أصبح من الثابت اليوم الدور المرسوم المخصص في إطار ما يسمى ب الشرق الأوسط الكبير والمشاريع المزعومة للإصلاح التي يبشر بها، لنمط من المثقفين أطلقوا على أنفسهم تسمية براقة هي الليبراليون الجدد لكن ذلك الاسم البراق يخفي في طياته رغبة في إلحاق الأمة بالمشروع الهيمني الأمريكي وتجريدها من كل مقومات المنعة كما يخفي الدور الحقيقي المرسوم لهم في المرحلة الجديدة من المد الاستكباري الأمريكي الجديد. هؤلاء المثقفون أصبحوا من أخطر الثغرات التي تخترق كياننا، وظيفتهم الوشاية والطعن من الخلف واستعداء خصوم الأمة على أبنائها البررة المخلصين ممن ينافحون عنها في مساحات العلم والجهاد بالكلمة أو في ساحات الجهاد في الميدان لدفع العدوان. فقد أصبح هؤلاء يضطلعون بدون استحياء أو خجل بوظيفة الجواسيس والمحرضين والعيون التي تدل على عورات الأمة ومناطق قوتها أو ضعفها حيث يمكن أن يضرب الأعداء ويؤلموا، وليس حامد كرزاي واياد علاوي إلا النسخة الكربونية السياسية لكراكيز العمالة الذين يقودون الطائرات والدبابات والجيوش الأمريكية أو الصهيونية لاغتيال القيادات وتدمير المدن المقاومة على أهلها مثل ما حصل في الفلوجة ودوس حرمات المساجد وممارسة القتل البارد للجرحى وللمدنيين. هناك إذن صورة كربونية أخرى تقدم نفسها هذه المرة في صورة مثقفين وأكاديميين وإعلاميين حداثيين وليبراليين. هؤلاء قد خصص لهم دور معلوم كما جاء ذلك بوضوح في التقرير الذي أعدته مؤسسة راند حيث يراد لهم أن يتحولوا إلى أدوات تستخدمهم الولاياتالمتحدة في محاربة من تسميهم الأصوليين، وكما جاء في مشروع الشرق الأوسط الكبير حيث يتمثل دورهم في الضغط على الأنظمة من الداخل والإرهاب الفكري على العلماء والمفكرين المستقلين، وهم في ذلك متمتعين بحصانة أمريكية حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون من الآن فصاعدا، إنهم المحميون الجدد الذين كانوا الركيزة التي قام عليها المستعمر القديم، وهم اليوم عيون أمريكا وأدواتها وأبواقها وعملاؤها وجواسيسها الذين سيدلونها على الديار ويقدمون لها التقارير ويحرضونها على أن تنصب لعلماء الأمة لأنهم شر كل بلية والسبب الجوهري في بث التطرف و الإرهاب، ومثقفيها المستقلين وحركاتها المقاومة وحكامها الوطنيين الذين يأبون التبعية والانبطاح لأمريكا، ومحاكم التفتيش. وفي هذا الإطار جاء البيان الذي وجهه مجموعة من الليبراليين العرب!! إلى رئيس مجلس الأمن وأعضائه والأمين العام للأمم المتحدة أي إلى الولاياتالمتحدة في نهاية المطاف يطالبون فيه بانشاء محكمة دولية للإرهاب. وهو البيان الذي أعده وزير التخطيط العراقي السابق جواد هاشم والتونسي عفيف الأخضر والأردني شاكر النابلسي. لكن الإرهاب المقصود عند هؤلاء الليبراليين ليس هو إرهاب شارون المتواصل ولا هو الإرهاب الأمريكي الذي استقدم ولا يزال يستخدم الأسلحة المحرمة دوليا في تدمير الفلوجة، وارتكب جرائم الحرب في أفغانستان وفي سجن أبو غريب وقتل بدم بارد الجرحى والمدنيين اللاجئين إلى المساجد بدم بارد، والأحبار اليهود المتصهينين الذين يفتون بحل سفك دم كل فلسطيني، ولا الرهبان الانجيليون الذين يوجدون من وراء الاندفاع الأهوج للإدارة الأمريكية في الحرب التي تسمى حربا على الارهاب. إن هذا الإرهاب الأكبر لا مكان له في قاموس الليبراليين العملاء لأنهم لا يرون في أمريكا إلا محررة وحاملة لمشعل الحرية والديمقراطية للوطن العربي الأصولي ولو كان ذلك بالتدمير والخراب والعدوان والأسلحة المحرمة دوليا. ولا يرون في الكيان الصهيوني إلا واحة للديمقراطية والتقدم في محيط من الاستبداد والتخلف العربيين. ليست أي واحدة من تلك الممارسات الإرهابية أو من الفتاوى الدينية العنصرية هي المستهدفة، ولكن المستهدف هنا مجموعة من العلماء والمفكرين