ربما مازال هناك أمل أن يتحقق الشيء الكثير، ربما، ولم لا، ليس أكيدا أن نصل يوما إلى تحقيق ما نريد؟ مادام يعيش بيننا مستقبل الغد الواعد، حالما بتحقيق أشياء جميلة، أشياء فشل فيها كبارنا، ويسعى صغارنا إلى تحقيقها بأمان كبيرة، لم لا نجرب وضع أملنا فيهم فقد يقودون حقا الكبار، ويبرهنوا أن عقولهم تفوق من يضنون أنفسهم كبارا؟. بثقة كبيرة في النفس حالمة بتحقيق حلمها، جلست صفاء، تلك الطفلة الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها العشرة ربيعا، على مقعد مخصص للوزراء بقبة البرلمان، شعرت بنفسها وزيرة في لحظة قصيرة، ورغم أن المدة التي جلستها هناك كانت قصيرة جدا، إلا أن حلمها كان كبيرا، فما إن سوت جلستها حتى قالت: أشعر بنفسي الآن وزيرة الصحة. أجبتها وماذا ستفعلين لو كنت وزيرة الصحة؟ أجابت بدون تردد: سأصلح كل مستشفيات المغرب، وسأعالج المرضى المحتاجين بالمجان، وسأطالب بالزيادة في عدد الأطر الطبية كي يتمكن جميع المرضى من التمتع بالرعاية الصحية، وسأوزع الأدوية مجانا لمن لا تسعفهم القدرة على شرائها، أريد أن لا يبقى مريض في المغرب، ولا فقير فيه. أريد أن يتمتع الأطفال المشردون في الشوارع بمأوى يؤويهم، وأن نوفر لهم أمهات بديلات ليشعروا بدفء وحنان الأسرة. أريد أن أغير كل الأشياء السيئة في بلدي، وحتما سأفعل ذلك إن أصبحت يوما ما وزيرة، لأن الظلم الذي يتعرض له الفقراء يشعرني بألم شديد وأتمنى من أعماق قلبي أن أستطيع مساعدتهم في شيء ما . هذا حلم طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، وقد أنهكتها معاناة الآخرين، وسخطت على وضع المسؤولين الحاليين، فماذا سيكون شعور هؤلاء الفقراء الحقيقيين الذين تمر لحظة من لحظات معاناتهم كأنها سنوات من الشقاء، هؤلاء المساكين الذين أفرغت المستشفيات جيوبهم وتركت أجسادهم منهوكة من الأمراض، ناهيك عن الأمراض النفسية التي لم يشعروا بها، إلا عندما دخلوا تلك المستشفيات التي لم يتعلم العاملون فيها كيفية التعامل مع المرضى بل تعلموا كيفية إفراغ الجيوب فحسب، بل حتى حين يتوفى القدر أحدهم لا ينعم بمكان نظيف توارى فيه جثته، وكأن المسؤولين عن دور الأموات لا يعلمون أن يوما ما هم أيضا سيكونون في ذلك المكان، ولو فكروا بذلك لسارعوا للعناية به وتنظيفه أملا في أن تنظف أمكنتهم بعد الممات. لقد كانت أحلام صفاء ضاربة في الصميم، فليت كل الكبار لهم مثل هذه الأحلام، حتما أشياء جميلة كانت ستتغير، وإن لم تتغير فعلى الأقل سيجد المريض منا العناية التي يستحقها بدل أن يهمش من طرف بشري مثله لن يشعر به إلا إن وجد نفسه هو أيضا على سرير المستشفى.