يُعرف «دليل المسافر الراجل» بمصداقيته وسط المراجع السياحية العالمية من خلال تخصيصه للكثير من بلدان العالم طبعات خاصة تجدد وتُنقح كل عام. يعتمده الكثير من السياح في جولاتهم وزياراتهم لما عرفوه فيه من تفصيل ووصف للمعطيات لكل بلد على حدة. لكن، إذا كان الدليل يدعي الموضوعية والإحاطة بما يسرده من معطيات، فإنه يرتكب في سبيل ذلك الكثير من الأخطاء، التي قد تسيء لسمعة البلد موضوع طبعاته. في الطبعة المخصصة للمغرب (2009) يعكس الدليل نظرة خاصة لبلدنا اعتقدنا أنها اختفت مع مشاهدات الأوربيين الأوائل. فبقدر ما كان الدليل حريصا على التفصيل في أشياء من صميم الثقافة المغربية، بقدر ما كان مسيئا إليها من خلال أسلوب التعميم وانفلات خيوط التفسير والتدقيق والتبرير من بين أيادي القائمين على ضبط مضامينه. لعل أول ما يلفت النظر في طبعة 2009 من دليل «Le Guide du routard» (دليل المسافر الراجل) هو غلافه الذي يحمل صورة فيها كثير من الدلالات الإيحائية الموروثة عن عقلية الأجنبي الذي لا يعرف أحوال البلد، بل يكتفي بالاستماع إلى شهادات غير موثوقة وتغذية خياله باستيهامات ارتبطت بنظرة الإنسان الأوربي للعالم الثالث عبر كليشيهات مكرورة. فصورة الغلاف تُظهر فتى يقف عند محطة قديمة للبنزين رفقة بغل وُضعت على ظهره بردعة وفي جانبي البردعة وُضعت براميل صغيرة جاء الفتى ليملأها بنزينا دون أن يُنزلها من على البردعة. هكذا يبدو البغل كما لو كان سيارة تقف بمحطة البنزين للتزود بالوقود. نظرة الفتى في الصورة تتجه نحو عدسة آلة التصوير في هدوء تام، ما يعني أن الصورة ربما التُقطت بتواطؤ معه، أي أنها مفبركة على مقاس الفكرة التي أرادها المصور.هذه هي الصورة التي أراد أصحاب الدليل السياحي أن يبدؤوا بها تقديم المغرب السياحي. المغرب.. جمال ورمال صحيح أن صورة كهذه وأخريات شبيهة بها ما تزال شائعة عند الأجانب البعيدين جغرافيا عن المغرب، من قبيل شعوب أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، لكن أن تكون من صنيع الفرنسيين القريبين منا جغرافيا وثقافيا وتاريخيا فالأمر فيه بعض التجني. في هذا الصدد، حكى أحدهم أنه كان ذات مرة قادما من طنجة نحو مراكش على متن القطار، وخلال الرحلة تعرف على كولومبي يزور المغرب لأول مرة. تبادل الطرفان الحديث طويلا، وخلال حديثهما قال الكولومبي لصديقه المغربي إنه كان يتصور المغرب رملا وجمالا ليس إلا، وأنه كان يتوقع أنه سيصادف الجمال في طنجة بدل الحياة الصاخبة والضوضاء والحركة. أما مضمون الدليل، فالملاحظ أنه مازال وفيا لعادته القديمة في سرد أدق التفاصيل عن البلد موضوع الحديث حد السقوط في ذكر بعض التفاهات والمغالطات، التي قد تنحرف بالغايات بعيدا عن خدمة السائح. إذ يجد هذا الأخير نفسه مهتما بالتحذيرات والنصائح أكثر من اهتمامه بالمشاهدات والزيارات السياحية. في «دليل المسافر الراجل»، الذي