عادت إلى البروز بشكل بيِّن قضية إشكالية الموارد المائية في الآونة الأخيرة ببلادنا، خاصة مع الإعلان في الشهر الفائت عن التصميم الوطني لإعداد التراب، والذي رصد ثلاثة تحديات استراتيجية سيواجهها المغرب في أفق السنوات العشر المقبلة، ضمنها على الخصوص، دخول المغرب في ظرف عشرة سنوات إلى خمسة عشر سنة المقبلة مرحلة الخصاص المائي. وبنية دراسة هذه الإشكالية وتحديد مكامن الخلل في سياسة تدبير الموارد المائية ببلادنا قبل الوصول، لا قدر الله، إلى مرحلة الخصاص، كما أخبر بذلك التصميم الوطني، جاءت مبادرة تنظيم حوار وطني حول الماء قريبا يتناول القضايا ذات الأولوية المرتبطة بهذه المادة الحيوية. وهو الحوار، يقول محمد اليازغي، وزير إعداد التراب الوطني والماء والبيئة، الذي سوف تشارك فيه كل الفعاليات المهتمة لتقييم المجهودات المبذولة خلال العقود الأخيرة، لتوطيد مكامن القوة وإصلاح مواطن الخلل، مشيرا، عند انعقاد الدورة الأولى للمجلس الإداري لوكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية برسم هذه السنة أول أمس (الأربعاء) بمدينة المحمدية، إلى أن وكالات الأحواض المائية ببلادنا مطالبة خلال السنوات المقبلة، بفتح أوراش كبرى تهم على الخصوص تطبيق مقتضيات قانون الماء بنهج مراقبة صارمة للملك العمومي المائي وتحديده، والحد من استنزاف الطبقات المائية الجوفية، ومواصلة الجهود في مجال الوقاية من الفيضانات، ونهج سياسة مستدامة في مجال الاقتصاد في الماء والمحافظة عليه. ولتفادي الوصول إلى كارثة الخصاص المائي ببلادنا، أكد اليازغي أن الوكالات مطالبة أيضا بإعداد برامج تعاقدية مع الدولة تتضمن مشاريع استعجالية في ميادين التطهير واقتصاد الماء والمحافظة على الثروات المائية الجوفية، موضحا أن اعتماد هذه المنهجية التعاقدية سيشكل بداية لمرحلة جديدة تمكن الوكالات من القيام بدورها كآليات فاعلة في تنفيذ الإصلاحات المرتبطة بالسياسة المائية. وتبرز أهمية الحوار الوطني حول الماء بالمغرب في توقيته الذي يزامن وضعية مائية، وصفها التصميم الوطني لإعداد التراب بالمقلقة جدا وغير المقبولة بتاتا، مثلما يجوز أن توصف بعد سنوات قليلة بالعصيبة، ما لم تفتح أوراش وطنية لمناقشة إشكالية تدبير الموارد المائية، التي تسير في الاتجاه السيء والسلبي بالنظر إلى شروط التنمية المستديمة، وفق قول التصميم ذاته. وكان التصميم، الذي عرضت تفاصيله خلال الدورة الأولى للمجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني بالرباط الشهر الفائت، قد رسم بعض معالم هذه الوضعية المائية المقلقة، وذلك بإشارته، على سبيل الاستشهاد، إلى أن الاحتياطي الحقيقي من الماء، الذي ما زلنا نتوفر عليه، يكمن في اقتصاد الماء، لأن مستويات الإهدار جد مرتفعة، تصل إلى40 بالمائة. والمشكل، يقول التصميم، أن هذا الإهدار لا يكتسي صبغة تقنية، بل هو ذو طبيعة اجتماعية - سياسية، فمنذ الحقبة الاستعمارية إلى حدود اليوم، خضع الماء إلى تدبير تقنوقراطي ومبهم، فقد معه الفاعلون الحقيقيون لمنظومة الماء، الشعور بالمسؤولية. ومن الممكن أن تسنح فرصة هذا الحوار حول الماء في وضع الأصبع على مواطن الخلل في تدبير موارد المياه ببلادنا، وإعادة ترتيب المسؤوليات والاختصاصات في ذلك، وقبله إعادة الشعور بالمسؤولية في الحفاظ على هذا المخزون الحيوي، بدل إهداره إلى حد لن تنفع معه حوارات بعدها ولا ندوات. يونس البضيوي