ما جدوى كتابة الإعلانات والتحذيرات إذا كان المعنيون بها لا يحترمونها ولا يكترثون إلى فحواها؟ حتى إذا ما وقع البأس، ترى الجميع يتوجهون إلى قراءة ذلك التحذير وكأنهم يرونه لأول مرة، ويبدأون في تحليل مضامينه وتفكيك حروفه، ليتبينوا أهميته وجدواه، وكثيرا ما قد يتجنب البعض الوقوع في حوادث خطيرة سيما تلك التي تتعلق بالسير لو تم احترام مثل ذلك التحذير المكتوب بخط عريض وبلون أحمر في مقدمة الحافلات المرجو عدم التكلم مع السائق، لكن للأسف تجد أن أول الخارقين له السائق نفسه، الذي يتبادل أحيانا الحديث والمزاح والضحك مع شخص أو أكثر دون الاكتراث إلى حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فيتشتت انتباهه، ويفقد تركيزه، بل وتتأثر وثيرة القيادة، التي تصبح في أدنى مستوياتها، وحتى إذا ما احتج أحد من الركاب، يسمعه السائق من عبارات السب والشتم ما يندى له الجبين.. وكأن الحافلة ملكا له.. أو كأنه يخدم الركاب بدون مقابل، صورة تتكرر تقريبا كل يوم، وعبر كل الخطوط، وأحيانا يتسبب تجاهل مثل هذا التحذير في حوادث خطيرة، فأخيرا، نجت سيدة من الموت بأعجوبة، حيث أن السائق الذي كان منهمكا في حديث لا أول له ولا آخر مع أحد الأشخاص، توقف في إحدى المحطات، وفتح الباب لمن يرغب في النزول، ثم استأنف المسير دون أن ينتبه إلى أن سيدة ما تزال تهم بالنزول، لتسقط هذه الأخيرة أرضا بينما انطلقت الحافلة في طريقها قبل أن ينبهه الركاب إلى الحادثة، فأمسك الكوابح بقوة جعلت أغلب الركاب يصطدمون بالمقاعد التي أمامهم، ثم نزل من الحافلة، وبدأ في اختلاق الأعذار لهذا الخطأ الفادح الذي ارتكبه نتيجة تهوره، أو لثقته الزائدة في قدرته على السياقة شارد الذهن، ولم تملك المسكينة التي لم تصدق أنها نجت بجلدها ولم تدهسها دراجة نارية أو سيارة بعد سقوطها من الحافلة إلا أن تغفر للسائق زلته، وتغادر مكان الحادث مستسلمة حامدة الله على سلامتها، بينما استأنف هو طريقه ويداه ترتعشان، ولسانه يلهج بحمد الله بعدما نجاه من عواقب حادثة قد توقف مساره المهني، لكن للأسف دون أن يتوقف عن الحديث إلى الشخص الذي كان بجانبه، وكأن الحديث لم يكن السبب المباشر في وقوع الحادثة.