المسلمين الأحرار الذين اتهمهم البيان باصدار فتاوى دينية لالإرهابيين تشجعهم على الارهاب مقدما على ذلك أمثلة ملفقة أو فتاوى مجتزأة من سياقها للدكتور القرضاوي والدكتور سفر بن عبد الرحمان الجوالي والشيخ علي بن خضير الخضير والأستاذ راشد الغنوشي (متى كان راشد الغنوشي فقيها يصدر الفتاوى؟!). يقول البيان بعد الإشارة إلى مجموعة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بالارهاب. "نحن المثقفين العرب والمسلمين الديموقراطيين والمسالمين الليبراليين الموقعين على هذه العريضة نود أن نلفت أنظاركم وأنتم تضعون التوصيات اللازمة لتنفيذ وتفعيل قراركم رقم 1566 إلى مصدر خطير للإرهاب وهذا المصدر الخطير هو الفتاوى المحرضة على جريمة الارهاب التي صدرت ومازالت تصدر عن مجموعة من رجال الدين المتزمتين فلا يكفي إصدار قرارات تدين الإرهاب، بل إن الحكمة تقتضي إنشاء محكمة دولية من قبل الأممالمتحدة لمحاكمة الارهابيين وفقهاء الارهاب الذين يقدمون للإرهابيين فتاوى دينية تشجعهم على الارهاب، هذه الفتاوى تلعب دورا أساسيا في تحرير سادية الارهابي وغريزة الموت لديه من جميع الضوابط الأخلاقية وتجفف ما تبقى لديه من ضمير أخلاقي، وملء شعور صحي بالذنب...". ويختم البيان بالقول: "ونظرا لصعوبة بل استحالة محاكمة فقهاء الإرهاب هؤلاء وأمثالهم في العالم العربي والإسلامي حيث ينشرون فتاواهم في الصحافة وفي التلفزيون وعلى صفحات الأنترنيت وبكل سهولة، كما لو كانت واجبا دينيا يثاب فاعله ويؤثم تاركه، وبحيث أن الفتاوى الدينية التي يفتي بها بعض رجال الدين المتزمتين تساعد على ممارسة الأعمال الإرهابية بدافع التعصب والتطرف الديني، ولأهمية الاسراع في مكافحة الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون فإننا نحن الموقعين على هذه الرسالة نطالب مجلس الأمن والفريق العامل المشكل وفقا للفقرة التاسعة من قرار مجلس الأمن رقم 1566 بضرورة الإسراع في إنشاء محكمة دولية تختص بمحاكمة الارهابيين من أفراد وجماعات وتنظيمات بما في ذلك الأفراد الذين يشجعون على الارهاب بإصدار الفتاوى باسم الدين.وتقبلوا خالص تحياتنا...". وحيث إن مواقف العلماء والشخصيات المذكورة في البيان وعلى رأسها الدكتور يوسف القرضاوي واضحة من قتل المدنيين بما في ذلك هجمات الحادي عشر من شتنبر وغيرها من الهجمات التي وقعت كثير من الدول مثل المغرب وتونس والسعودية... وحيث أن فتاواهم موجهة إلى قضية مواجهة المحتل في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان فمن الواضح أن الليبراليين العملاء يسعون من خلال دعوتهم تلك إلى ممارسة الإرهاب الفكري على العلماء والعودة إلى عصور التفتيش. إنها محاولة دنيئة لإضفاء الشرعية على الاحتلال الأمريكي والصهيوني وضرب المقاومة من خلال ضرب شرعيتها التي تضمنها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، ومن خلال تصفية العلماء المجاهدين بالبيان والكلمة، وبيان الموقف الشرعي من الاحتلال والعدوان، إن بيان من سموا أنفسهم الليبراليين العرب لا يعدو أن يكون من جنس الوشايات التي يقوم بها العملاء داخل أرض فلسطين أو داخل أرض العراق وذلك عندما يبلغون بتحركات قيادات المقاومة وأماكن وجودها مستغلين في ذلك بعض التكنولوجيات المتقدمة، فتكون النتيجة الاغتيالات الارهابية التي تمارسها قوات الاحتلال، لكنها هذه المرة وشاية حداثية ليبرالية من أجل نصب المحاكم الأمريكية في العالم، فبدل الدعوة إلى نصب محاكم لإقامة عدالة السماء والأرض في مجرمي الحرب من أمثال شارون وبوش وغيرهم، يريد الليبراليون العرب نصبها للعلماء المجاهدين. لكن محكمة الشعب والتاريخ هي التي ستقول كلمتها في محاكمة كثير من الخونة الذين لم يبق لهم من ذكر في التاريخ إلا مقرونا بالاحتقار والمهانة. محمد يتيم