تدبير الإجهاد المائي وتطوير منظومة التنقل والتحول الرقمي، إشكاليات تسائل الجهات والجماعات الترابية بكل ما يقتضيه ذلك من جدية وتظافر للجهود (جلالة الملك)        المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة.. مشروع سياحي ضخم باستثمار 230 مليار سنتيم وخلق 20 ألف فرصة عمل    اجتماع بين رئيس الرجاء البيضاوي والمدرب سابينتو لدراسة فسخ العقد بالتراضي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة علال الفاسي لسنة 2024    الذهب يتجه لخسائر أسبوعية والفضة قرب أسوأ أسبوع منذ دجنبر 2023    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    التامني: بعد المحروقات والأوكسجين جاء الدور على الماء ليستولي عليه أخنوش    نيويورك: توجيه لوائح اتهام ل3 تجار مخدرات دوليين اعتقلتهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمغرب في أبريل الماضي    دعوات للاحتجاج بالمدن المغربية في الذكرى الرابعة لتوقيع التطبيع    نقابيو المالية يلوحون بالتصعيد احتجاجا على تأخر تنزيل بنود اتفاق 14 فبراير 2024    الأسود ينهون 2024 في المركز الأول قاريا وعربيا و14 عالميا    نيويورك.. الجمعية العامة الأممية تتبنى القرار المغربي بشأن السياحة المستدامة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    تطورات التضخم والأسعار في المغرب    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    هَنيئاً لِمَنْ دفَّأتْهُ الحُرُوبُ بِأشْلائِنَا!    التافه حين يصير رئيسًا: ملهاة مدينة في قبضة .. !    رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة المغربية ل " رسالة 24 ": التحدي السياسي هو أكبر تحدي يواجه اللغة العربية    مجلة دار النيابة تعود إلى الأكشاك بحلة جديدة بعد 40 سنة من إطلاقها    محاضرة للجويطي تقارب الرواية والتاريخ        أحمد أحمد فال يكتب: ما جاء بالعزة والبرهان لا ترهبه الذلة والهوان    الملك: لا ينبغي على الجهات إغفال المخاطر والأزمات لأنها قد تواجه جملة من التهديدات المتنامية    كيوسك الجمعة | "أنابيك" تنظم عملية انتقاء العاملات الفلاحيات للعمل بإسبانيا    الأرصاد الجوية تحذر من تساقطات ثلجية نهاية الأسبوع    7250 سوريا عادوا إلى بلدهم عبر الحدود الأردنية منذ سقوط الأسد    ما قصة نسيم خليبات الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية الذي سلمه المغرب لإسرائيل؟    فرحات مهني يكتب عن قرب سقوط النظام الجزائري    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    ريكاردو سابينتو يلوح بالرحيل: ظروف الرجاء لا تسمح بالاستمرار    الركراكي يرافق المنتخب المغربي في نهائيات كأس إفريقيا للمحليين    العصبة تكشف عن برنامج الجولة 16 أولى جولات الإياب    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    جديدة قضية "ولاد الفشوش".. الخطيب يتنازل عن الشكوى والمحامية الفرنسية تصر على موقفها    السينغالي مباي نيانغ يعلن رحيله عن الوداد ويودع مكونات الفريق برسالة مؤثرة    رابطة الدوريات ترفض تقليص عدد الأندية    إضرابات القطارات في سيدني تهدد احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة    وفد دبلوماسي أمريكي يصل إلى سوريا    كأس الرابطة الانجليزية.. توتنهام يتأهل لنصف النهاية على حساب مانشستر يونايتد    السوداوية المثقفية    سوريا إلى أين؟    عامل إقليم الجديدة يعقد لقاء تواصليا مع المجلس الجماعي لجماعة بولعوان    الحكم بالحبس ضد سائق "InDrive" بعد اعتدائه على زبونة بطنجة    لجنة دعم السينما تعلن عن المشاريع المستفيدة من دعم دورة 2024    أخنوش: مشروع محطة "موكادور" يرسخ مكانة المغرب كوجهة سياحية رائدة    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش نداء الحريات الفردية..ثلاث أسئلـة للنخبة المغربية