تساهم في أرباحه خطوطنا الجوية بصفحة إعلانية ملونة، يجد السائح مجموعة من المعطيات عن المغرب والنصائح التي قد يحتاجها في مقامه وتجواله ومعاملاته مع الإنسان المغربي تاجرا كان أم صاحب فندق أو مطعم أم صاحب طاكسي أم مجرد راجل يمر في طريقه. ينصح الدليلُ السائح القادم إلى المغرب، الذي قد تقوده جولاته إلى الأرياف والبوادي المغربية، بضرورة تلقيح نفسه باللقاح المضاد لسعار الكلب والمينانجيت (نوع A وC). عندما يقرأ السائح مثل هذه النصائح، فإنه قد لا يستحضر أن الأمر ينسحب على كل بوادي العالم وقد يعتبر أن المغرب يتميز دون غيره بكلابه الضالة المسعورة، التي تلاحق السائح في حله وترحاله. فالغالب على أسلوب اللغة التي حررت بها مواد الدليل هو تعميم المعنى على جميع الحالات دون استثناءات موضوعية، ما يجعلها أحكاما لا يأتيها الشك من أي جانب. وفي حديثه عن الإجراءات الجمركية، يُقر بأنها «أصبحت أقل صرامة من ذي قبل، اللهم إذا صادف السائح موظفا يبالغ في عمله.» لكنه يعود إلى تنبيه السائح إلى أن «الإجراءات قد تبدو طويلة ودقيقة، لهذا حافظوا على صبركم وهدوئكم، فتذمركم لن يفيد في شيء، بل قد يسيء إليكم.» وفي هذه النصيحة بعض المبالغة والتركيز على بطء مساطر المراقبة، كما لو كانت المراقبة الجمركية في بلدان أخرى، بما فيها فرنسا، سهلة وسريعة. في الإطار نفسه، ينصح بعدم حمل «المنشورات المخلة بالحياء العام والمنشورات السياسية التي تحمل إساءة للنظام العام، خاصة تلك التي تمس بشخص ملك المغرب». ومن الأشياء الصغيرة التي يتوقف عندها فيما يتعلق بالقطع النقدية المغربية، نصيحته للسائح بأن ينتبه للشبه الموجود بين القطعة من فئة درهم واحد والقطعة من فئة درهمين. وفيما يتعلق بالصرف، يوصي الدليل بضرورة طلب وصل عن أي عملية صرف للعملة الأجنبية وكذا الانتباه إلى حيل الصرافين، الذين قد «يعمد بعضهم إلى خصم عمولتهم من المبلغ». وما يغفله الدليل أن الصرافين، أو جلهم، لا يمنحون وصلا بتفاصيل العملية، في حال تمت هذه الأخيرة خارج البنك. فمحلات الصرف المعتمدة نفسها لا تعطي وصلا من هذا النوع، أما البازارات، فلا أمل معها في الوصل بتاتا. حذار من شبابيك الأبناك والبازارات! كما ينبه الدليل إلى أن الأبناك تغلق «يوم الجمعة من الساعة الحادية عشرة إلى الثالثة زوالا» بسبب صلاة الجمعة، والحال أن الأبناك، ككل المؤسسات، تعمل بمبدإ المداومة. أربع ساعات توقف عن العمل مبالغ فيها! الأمر الذي ينم عن خلط في الموضوع، سببه قصور في المعلومات. وهو نفس القصور الذي يجعل أصحاب الدليل (وهم الذين يجددون طبعات الكتيب كل سنة ويزيدون فيها وينقحون) يغفلون أنه لم يعد هنالك بنك اسمه «البنك التجاري المغربي» بعدما اندمج مع البنك التجاري، ويذكرونه ضمن الأبناك التي يمكن استعمال البطاقات البنكية الدولية لسحب الأموال من شبابيكها. وفي نفس الموضوع، يشيرون إلى أن زمن