وجه عبد الصمد مريمي عضو الفريق النيابي للعدالة والتنمية بمجلس المستشارين انتقادات لاذعة للطريقة التي تم بها إصدار تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد. وتأسف مريمي الذي يشغل أيضا مهمة نائب الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لكون المجلس " أخطأ موعده مع لحظة دستورية هامة" كانت تتطلب، بحسبه، احترام فلسفة الدستور القائمة على أساس التعاون بين السلط وليس على أساس الفصل الحاد بينها، واحترام فلسفة الدستور الداعية إلى التكامل بين مجلسين ينتميان إلى برلمان واحد وليس إلى مجلسين يغرد كل واحد منهما في سربه الخاص. وسجل مريمي ما اعتبره سابقة في تاريخ البرلمان المغربي، حيث لم يتم احترام مقتضيات الدستور، ذلك أن الفصل 66 من الدستور ينص على جمع البرلمان برمته في دورة استثنائية، وليس مجلس المستشارين لوحده، كما نص في الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على اختتام الدورة بمرسوم، و هو ما كان يقتضي التنسيق مع مجلس النواب من جهة لإصدار بلاغ مشترك، و مع الحكومة من جهة ثانية لضمان حضورها وتحملا لمسؤوليتها الدستورية في اختتام الدورة الاستثنائية بانتهاء جدول أعمالها، احتراما لمبدأ التكامل بين المجلسين وتجسيدا لمبدأ التعاون بين السلط وتجاوزا للارتجال في التعامل مع الشكليات والإجراءات القانونية. من جهة أخرى سجل المتحدث سابقة أخرى في تاريخ البرلمان لعقد دورة استثنائية في موضوع يتعلق بالرقابة في الوقت الذي انحصرت فيه جداول أعمال الدورات الاستثنائية السابقة على موضوعات تتعلق بالتشريع. كما تأسف مريمي لارتباك الشروط القانونية التي تنعقد فيها هذه الجلسة، مما يطرح معه التساؤل حول مدى دستورية هذه الدورة الاستثنائية، وحول مدى" احترام المجلس لروح الدستور ومنطوقه وإيماننا بسمو مقتضياته عن جميع الاعتبارات السياسية والحسابات الضيقة". وبخصوص التقرير وبعد قراءته في فريقهم البرلماني قال مريمي "إن الإحساس الذي تملكنا هو أن صياغته لم تتخلص من المناخ السياسي المتوتر الذي ساد مناقشة القوانين المتعلقة بالإصلاح"، مضيفا "وما عرفه هذا المجلس الموقر من نقاشات قوية بين بعض الفاعلين الاجتماعيين وبين الحكومة التي تحملت مسؤوليتها ودافعت بشجاعة عن رؤيتها لإصلاح أنظمة التقاعد، وهو ما تفاعل معه المجلس بشكل إيجابي حينما صادق على قانون إصلاح أنظمة المعاشات بالإجماع". إلى ذلك قدم مريمي عددا من الملاحظات والتي سبق أن عبر عنها بصفته عضوا في اللجنة منها على الخصوص عدم تمكين كافة أعضاء اللجنة من الاطلاع على الصيغة الأخيرة للتقرير بعد ما تم الاتفاق على إدخال التعديلات والملاحظات قبل اعتماده نهائيا؛ وعدم تسجيل مواقف الإيجاب والرفض والتحفظ حول مضامين التقرير من طرف أعضاء اللجنة. وأضاف مريمي أن وضع توصيات في التقرير، " أمر معيب " ، على اعتبار أن اللجنة منبثقة عن مجلس نيابي من مهامه التشريع والرقابة وليست منبثقة عن هيئة استشارية لا تتعدى صلاحياتها إبداء الرأي، بالإضافة إلى انعدام الأحقية القانونية للجنة تقصي الحقائق النيابية في تقديم توصيات، تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 67 من الدستور والمادة الثانية من القانون التنظيمي الخاص بلجان تقصي الحقائق النيابية والتي تنص على أن اللجان النيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعطيات المرتبطة بوقائع معينة أو بتدبير المصالح والمؤسسات والمقاولات العمومية و اطلاع المجلس عليها. واعتبر القيادي النقابي أن عدم إرفاق التقرير بتصريحات المستمع إليهم وفسح المجال لهم لإبداء الملاحظات حول تصريحاتهم والتوقيع عليها، "هو ما يجعل هذه الشهادات ومحاضر الاستماع في تعارض واضح مع مقتضيات المادة 11 من القانون التنظيمي085.13 المنظم للجان تقصي الحقائق ويضعف من مصداقية المعطيات المنسوبة للمعنيين"، مشيرا إلى ما اعتبره " ضعف الدقة والتركيز في بعض الصياغات، والميل إلى اعتماد لغة قريبة من الصياغة المطلبية والعاطفية التي لا تتناسب مع لغة التحري والتحقق،مسجلا حذف بعض الفقرات التي تم الاتفاق عليها في مسودة التقرير". في السياق ذاته سجل مريمي كون كل التوصيات المقدمة، بغض النظر عن مدى قانونيتها، فإنها لم ترق، سواء من حيث اللغة أو من حيث الأهداف إلى التوصيات التي قدمها تقرير المجلس الأعلى للحسابات في الموضوع ولا إلى الدراسة التي قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عند تقديمه لرأيه في القوانين التي أحالتها عليه الحكومة ولا إلى الخلاصات العامة التي وصلت إليها اللجنة التقنية الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد. وشدد البرلماني عن العدالة والتنمية على " أن مجموعة من التوصيات التي تبدو في ظاهرها جذابة على المستوى الاجتماعي"، بحسبه افتقرت إلى أي اقتراح في كيفية تنفيذها وأشكال تمويلها وسيناريوهات تنزيلها ولم تأخذ بعين الاعتبار تصريحات الكثير من المسؤولين المستمع إليهم وأهم خلاصات التقارير الأساسية للمؤسسات الدستورية والاستشارية . مريمي قال أيضا أنهم في فريقهم النيابي كان أملهم أن تكون دراسة هذا التقرير ومناقشته المتأنية والعميقة والواقعية دافعا لكافة الأطراف إلى تبني مواقف أكثر توافقا وتقاربا في أفق بناء إجماع وطني لاستكمال مسلسل الإصلاحات الشاملة لأنظمة التقاعد وترصيد مكتسباتها وخلق مناخ مناسب لمواصلة هذا الورش الإصلاحي الحيوي والضروري، "بما يحفظ حقوق المنخرطين ويحافظ على المالية العمومية لبلادنا بعيدا عن أي مزايدة سياسية يغذيها اختلاف المواقع" ، مشيرا إلى أن الأمل والحماس يحذوهم للتفاعل الإيجابي مع جميع الآليات الرقابية والمبادرات التشريعية فيما تبقى من مكونات منظومة الحماية الاجتماعية، ولاسيما منظومة التعاضد والمساهمة في التغطية الصحية، التي صارت هي الأخرى من المجالات المرتبكة والأكثر إثارة للجدل والمشاكل من سوء التدبير المالي والإداري وآثاره.