قال أبو بكر محمد بن الفياض: سمعت زريقاً الدلال يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: اللهم استر واجعل تحت الستر ما تحب، فربما سترت على ما تكره. ثم التفت إلي وقال: يا أخي، بادر بادر، فإن ساعات الليل والنهار تذهب الأعمار. ونحن نعيش في ظلال وداع عام هجري، واستقبال عام آخر، ونحن نودع شهراً ونستقبل آخر، ونحن نودع أسبوعاً ونستقبل آخر، ونحن نودع يوماً ونستقبل آخر، ونحن نودع ساعة ونستقبل أخرى، هل نتذكر أن ساعات الليل والنهار تذهب الأعمار؟! فهل يدفعنا هذا التذكر إلى أن نأخذ بزمام المبادرة، فنبادر آجالنا، ونبادر أعمارنا، ولا نضيع أعمارنا، أو نفرط بأوقاتنا، ساعاتنا ودقائقنا، فهي رأس مالنا.. كان عامر بن عبد قيس رحمه الله يصلي كل يوم ألف ركعة، ولقيه رجل، قال له: أكلمك كلمة، أمسك الشمس حتى أكلمك. وقال لرجل سأله: عجل فإني مبادر. قال: وما الذي تبادر؟. قال: خروج روحي. نعم، ما أجمل أن يكون شعارك في مسيرك، وتعاقب الليل والنهار يذكرك: عجل فإني مبادر.. ارفعه في وجه الذين يفرطون بأوقاتهم، والذين يعملون على إضاعة أوقات غيرهم، وما أكثرهم في زماننا.. شعارعجل فإني مبادر، ارفعه ولا تخجل من أحد، حتى وإن كان صديقاً حميماً، أو جاراً قريباً، أو أخاً حبيباً،، فإن وقتك رأسمالك.. حين ترفعه تنتصر لوقتك، وتنتصر لأوقات الآخرين، وتذكرهم بشرف أوقاتهم، وضرورة اغتنامها في شأن الآخرة، فهي فرصة السائرين، ومركب الخائفين.. وهذا أحدهم يستوقفه ابن أخته، وهو خارج من المسجد، وفي طريقه إلى بيته، وقد اشتغل لسانه بالتسبيح والاستغفار، فقال له: ادع لي يا خالي، فقال له: يا أبا عبد الله، شغلتني، انظر ما تظنه في فافعله، وادع أنت لي. فألح عليه في طلبه الدعاء، فقال له: رفق الله بك، فطمع الرجل بالمزيد، فاستزاده، فقال له عندها: الزمان يذهب، والصحائف تختم.. عجل فإني مبادر.. ارفعه حين تدهمك شهواتك، أو تدعوك أهواؤك، فبدد به شملها، واكسر به سهامها، وحطم به قيودها، واخرج به ومن خلاله من أسر غفلتك.. أخي السائر، عجل فإنك تبادر، ولا تغتر فإن الآجال قريبة، والأعمار قصيرة، والقوى خائرة، والمناصب واهية، والدنيا كلها زائلة، فبادر ولا تكن من عبيدها.. بادر ولا تكن من الضائعين في دروبها.. بادر ولا تكن ممن عناهم الإمام الجليل ابن الجوزي رحمه الله حين نظر في حال الناس مع أوقاتهم وأزمانهم، فقال في دهشة وتعجب: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه سمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على نهر دجلة، أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة، وهي تجري بهم، وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل... وذكر عن داود الطائي رحمه الله قوله: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس، مرحلة مرحلة، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك. فعجل وبادر أجلك، وارفع شعار: عجل فإني مبادر، اجعله شعار العام الجديد.. اليوم الجديد.. الساعة الجديدة.