوكيلي على ضرورة تطوير القناة لتنافس وتضاهي القنوات الدينية المعروفة بصيتها العالمي، ويضيف على أن قناة السادسة عمليا موجهة إلى المجتمع المغربي والجالية في الخارج. ويأمل أن تتطور مستقبلا وأن تنجح في التعريف بالعلماء المغاربة، ليسوقوا للخطاب الديني المغربي، باعتباره نموذجا للمدرسة المقاصدية التي تجمع بين التأصيل الشرعي والانفتاح لتأسيس ثقافة الحوار حتى يستفيد منهم العالم الإسلامي بنفس القدر الذي نستفيد منه. أما عن القول بأن الخطاب الدعوي لا ينجح إلا إذا جمع بين المحلي والكوني، فهذا صحيح، وهي رؤية تحدد نوعية التعامل مع الإعلام الإسلامي. فقناة محمد السادس قناة محلية، وهي الآن جزء من شبكة التواصل العالمية، غير أن الجمع بين المحلي والكوني هو الذي سيبين مدى نجاحنا أو فشلنا. الكفاءة ضرورية أما الدكتور حسن الغربي عضو المجلس العلمي بالرباط فيؤكد على أن القناة في خطواتها الأولى، وإمكانياتها جد محدودة، ويأمل أن تتطور بعد حين وهذا لن يحصل بحسبه إلا بمراجعة صيرورة البرامج التي تقدمها، واللجوء إلى النقد الذاتي كما أن استقلالية القناة أو عدم استقلاليتها يؤثر في مساراتها بقوة. ويرى أن الخط التحريري الذي يقال أنه يسير نحو المحلية والخصوصية المغربية، يرجع إلى اختيار القناة ذاتها، بمعنى أن كل قناة ترسم لنفسها خطوطا عريضة، وتؤسس جدولا خاصا بها يتوافق وتوجهاتها. ثم إن خيار المحلية لا يمكن أن تآخذ عليه، أما من كان يريد قناة أكثر انفتاحا وتحررا، وتوفرت له الإمكانات، فلينشئ قناة تسير وفق طموحاته. ويشير إلى أن القناة تتوفر على كفاءات عالية، لو تمّ توجيهها بشكل صحيح على ضوء رؤى هادفة، لأعطت الكثير، وستدفع القناة لأن تحقق توازنا ماليا يؤهلها لمنافسة عالمية، شريطة أن تتوفر الظروف المناسبة، التي تتمثل أولا في الحرية والتحفيز.