الانتظار أمام شبابيك الأبناك التي توفر هذه الخدمة قد يطول، غير مفرقين بين الشبابيك التي تشهد اكتظاظا لأنها تتواجد في أماكن تشهد إقبال السياح عليها أكثر من غيرها (قرب جامع الفنا بمراكش مثلا) وبين الشبابيك البعيدة عن نقط الجذب السياحي. نفس الأحكام العامة يصدرها الدليل على شبابيك الأبناك المغربية حين يقع مشكل تقني معين. يقول الدليل: « ... خاصة في حال وقوع مشكل، الشبابيك الأوتوماتيكية المغربية تحتفظ ببطاقة سحب الأموال بدل إعادتها للزبون... حتى في حال مشكل تقني». ثم: «تصوروا أن شباكا يبلع بطاقتكم مساء يوم جمعة بينما لا تتوفرون على رصيد مالي، فتصبحون محاصرين في المدينة، عرضة للجوع، إلى غاية صباح الإثنين...» ثم يشير إلى أن الأبناك المغربية تخصم من حساب الزبون عمولة متغيرة قدرها 2% يضاف إليها خصم ثابت يتراوح بين 3,50 و5 أورو، وعليه ينصح الدليل السياح بضرورة سحب ما يكفي من المبالغ حتى لا يسقط ضحية للشبابيك المغربية المعطلة. ولم تفت الدليل الإشارة إلى حيل بعض أصحاب البازارات، الذين يعتبرون السائح بقرة حلوب حسب قوله، فيسعون إلى تحصيل ما أمكن من المال منهم. وفي السياق نفسه، ينصح السياح في المغرب بتوخي الحذر في الشارع. نصائح لاستغباء السائح ومن النصائح العملية التي يوصي بها السائح في سياق «حرصه على سلامته» «عدم الالتفات في كل مرة تحتك فيها بالمارة في الشارع العام، ولا تكن متوترا، بل كن يقظا واستعن بحاستك السادسة الأسطورية...» قبل أن يسترسل في عرض النصائح الواجب اتخاذها حتى لا تتحول عطلة السائح إلى كابوس. إلا أن بعضها يقترب من الاستغباء، ومن ذلك قوله: «لا تضع محفظة نقودك في الجيب الخلفي لسروالك – بالنسبة للمال والأوراق الرسمية، من الأفضل أن تضعها في الجيوب الداخلية للملابس – وبالنسبة لمحبي الموز، ضعوه دائما أمامكم عندما تكونون في السوق – لا تضعوا أموالكم كلها في مكان واحد». ويتابع الدليل عرض نصائحه بتحذير السائح من اللصوص المغاربة الذين يلجأون إلى إلهاء السائح بعرض خدمة عليه وبالكلام المعسول، فيستغلون ثقته ويسرقون ما بجيبه من مال !. كما يوصي بضرورة نسخ أوراقه الرسمية وتوزيعها على أصدقائه حتى إذا ضاعت منه أو سرقها منه اللصوص المغاربة يجد نسخا منها تساعده في وضع شكاية لدى السلطات الأمنية. غير أنه ينبه إلى أن «الشرطة لا تستقبل طالبي تسجيل التصريح بضياع الوثائق الخاصة في نهاية الأسبوع» وأن التصريح بالضياع مؤدى عنه بالمغرب، وينصح السائح بضرورة «الحصول على نسخة من التصريح بالفرنسية. سيجيبك رجال الأمن بضرورة تحرير طلب خطي إلى إدارة الأمن الوطني. في هذه الحال، أُطلب شهادة مؤقتة تحمل توقيع رجل الأمن وطابع مركز المداومة (...) ولا تثق بأي شخص (رجل أمن) يقول لك إنهم سيبعثون لك بالشهادة إلى مقر سكناك عن طريق البريد». تلك هي الثقة الكبيرة التي يضعها أصحاب الدليل في الأمن المغربي، الذي