نشر في التجديد يوم 05 - 02 - 2008


شكلت الأحداث التي شهدها المغرب في الأسابيع القليلة الماضية، والتي مست الإطار الأخلاقي والثقافي للمغاربة، مناسبة لتنازع التيار الإسلامي والعلماني حول طبيعة المجتمع المغربي المنشود. ولم يقتصر هذا التنازع على الإعلاميين فقط من هذا التيار أو ذاك، بل اجتهد بعض المتحمسين على خلفية ذلك في تكوين جبهة ثقافية وسياسية وإعلامية واقتصادية وفنية... الغرض منها الضغط على الدولة للتحرك ضد أعداء الحرية ودعاة الكراهية والعنف والتكفير...، وعزل الإسلاميين وإظهارهم في صورة أعداء الحرية، وخصوم الدولة، والمشجعين على الفوضى، وتمثل ذلك في نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية. وإذا كانت المبادرة أمرا محمودا، كونها تعبر عن يقظة وحس مدني مرهف، فإن المثير في المسألة هو تسرع بعض عناصر النخبة في الموافقة والتوقيع على النداء، معرضين عن الأسئلة الحرجة التي يطرحها، وهي خفة غير لائقة بالنسبة لهذه الفئة من الناس، التي تتبوأ مكانة رمزية واجتماعية رفيعة. ومن علامات هذا التسرع والارتجال في الموقف التوضيحات والتحفظات التي أبداها بعض الموقعين على النداء بعدما ظهرت عيوبه لكثير من العقلاء. فمن الأسئلة الأساسية التي يطرحها هذا النداء: سؤال الدولة والحريات الفردية، سؤال الأحداث (الواقع) والتأويل السياسي والإيديولوجي، وسؤال الثقافة المدنية للمواطن المغربي، وسنحاول فيما يلي مناقشة هذه الأسئلة بشكل أقرب ما يكون إلى الموضوعية، التي يتعذر تحقيقها في المطلق، وخاصة إزاء هذه القضايا. 1 ـ الدولة المغربية والحريات الفردية: إن مفهوم الحريات الفردية منظورا إليه من جهة السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا، هو مفهوم عرفي وثقافي قبل أن يكون مفهوما قانونيا؛ بمعنى أن الحريات الفردية المسموح بممارستها هي تلك التي يعترف بها المجتمع في كليته، ولا يستقبحها الذوق العام ولا يستنكرها، ويدخل في هذا الباب الكلام واللباس والأفعال والألوان...، وهي نتيجة تفاعل عدة مراجع ومصادر كالدين والتجربة الحياتية بنجاحاتها وإخفاقاتها والمصالح الخاصة والعامة. وراعي هذه الحريات والقائم عليها هو المجتمع وهيئاته وذوي النفوذ الرمزي والثقافي من علماء وأعيان وأصحاب الجاه، وفي المرتبة الأخيرة الدولة. فالقوانين في المغرب وخارجه تعبر إلى حد ما عن الدلالة العرفية والثقافية للحريات الفردية، بحيث لا تستطيع الدولة ولا أجهزتها التشريعية أن تبتعد عن المزاج الغالب على المجتمع، فما لا يصح عرفا وثقافة لا يمكن أن يصح قانونا. وإذا فكرت الدولة بطريقة مختلفة، فإنها من حيث لا تدري تقامر وتغامر بمشروعيتها الاجتماعية والثقافية. فما وقع في القصر الكبير يعد مثالا واضحا للمفهوم العرفي والثقافي للحريات، فسواء ردود فعل المجتمع القصري المستنكرة والرافضة لذلك الفعل الشنيع، أو رد فعل الدولة المتمثل في المتابعة القضائية والمحاكمة كلها تؤكد هذا المدلول. فمقدار الحريات الفردية وطريقة ممارستها في المجتمع المغربي يتطور بشكل مناسب لتطور المجتمع وانفتاحه الثقافي، واتساع مساحة الوعي داخله، وفي انسجام تام مع أسس الاجتماع السياسي للمغاربة وعلى رأسها الإسلام. ويقدم موضوع المرأة المغربية والمراحل التي مر بها من الاستقلال وإلى اليوم مثالا نموذجيا لهذه القاعدة، فالحريات الفردية التي تمتلكها المرأة المغربية اليوم هي أكبر بكثير من الحريات الفردية التي كانت لها بالأمس، كما أنها لا