في هذا الحوار، يحكي الشاعر الفلسطيني الكبير شفيق حبيب عن تجربته الإبداعية في ظل الاحتلال الصهيوني، وعن معنى الإنتماء إلى أرض فلسطين حياتيا وإبداعيا، كما لم تفته الإشارة في هذا الحوار إلى قضايا أخرى هامة: من هو الشاعر الفلسطيني شفيق حبيب عدا كونك شاعرا فلسطينيا؟ على المستوى الإنساني، أنا بعيد عن كل تعصّب عرقي أو ديني أو سياسي أو إقليمي.. أؤمن بوحدة مصير الإنسانية، شريطة ألاّ يأكل القوي الضعيف، عندها سأنحاز بكليّتي إلى جانب الضعيف لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، كما هو حالي مع شعبي الفلسطيني. على المستوى العائلي: متزوج، لي أربعة بنات وأربع أبناء، جميعهم جامعيون بعيدون عن الوظائف الحكومية بسبب المقاطعة المفروضة عليّ منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي بسبب مواقفي. أبلغ الرابعة والستين من العمر، وما زلت أعمل موظفا في شركة خاصة بمدينة الناصرة العربية، ومكتبي هناك ملتقى بعض الشعراء والأُدباء. ماذا أضافت لك هويتك وجنسيتك الفلسطينية..؟ لقد أضافت لي هويتي الفلسطينية القلق الدائم والترقب الحذر مما يخبئه لي الغد، خاصة وأن السفينة الفلسطينية ما زالت تبحث لها عن مرفأ آمن، علما أنني من عرب ,1948 ولكننا كلّنا في الهمّ شرقُ، فالجرح الفلسطيني واحد وآلام وآمال هذا الشعب لا تتشعّب ولا تتجزأ. أما بالنسبة للجنسية، فإنني أعيش منشطرا بين الموروث والواقع. بعض النقاد يقولون بأن قصائدك تشهد بصدق انتمائك، كيف يكون الربط بين المكان والإبداع؟. المكان الفلسطيني مكان ثرٌّ إبداعيا بسبب التداعيات والإسقاطات على الساحة الفلسطينية، فعندما يسقط ستة شهداء في يوم الأرض، فكيف لا يكون المكان ملهما إبداعيا من قلب الألم؟.. شأن ذلك شأن شهداء الانتفاضة بآلافهم المؤلفة في الضفة والقطاع، فكيف لا يكون المكان هناك أيضا مبعثا للإبداع؟، وقس على ذلك النزيف اليومي... وعندما يُحرق المسجد الأقصى وتُدنّس الأمكنة المقدسة فكيف لا يكون لهذه الأمكنة صرخات مُدوِّية في شعري؟؟. وعلى مستوى المكان العربي العام، ربما كنت أكثر شاعر محلي كتب عن العراق ومحنة ومآسي العراق، وما زلت أذكر كيف أجهشت النساء في إحدى قاعات يافا عندما أخذت أُلقي قصيدتي: ليلى العامريّة في بغداد عقب مجزرة الأطفال التي ارتكبتها القوات الإمريكية الغازية في ملجأ العامرية... لم أترك حدثا فلسطينيا إلا وطرقت أبوابه، كذلك تناولت بعض الأحداث العربية العامّة الطّامّة. تُقيم في فلسطين رغم الظروف الإجتماعية والسياسية الصعبة، هل تقيدك هذه الظروف إبداعيا أم أنها تؤثر عليك؟. الظروف التي نحياها نحن عرب 1948 اليوم هي غير الظروف التي كابدها جيلنا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إذ كانت حرية التنقل ممنوعة بدون تصريح من قبل الحاكم العسكري، وكان الانتماء السياسى محارَبا من قبل السلطة، وكانت كتاباتنا مراقبة ومحاسبة من قبل أذرع السلطة المخابراتية، حيث كانت هناك وحدة لمراقبة المطبوعات تعمل بلؤم عنصري بغيض، وأظن أنها ما زالت بأساليب مخفية.. تعمل في الخفاء، تمدّ مخالبها بين الحين والآخر كما حدث لي عام 1990عندما صودر ديواني العَودة إلى الآتي حيث اعتبرته الرقابة تشجيعا وتحريضا ضد جيش الإحتلال. إن العيش على حد السيف عامل محفِّز أدبيا وإبداعيا، فعليك أن تنام وعيناك تحدِّقان في المجهول وقلبك ينبض ألف نبضة في الدقيقة.. ديوانك الأخير أنا الجاني، إذا أردنا تلخيصه، ماذا تريد القول من خلاله؟. الديوان الأخير هو مواصلة ما انتهجته فيما سبق، فأنا برغم ما عانيت وأُعاني لم أنحرف عن خطي الوطني لحظة واحدة أو قيد أُنملة برغم كل الضغوطات.. لقد حمل هذا الديوان الهمَّ الفلسطيني خاصة والهمَّ العربي بشكل عام، فجاء في أربعة أبواب: 1 مَن ضيَّعني ..؟. 