تشهد الوقائع بأنه يفضل حل مشاكل السياح بسرعة البرق على حساب مشاكل أهل البلد. فنعم الثقة إذن. ويُفصل الدليل في حيل المغاربة، خاصة أصحاب المحلات التجارية، الذين يستغلون جهل السياح ببعض التعاملات المغربية. ويورد بعض الأمثلة على أنها حوادث كان ضحيتها سياح. نقرأ في هذا الصدد أن صاحب محل مغربي عمد إلى استغفال سائح فتعمد منحه قطعة خمسة دراهم مغربية على أنها قطعة 2 أوروهات مستغلا الشبه بين القطعتين. حدث ذلك، حسب الدليل، عندما لم يكن بحوزة السائح إلا ورقة من فئة 200 درهما مغربية لشراء شيء بسيط، فتظاهر البائع بأنه لا يملك ما يكفي من الصرف النقدي ليرد للسائح بقية الحساب، قبل أن يقترح عليه منحه ورقة 20 درهما مغربية مقابل قيمتها بالأورو، فتفاجأ السائح بعد فترة بأنه كان ضحية حيلة البائع... يحذر الدليل، أيضا، من حيل عارضي الخدمة على السائح، الذين يستغلون ما يقدمونه من خدمة ليذهبوا به إلى محل لبيع التذكارات السياحية بتواطؤ مع صاحبه. كما ينبه إلى مصايد بعض أصحاب الدراجات النارية أو السيارات، الذين تصاب سياراتهم بالعطل في الطريق، وبمجرد أن يلمحوا سائحا راكبا على سيارته يطلبون منه نقلهم إلى وجهتهم. وأثناء الحديث، يدعو أحدهم السائح إلى فنجان شاي، فيقبل السائح الدعوة لكنه يفاجأ بأنه يحتسي الشاي في محل لبيع الزرابي ويكتشف أن العملية كلها مخطط لها ! أمثلة أخرى، تافهة ونصائح لا تغيب سطحيتها عن ذهن أحد، تحمل أصحاب الدليل عناء نشرها في كتيبهم، ولا بأس أن نضيف إليها مثالا آخر يوصي فيه الدليل سائحه بأن يحرص على حضور عملية تغليف وتعليب تذكاره داخل المحل الذي اقتناه منه، وأن ينتبه إلى حيل البائعين الذين يتعمدون تحويل انتباه السائح ليضعوا مكان التذكار شيئا آخر أقل قيمة. وتختتم فقرة النصائح هذه بالقول إن السائح قد يفاجأ بالمرشدين السياحيين المغاربة يكيلون السباب للدليل بسبب هذه الفقرات المتعلقة بالنصائح ! ثقة زائدة في النفس. طبعا، من حق أصحاب الدليل أن يتباهوا بأنفسهم بعد أن حولوا سلسلة كتيباتهم، برغم كل نواقصها، إلى ما يشبه المرجع المقدس، الذي لا يأتيه الغلط من أي جانب وجعلوا منه «ماركة مسجلة» في مجال النشر السياحي في العالم. صحيح أن كثيرا من السياح الأجانب تعرضوا للنصب من قبل المحتالين والمرشدين ذوي النيات السيئة، إلا أن الإمعان في تفصيل دقائق الأمور البسيطة وإصدار الأحكام العامة ينحرف بالخدمة التي يريد تقديمها للسائح عبر العالم. الكبت المغربي في المخيال الأوربي الدليل يخصص فقرة للنصيحة الموجهة للسائحات الأجنبيات حين يكن وحيدات. وإذا كان يبدأ الحديث فيها ببيان أن «المغرب بلد آمن ومستقر عموما» (لاحظوا كلمة «عموما»)، فإنه يضيف أنه «يبدو أن المغاربة غالبا ما تكون لديهم فكرة مغلوطة عن الانفتاح الغربي: فكل أوربية تتجول بمفردها تصبح فريسة محتملة (هكذا)، وتتعرض بالتالي للاستفزاز والمضايقة