لقد كانت ديمقراطية أثينا وثنية و ديمقراطية الغرب اليوم وثنية أيضاً، تؤلِّه الإنسان فالحكم المطلق للشعب لا لله العليم الحكيم. كما أن ديمقراطية الإغريق كانت عنصرية المذهب: فالديمقراطية لطبقة الأسياد من الإغريق أما العبيد فهم عبيد لا يمتلكون حتى رقبة حريتهم الشخصية، فبالأحرى أن تمنحهم ديمقراطية أثينا حق المشاركة في صنع القرار السياسي العام ببلادهم. و ديمقراطية الغرب اليوم موغلة في العنصرية فهي ديمقراطية داخلية خاصة بالمجال القومي الغربي.أما خارج هذا المجال فشعوب العالم و أممه ليسوا في عرف الغرب الديمقراطي إلا عبيدَ ديمقراطية أثينا :لا أُخُوَّة معهم و لا مساواة و لا ديمقراطية و لا حرية، بل هم طريدة لإشباع شهوات الغربي بالاستبداد و الاستغلال المادي الفاحش. فمنذ القرن 91م و الغرب ينجز ثورته الديمقراطية في الداخل، و منذ تلك اللحظة عينها و هو ينفذ حملته الاستعمارية في الخارج . و روح الاستعمار و العدوان في بنية العقل الغربي القائد اليوم لها أصول في ثقافة روما، بل إن روح المنظومة القانونية الغربية اليوم تجد أصلها في القانون الروماني.إنها أصولية في الحداثة الغربية التي لم تغيب حتى الأصل الديني في صياغة عقلها العام كما سنرى في متم الحديث إن شاء الله. و من الحقول الثقافية المساهمة بشكل عميق في صياغة العقل الغربي ، الفكر المسيحي/اليهودي الذي تسرب إلى خلاياه العصبية من خلال ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي خلال القرن 61 71م. هذا الإصلاح الذي أعطى اعتباراً كبيراً خاصاً للتوراة في الفكر المسيحي البروتستانتي باعتبارها العهد القديم من الكتاب المقدس .و آمنوا حرفياً بما جاء في هذا الكتاب من عقائد و أساطير . بل عمل المسيحيون البروتستانت على إشاعتها وسط المجتمع الغربي . فأصبح تربة خصبة ينهل منه العقل : فالرأسمالية المالية قائمة اليوم أساساً على مبدأ (الربا) الذي أصبح من صفاتها الوراثية. و هو مبدأ يهودي خالص، تسرب إلى مسامها بدعم البروتستانت، معتقدين زوراً أنه أمر إلهي وارد في التوراة. و ما كان لصندوق النقد الدولي القدرة على امتلاك رقبة الشعوب الفقيرة في عالم اليوم، و الاستيلاء على سيادة دولها في اتخاذ القرار السياسي لولا هذا المبدأ الاقتصادي اليهودي الفاسد. بل ستجد في العداء المستحكم عند العقل الغربي عموماً و الأمريكي و الإنجليزي بالخصوص لدار العروبة و الإسلام، والرعاية الزائدة للدولة اليهودية عند نفس الدولتين منذ أصل الأزمة إلى الآن جذوراً ممتدة في الحقل الثقافي المسيحي/ اليهودي. فالدولتان موغلتان في المسيحية البروتستانتية التي تؤمن بعودة المسيح( الماشيحانية)لحكم الألفية السعيدة في زعمكم.و لكن تؤمن بأن لعودته ، شروط منها بالأساس: 1. عودة اليهود كشعب الله المختار إلى فلسطين أرض الميعاد. 2. بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك ليحكم المسيح منه العالم. 3. قيام حرب (هرمجِدُّون) بين المسيحيين المؤمنين بهتاناً و كفار الشرق و هم اليوم المسلمون كما يزعمون بهتاناً. و التي ستفنى فيها مئات الملايين من المتحاربين. بالتالي فكل من يجاهد أو يقاوم من أجل تحرير فلسطين و إنقاذ المسجد الأقصى من الدمار و يقاوم بناء الهيكل على أنقاضه فهو كافر و إرهابي في عقيدتهم الضالة و المنحرفة ، لا يستحق من الغرب إلا السحق و الدمار.لقد سبق الحركة الصهيونية المسيحية في الدعوة لتهجير اليهود إلى فلسطين الحركة الصهيونية اليهودية بحوالي ثلاثة قرون. ليس حباً فيهم و لكن رغبة في الإسراع بعودة مسيحهم. والعداء المستحكم اليوم عند الرؤساء الأمريكيين من أمثال ريغان و بوش الأب و بوش الإبن لدار العروبة و الإسلام، ليس غير الخضوع للوبي المسيحية الإنجيلية الموغلة في النزعة (المشيحانية). فاللوبي اليهودي ليس بقوتها، بل إن قوته مستمدة من قوتها ، إذ يبلغ عدد أعضائها المنتظمين اليوم 07 مليون عضو ، ولها عشرات الجامعات و آلاف المدارس الدينية . و تملك 0041 إذاعة و قناة تليفزيونية تبث يومياً في كون المنكرين على اليهود أنهم شعب الله المختار كفار ، و المنكرين كون أرض الميعاد وقفاً لليهود من الله كفار ، و من يؤجل بناء الهيكل وقيام حرب (هرمجدون) مع كفار الشرق فهو يؤجل عودة المسيح. تلك هي الأسس الثقافية و الحضارية التي صاغ منها أمثال مارتن لوثر و مكيافيل و داروين و ماركس و فرويد و نيتشه و غيرهم أركان العقل الغربي القائد اليوم للبشر