حين تمر سنة وتأتي أخرى نحتفل بالضيف الجديد، ونستقبله بالتهليل ومشاعرالحبور، نحشد له كل أنواع المأكولات والمشروبات ، نهاتف الأقرباء والأصدقاء، ونجتمع للسمر والسهرو ممارسة مختلف فنون اللهو والانتشاء.. ونقف لحظة عند السنة الهجرية الجديدة لنتساءل: في أي سنة نحن؟ أين وصل رقمها ؟ وما دلالات أحداثها ؟ أيدرك كل واحد منا أنها احتفال بهجرة الإنسان المسلم من الظلم إلى العدل وانتقال بالدين من الاضطهاد إلى أفق الحرية والانعتاق؟ أهي في دلالاتها القريبة والبعيدة هجرة رسخت معاني الصبر والتضحية من أجل المبدأ، مثلها رسولنا الأمين وصحابته الأكرمون حتى وصل إلينا الدين بعظمته وتجلياته الحضارية..هي هجرة تمثل قمة الهدى والحق للبشرية، فأين أنت ياصانع الحياة من كل هذه المعاني والدلالات؟ هل هجرت كل أنواع الضعف والاستعباد لهوى الشيطان؟ هل وضعت لنفسك هدفا تصبو إليه وغاية تنشدها؟ وإلى أي مدى تتابع تطبيق هذا الهدف عبر مراحله وتفاصيله لتضعها نصب عينك في كل صباح؟ وما مدى مسايرة هذا الهدف، إن وجد، مع مسيرتك نحو الجنة ودار الخلود ؟ ومن لم يعش لهدف بعد نقول له : لم يفت الأوان بعد ما دمت على قيد الحياة ، سطر جلسة مع ذاتك .. واعرف سلبياتها وإيجابياتها .. نقط ضعفها ونقط قوتها .. وعلى أساس ذلك ابحث لك عن هدف يستحق ان تعيش لأجله ... وأن تبذل الغالي والنفيس لتحقيقه . فما ضاع حق وراءه طالب . يا صانع الحياة : جزء من اسمك حياة بدقات ساعاتها ودقائقها ... بحلوها ومرها ... فماذا جهزت ليوم الرحيل ؟ أنت أيام إن ذهب يومك ذهب لبعضك فماذا تراك أعددت ليوم الحساب ؟ من يقف منا مع ذاته ليحاسبها ؟ من يقف عند سلبيات سنته الماضية ليجعل منها سلما يصعد من خلاله لأرقى المراتب ؟ هل حاسبت نفسك قبل أن تحاسب ؟ هل قيمت تصرفاتك وأفعالك لتقف عند الإيجابي منها فتنميه وتضاعف منه ؟ وهل تأملت بعقل محايد سلبياتك لتجد لها أنجع الأساليب وطرق العلاج بكل موضوعية . أم ستترك السنين تمر سدى لتتقاعد بعدها ؟ يا صانع الحياة : السنين تمر والأيام تتكرر ، لم تتبدل يوما ولم تتغير .. لكنك أنت من يتغير ... أنت من ينتقل من طفولة إلى شباب ومن شباب إلى كهولة ... أنت من يبدأ بك العمر وينتهي إلى محطة لا محيد عنها ... فإن تغير رقم سنة فقد تغير معها سنك وعمرك، ولكن هل تغيرت فيها عاداتك السيئة ..كسلك،تضييعك للأوقات..رداءة أعمالك..تسويفك..عجزك..تشاؤمك..؟ إنه تحدي الزمن والأيام إما أن تملأها بالجد والنشاط والخير..وإما أن تضيع منك الأيام كالماء ينساب بين أصابع كفك فتقعد ملوما محسورا. فإليك نتوجه بالنداء قبل فوات الاوان : كن صانعا للحياة قولا وفعلا .. سلوكا وممارسة .. روحا ودما .. كن لله ومع الله وإلى الله ... نم بلدك وانهض بها إلى مصاف الرقي .. وكل سنة هجرية وصناعة الحياة بألف خير .