المنتظمة (هكذا) في طريقها (...) ونشير، أيضا، إلى أن الجيل الشاب يمكن أن يكون أكثر عنفا في تحرشه اللفظي.» هكذا يصبح المغاربة جنسا خاصا، من طبيعة خاصة، يميلون إلى اصطياد الأجنبيات معتقدين أنهن متحررات كليا في أمور الجنس ! وينصح أهل الدليل السائحات الأجنبيات بارتداء «لباس فضفاض يغطي الكتفين والأرجل». كما لو كان المغرب أرضا أفغانية، تدين بالبرقع وبأحكام طالبان في عز صولتهم ! ويزيد الدليل من نصحه للأجنبيات بتحذيرهن بألا يرتدن الأماكن الخالية أو أن لا يتأخرن على الشاطئ، وأن يقتدين بعادات المغربيات، اللواتي يتجولن جماعات، ولا يغامرن بتمديد تجوالهن إلى ساعة متأخرة من الليل. أما اعتزاز أصحاب الدليل بكتيبهم فيخصصون له فقرة يتحدثون فيها عن أن الدليل مرجع معترف به لدى المؤسسات المذكورة فيه، وأن «المؤسسات غير المذكورة فيه أو التي نوصي بعدم التعامل معها تستغل، هي أيضا، صورتنا. كثر هم المرشدون والفندقيون وأصحاب المطاعم والباعة الذين يقولون لك «أنا معتمد من قبل «دليل المسافر الراجل» ليبينوا لك جديتهم. حذار. لا تثقوا إلا بالعناوين المذكورة في آخر طبعة.» ويختمون بالقول في حق المغرب: «من المؤكد أن المغرب هو البلد الذي تروج فيه أكثر التوصيات الكاذبة.» المغاربة، إذن، هم أكثر شعوب الأرض نطقا بما ليس فيهم، وأكثرها كذبا على السياح ونصبا عليهم في نظر أصحاب الدليل، الذين يبدو أنهم يتجاهلون أن جميع الشعوب التي احتكت بالأجانب وبالسياح تطور أشكالا خاصة للتعامل معهم، وأنه إذا كان بعض المنتمين إلى المجال السياحي يسيئون إلى سياحة البلد، فأمثالهم، عبر العالم، كثيرون. فلماذا هذا الاستثناء المغربي؟ قد تكون وراء هذا الحكم مصلحة عند أهل الدليل برغم كل الجدية التي يدعون، لاسيما أننا نعرف أن رهانات الإعلانات ومداخيل الإشهار تحدد طبيعة الكثير من خطوط التحرير وتوجهات المنشورات حتى العالمية منها. ربما كان وراء هذا التحامل شيء من هذا ! حشيش المغرب و«مجزرة» عيد الأضحى... مشاهدات مغلوطة من صميم الخيال الغربي لم يكن من الممكن أن يغيب عن ذهن القائمين على طبعات الدليل أن يذكروا الحشيش المغربي، ويركزوا على جودته. وفي هذا يكتبون: «يلاحظ أن البلد الوحيد المعروف بمصداقية سمعة زراعة الحشيش هو المغرب، الذي يبقى أحسن مثال للإنتاج العالمي، الدائم، عالي الجودة التقنية. فمن بين 172 بلدا منتجا للحشيش، يظل المغرب هو المنتج والمصدر العالمي الأول له»، ثم يفصلون في أرقام المساحة المزروعة والرهانات الاقتصادية و«شبه الإيديولوجية» المرتبطة بالحشيش وما يتعلق بتجارته من فساد إداري... فضلا عن نبذة مدققة عن زراعة الكيف في الريف والحملات التي شنتها الدولة على أباطرة المخدرات، خاصة في الريف، قبل أن يختموا هذه النبذة بالقول: «في المغرب، أباطرة المخدرات والموظفون السامون هم في مقام الملوك...» في إشارة إلى النفوذ الذي