ما إن تهل العشر الأوائل من ذي الحجة، حتى تنشغل عقول ربات البيوت بتدبير خروف العيد، ويملأ التفكير في توفير ثمنه حيزا كبيرا من الحديث وتبادل الرأي وتقديم الاقتراحات، من أجل إحياء هذه الشعيرة الإسلامية. وكل هذا يدل على ارتباط المغاربة الكبير بسنن دينهم وأعراف أجدادهم في الحفاظ على هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. لكن ما يشوش على القيام بهذه السنة النبوية هو ما يتخللها من أمور جعلت منها واجب الواجبات، ويزيد الضغط الاجتماعي في تسويغ أي شيء من أجل اقتناء الأضحية، حتى إن بعض الموظفين، رغم ما يظهر من صلاح تدينهم، استسلموا للنظرة الاجتماعية، والتجأ البعض منهم إلى الاقتراض الربوي من البنك الذي يتعامل معه، واضطر آخرون إلى بيع أثاث منازلهم، أما آخرون فهي فئة عرفت شرع ربها، وأطرت المناسبة في درجتها الشرعية بأنها سنة مؤكدة لا تحتاج إلى تسويغ الحرام من أجل مندوب، بخلاف فئة رابعة غير آبهة بالمناسبة، لأنها حسب زعمها دائما واكلين اللحم، مختصرة إحياء سنة مؤكدة في أكل اللحم فقط! وفي ترسيخ هذه الضرورة الاجتماعية الجديدة تدخلت مجموعة من المؤسسات لتنتعش على الحاجة الاجتماعية، فنوعت إغراءات الاقتراض، حتى إن أحد محطات البنزين بالدار البيضاء، مع اقتراب العيد، وعدت زبناءها بالمشاركة في قرعة الفوز بكبش الأضحية لكل من اشترى في محطاتها 100 درهم من البنزين! وفي اتجاه مواز انشغل الدعاة والفقهاء ببيان شروط الأضحية ومواصفاتها الشرعية، وكل هذا الأمر، الذي يبصر المواطنين بأمور دينهم، أمر محمود، لكن على هؤلاء الدعاة من باب أولى أن يبينوا حرمة الاقتراض الربوي في القيام بالسنن، وتوضيح حدود الضرورة الاجتماعية والشرعية، وتبصير المجتمع المغربي أن من الخلفاء الراشدين من كان لا يضحي، حتى يخف الضغط النفسي على أولياء الأمور. كما أن من واجبهم أيضا التأكيد على جانب التضامن والإحسان في هذه المناسبة والتذكير بحال الضعفاء من المواطنين ووضعية كثير من المسلمين، ممن لا ينعمون بفرحة العيد بسبب عيشهم تحت نير الاحتلال، بله التنافس في حجم الكبش أو البقرة. وقد سبق أن أشرت في وقت سابق أن كبش العيد لا يحتاج إلى إشهار، سواء في التلفاز أواللوحات الإشهارية أو الملصقات، لكن اليوم حق لنا أن نقول إن كبش العيد لا يحتاج إلى كل هذا الاستنفار، الذي يؤشر على خلل في ميزان ترتيب الأولويات، ونسأل الله تعالى أن يخفف الضغط النفسي والاجتماعي على الآباء والأمهات. وباعتبار الأضحية جزء من مجموعة من السنن التي يقوم بها المسلم يوم عيد الأضحى، فإنه من غير المعقول أن يتم تغافل فضائل أخرى، يتيسر القيام بها خلال هذه المناسبة، ومنها على سبيل التذكير: صلة الأرحام وتمتين روابط الأخوة الدينية والدموية، ولزوم التكبير خلال العشر وأيام التشريق والدعاء للمسلمين، والعطف على المحتاجين والانخراط الفاعل في عمل الجمعيات العاملة في هذا المجال ولو بالاستجابة لطلبها بتخصيص جزء من لحم الأضحية للمساكين أو منحها جزء من المال لشراء الأضحيات للمحتاجين، واستحضار رمزية المناسبة، التي توضح أحد أهم ركائز التوحيد: طاعة الله جل وعلا، وذلك حينما انقاد واستسلم إبراهيم، على نبينا وعليه السلام، لأمر ربه تعالى بعدما رأى في المنام أن الله يأمره بذبح ابنه اسماعيل عليه السلام، ففداه ربه الرحيم بذبح عظيم: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إِني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إِن شاء الله من الصابِرين فلما أسلما وتله للجبِين وناديناه أن يا إبراهِيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبِين وفديناه بذبح عظيم)الصافات.