عندما يعيش الإنسان في حالة من السعادة ويشعر أن القدر راض عنه، وعندما يتنفس الصعداء لأنه وفي آخر المطاف تمكن من تحقيق جزء بسيط من حلمه، بعد عناء طويل وبعد كفاح في الحياة نال فيه بعضا مما كان يطمح إليه، يفاجأ بالقدر يغير مساره، لكن هذه المرة ليس ككل المرات ولم تكن وطأتها سهلة بالمرة، بل كانت نقطة تغيير مسار حياة بأكمله بعد أن بدأ يطمئن إلى مستقبله الحالي الذي لطالما كافح وناضل من أجل الوصول إليه. سعادة الفرحة بالنجاح وبتحقيق الحلم لم تعش معه طويلا ولم تدع له مجالا للتخطيط للمستقبل السعيد الذي ظن أنه بدأ في أولى خطواته من أجل رسمه بكل ثقة واستفادة من الخبرات الناجحة في السابق. لا يمكن لأحد منا أن يضمن المستقبل وما تأتي به الأيام، فهذا من سمات القدر. ومهما كانت المفاجأة سواء سارة أو غير سارة فالإنسان يتمكن من تقبلها بل والتعايش معها. لكن نادرا ما تأتي مفاجئة تغير مسار الحياة بأكمله، رغم أنها تمنح النفس تجربة فريدة من نوعها في الحياة وتجعله يقوى على تحمل أي شيء، إلا أنها تخلف جراحا وندوبا كبرى في القلب يصعب نسيانها مهما طال الزمن. فبعد أن تمكن من الاستقرار وحقق طموحه الذي كان يراوده منذ الطفولة، وتزوج بفتاة اختار جمالها على الشكل الذي كان يرسمه في خياله. وفي أحد الأيام وفي شوارع تلك المدينة، كان يقوم بجولة مع زوجته بالسيارة، وشعور عميق بالسعادة يلفهما وكأنهما في جنة الفردوس، إذ كانا يخططان لإنجاب طفل ويحلمان بمستقبل زاهر له. لكن لم تلبث أن تمضي حتى ثوان قليلة حتى تغير مجرى الحياة في الاتجاه الآخر ووجد الزوجان نفسيهما راقدين على فراش المستشفى بعد تعرضهما لحادث كاد يودي بحياة الزوج. بعد أيام قليلة غادر الزوج فراش المستشفى، لكن هذه المرة كان الرجل فوق كرسي متحرك، بعد أن فقد إحدى قدميه في الحادث. لم يتقبل أي منهما الأمر في البداية، لكن ما عساهما يفعلان؟! فهذا قضاء الله وقدره!. حاولا التكيف مع الوضع الجديد، لكن الزوجة لم تكن ممن يتقبل ضربات القدر القاسية فاختارت الرحيل والبحث عن السعادة في مكان آخر، وتركت الزوج يتصارع مع الزمن ويعيش وحده في دوامة الألم من فقدان كل شيء ومن وضعه الحالي الذي غير مسار حياته بالكامل. غادرت الزوجة التي ألفت الحياة السهلة وألفت الزوج الوسيم والقوي البنية، الذي لم يعد يوجد الآن بل كل ما خلفه الحادث هو إنسان بسيط يحتاج للمساعدة ولمن يدعمه للخروج من كبوات الحياة المتلاحقة. زاد هجر الزوجة إلى آلامه آلاما أخرى يصعب نسيانها مهما طال الدهر. بعد سنوات من الحادث ومن العيش في ظلمات اختارها لنفسه، بعد أن قرر الانزواء بعيدا عن العالم الخارجي، كي لا يقتحم عليه أحد آخر عالمه الجديد، اختار العيش مع الذكريات وتجرع الآلام لدرجة أن مرارتها أصبحت تشعره باللذة. لكن مع مرور الأيام وتوالي النكبات قرر العودة إلى حياته الماضية بعد أن تاقت روحه إلى الشعور بالسعادة الذي افتقده من زمن طويل. وبعد أن تعمق الشعور بالإيمان في داخله، إذ أصبح ينظر للأمور بعين أخرى. عين لم يكن ير منها من قبل إنها عين قل من يكتسبها في هذه الحياة. عين تحاكي جواهر الأمور ولا تنخدع بالظواهر. وهي أيضا عين القناعة والرضى بالواقع ووضع كل الأمل والرجاء في الله تعالى وحمده على كل نعمه، لأنه تعالى يعطي كل شيء ولكن لابد من امتحان يختبر به قوة إيمان عباده.