يتمتعون به بتواطؤ مع رجال السلطة. وفي باب النصائح الموجهة إلى السائح والمرتبطة بالحشيش والكيف جاء في الدليل: «إذا صادفت أحدا نائما على جانب الطريق (في كتامة والريف بشكل عام)، تفادى أن تتحدث إليه، ولا تتوقف. إنها طريقة ليبيعك الكيف. كما أن البائع يمكنه أن يشي بك، بسهولة، للشرطة ويقبض مقابل ذلك عمولة. إنها حيلة شائعة. كن حذرا.» ! هكذا هي تجارة الحشيش في شمال المغرب من منظور الدليل، ذي الصيت العالمي ! حكم كهذا لا يمكن أن يكون إلا مجانبا للحقيقة بالمطلق اعتبارا لأن مروجي الحشيش والكيف ليسوا في حاجة إلى من يعرضون عليه بضاعتهم على الطرقات. فشبكاتهم أوسع من أن يبقى فيها مكان للصغار والمستهلكين الأجانب من الحشيش، الذين ينزلون، على حد تعبير الدليل، إلى جنبات الطرق ليتصيدوا ضحاياهم من السياح. وإمعانا في تحريف الحقائق، ينصح الدليل السياح بتوخي الحذر تجاه الشباب الذين يتعرفون إلى السياح خاصة في طنجة وتطوان ويعرضون عليهم جلسة تدخين وشاي في البيت، قبل أن ينقلبوا عليهم ويجبروهم على أداء أثمان مرتفعة مقابل قطع الحشيش تحت طائلة التهديد، أو أن «يختفي الشاب تحت ذريعة الخروج لشراء النعناع فيرسل إليك الشرطة.» صحيح أن هناك نصابون ومحتالون، لكن أن تُصوًر الأمور بهذا السيناريو الذي يستغبي الأوربي، وهو الذي يعيش حضارة العقل المعاصرة، ويصوره في هيأة العاجز عن تمييز مساراته بنفسه، فهذا إصرار على ملء الصفحات والظهور بمظهر الناصح المطلق. وفي باب «الأعياد الدينية الإسلامية» يقدم الدليل لمحة عن المناسبات الدينية وتاريخها ويخصص لعيد الأضحى فقرة مطولة يصف فيها أجواء العيد السائدة في المغرب. ومما جاء في هذا الوصف:» الأزقة المهجورة لا يعبرها إلا بعض الرجال الملطخين بالدماء، يحملون السكاكين في أيديهم، يتنقلون بين المنزل والآخر لذبح الحيوان (الكبش)، ويتركون للعائلة مهمة سلخه. بعد ذلك تمتلئ السطوح وشرفات البيوت بالمدن بجلود الأكباش المتروكة للتيبيس بينما تظل القرون والحوافر على الأرصفة هي آخر آثار الأضحية.» لنحاول أن نتصور الصورة التي ستحتفظ بها ذاكرة الأجنبي الذي يقرأ عن عيد الأضحى كلاما ووصفا مثل هذا. أليست صورة لمجزرة حقيقية أبطالها المغاربة وهم يمارسون سنة من سنن الأنبياء؟ أليس هذا الوصف العاري من التدقيق والموضوعية ومن العناصر الأساسية لفهم سياق تقاليد ذبح الأضحية وصفا يترك لدى الجاهل بعادات المسلمين وتقاليد المغاربة وثقافتهم فكرة سلبية عن هؤلاء الأقوام؟ لقد كان حريا بأصحاب الدليل أن يطلعوا أكثر على تفاصيل هذا التقليد ويوضحوا سياقاته الدينية والاجتماعية والثقافية وخصوصياته بين بلد مسلم وآخر حتى تتضح الرؤية للسائح بدل أن يذهب بذهنه نحو مشاهد مؤثتة بالدم والسكاكين والقرون، كما لو كنا نحن الفايكين لا هم، أولئك القوم الذين غزوا شمال أوربا بالدم والنصال، وشربوا النبيذ في قرون البقر والأكباش...