2 رحلوا .. كِبارا . 3 كلمات دافئة. 4 من جُعبتي. حمل الباب الأول قصائد تُقرأ من عناوينها، مثل: أنا الجاني وَ مَن ضَيَّعَني وَ أبكي عراقا وَ مُعلَّقة على جدار العولمة وغيرها. الباب الثاني حمل رثائيات، مثل دمعة على فيصل الحسيني وَ أَلسنة الأزمان بمناسبة رحيل شاعرنا الكبير شكيب جهشان.. الباب الثالث حمل كلمات دافئة للسيدة فيروز. أما الباب الرابع: من جُعبتي فحمل مقطوعات وجدانية.. اعتقلتك القوات الإسرائيلية وحاكمتك ثلاث سنوات وتمَّ حرق كتبك بعد مصادرتها.. بماذا يذكّرك هذا الإحراق لدواوينك وماذا ترك في نفسك؟. تُذكرني هذه الجريمة النكراء بما قام به هولاكو التتري حين أحرق مكتبات بغداد الرشيد. لم تترك حادثة محاكمتي على مدى ثلاث سنوات سوى التحدّي والتصدّي ومواصلة المسيرة، فقد أصدرت بعد تلك الحادثة المأساوية ستَّ مجموعات شعرية وكتابا نثريا واحدا هو: في قفص الإتهام بعد محاكمتي قال عنه باسم المرعبي في مجلة الناقد: مثل هذا الكتاب يصلح لأنْ يكون وثيقة تُسعفنا في التعرف إلى حرية التعبير وحدودها فيما تُسمى ب واحة الديمقراطية، هذه الواحة التي تتطلب أن يحمل الشاعر فيها رخصة شعر، كما جاء في واحدة من جلسات المحكمة ليحقَّ له الكتابة والتنقُّل. كيف تقيّم ظروف النشر في العالم العربي؟ زرت مصر عدة مرات، وأعرف الكثيرين من المبدعين هناك، كلهم يتذمر من ظروف النشر وعزوف العربي عن القراءة. تصوروا أن جريدة يديعوت أحرونوت المسائية توزع يوميا أكثر مما توزعه الأهرام القاهرية للعالم العربي من المحيط الهادرِ حتى الخليج العاثرِ بعشرة أضعاف. هل حالة الشعر العربي بخير وعافية بنظرك؟ أقرأ كثيرا لما ينشر من الشعر في العالم العربي فأتساءل: هل هذا الانفلات الشعري حالة صحية أم كارثة أدبية؟ لم أُبلور رأيا بعد .. هاجمتَ العولمة في قصيدتك الجميلة الأخيرة أبو ذر الغفاري والعوْلمة.. هل العولمة بالنسبة لك ليست سوى كارثة في نهاية المطاف؟ العولمة في رأيي عملية تعليب للإنسانية بهدف السيطرة عليها من أجل مصالح جشعة إقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، تصبُّ كلها في مصلحة السيد الأبيض في البيت الأبيض في الزمن الأسود... ما رأيك في هذه الأسماء؟. .1 محمود درويش: نراهُ فينا ويرانا فيه... منّا وإلينا... .2 سميح القاسم: محارِبٌ أضاع سيفه على مفترق الطرق... .3 أحمد دحبور: يا شُعلةَ نورْ.. يعشقك الكرملُ في وطنٍ أعطاكَ النورْ .4 فدوى طوقان: روحٌ تاهت من عند الله وعادت إليه ( رثيتها بدمع القلب). .5 فاروق مواسي: مثقّف حتى النخاع ... .6 سعاد جبر: صوت رصين خافت في زمن هادر .. .7 ناجي العلي: سيف الكاريكاتير المسلول... أذكره صباح مساء في ذهابي وإيابي إلى عملي في الناصرة، مرورا بمحاذاة مسقط رأسه قرية السجرة الجليلية. الشاعر شفيق حبيب في سطور ولد سنة1941 في فلسطين اعتقلته القوات الإسرائيلية عام 1990 وحاكمته بتهمة تأييد منظمة التحرير الفلسطينية، واستمرت المحاكمة 3 سنوات، كما صادرت جميع مؤلفاته التي حصلت عليها في بيته أو في المكتبات والمطابع، وأحرقتها. من مؤلفاته المنشورة: دروب ملتهبة ديوان شعر 1973 وطن وعبير ديوان شعر 1981 أنادي أيها المنفى ديوان شعر 1984 أحزان المراكب الهائمة 1987 ديوان شعر في قفص الاتهام 1993 وقائع قضائية في الدفاع عن حرية التعبير آه يا أسورا عكا 1994 ديوان شعر تعاويذ من خزف 1996 ديوان شعر لماذا 1998 ديوان شعر صارخ في البرية 2001 ديوان شعر أنا الجاني 2005 ديوان شعر.