تخرج عن تعاليم الإسلام والثقافة المحلية، ولو من الناحية النظرية. فنداء الحريات الفردية ومؤيدوه سقطوا في ثلاث أخطاء أساسية: ـ أولا: الإعراض التام عن المفهوم العرفي والثقافي للحريات الفردية في المجال المغربي، والتأصيل لها فقط في المرجعيات الكونية. ـ ثانيا: دفع الدولة المغربية إلى التنكر لمشروعيتها الثقافية والسياسية، وهو أمر لا تسلم عواقبه. ـ ثالثا: إن مبادرة الحريات الفردية تخيرت من أساليب الدفاع عن الحريات أسلوب الصدمة، ويتجلى ذلك في سبب نزولها (حفل الشواذ)، ومثل هذا الخيار لا يمكن أن يؤدي من الناحية الثقافية إلى توسيع الحريات وتطويرها، بل على العكس من ذلك سيؤدي إلى انحسارها، فالمجتمع المغربي مثل غيره لم ولن يتطور بخيارات صادمة للوجدان والهوية. 2 ـ التأويل السياسي والإيديولوجي للأحداث: إن ردود الفعل الشعبية على حفل الشواذ في القصر الكبير شابتها بعض العيوب، وتخللتها ممارسات عنيفة. وقد كانت السمة البارزة لهذه السلوكات هي العفوية والعشوائية. وليس هذه أول مرة يتسع فيها الخرق عن الرقع في المغرب، ويخرج الناس عن جادتهم في مناسبات احتجاجية، فقد حصل هذا وتكرر مرات عديدة، وخاصة أيام الإضرابات العامة في الثمانينيات والتسعينيات، وعدد من الموقعين على النداء يدركون هذا. فإذا كانت هذه التجاوزات واردة ومتكررة في التجربة المغربية، وحصلت أيام نشاط اليسار ونضاله، ولم ينسبها أحد آنذاك للتيارات اليسارية ما عدا الجهات الأمنية، لماذا يصر اليوم أصحاب النداء على نسبة ما وقع من تجاوزات إلى الإسلاميين؟، مع العلم أن هؤلاء كانوا واضحين، ومنذ الوهلة الأولى في هذا الباب، وأعلنوا صراحة إدانتهم لأي انزلاق ينال من سلطة الدولة وهيبتها، وساهموا بقوة في تهدئة الأجواء، والحفاظ على الطابع السلمي والمدني للاحتجاج. إن هذا الانحراف المقصود في فهم الأحداث وتأويلها لا تفسره إلا الخصومة السياسية الضيقة والحقد الأيديولوجي الذي لا يكترث باستقرار المغرب وأمنه. 3 ـ الثقافة المدنية للمواطن المغربي: إن مظاهر العنف والخشونة التي يمارسها الكثير من المغاربة في مناسبات سياسية، وعلى هامش أشكال الاحتجاج، لا تتصل فقط بالتيار السياسي الذي ينتسب إليه هؤلاء المحتجون ومراجعه الثقافية بقدر ما يتصل بمستوى التربية المدنية للمواطن المغربي التي يتلقاها في المدرسة ووسائل الإعلام...، فعدد كبير من المغاربة يتخلون عن مدنيتهم عند أي خلاف ولو بسيط في السوق والحافلة والشارع والمقهى... ويلجأون إلى العنف اللفظي والمادي. فمهندسو نداء الحريات الفردية أرادوا أن يجعلوا من هذه التجاوزات تعبيرا قصريا عن ثقافة الإسلاميين، وبالتالي إلصاق التهمة بهم باعتبارهم تهديدا جديا للسلم المدني والأمن الاجتماعي للمغرب. فضعف السلوك المدني لعدد كبير من المغاربة وتفشي مظاهر العنف تتحمل مسؤوليته المدرسة العمومية، وهيئات المجتمع المدني، والتيارات السياسية والحزبية العاملة في الواقع، ويجب أن تتظافر جهود الجميع لمحاصرة موارد ثقافة العنف سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية... وتنمية الثقافة المدنية. إن مبادرة نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية للأسف أخطأت طريقها، وفوتت على المغاربة فرصة نادرة، كان يمكن أن تشكل لحظة إجماع وطني؛ تجتمع حولها الإرادات الصادقة لأهل المغرب، ذلك أن موضوع الحريات الفردية يعني كل المغاربة على حد سواء إسلاميين وعلمانيين. وكان يمكن أن يكون بصيغة أخرى توحد كل أطياف المغاربة، لولا التأويل السياسي والإيديولوجي للأحداث، وتجاهل المفهوم العرفي والثقافي للحريات الفردية...

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.