كثيرة هي القضايا التي كلما طال زمن تأزمها كلما صعب حلها دون آلام. وأقربها إلينا مسألة طي صفحة الماضي الحقوقي في المغرب، التي إن طويت دون أن تقرأ بالكامل قبل محوها نهائيا كان في ذلك ظلم وإفلات من العقوبة و هو ضمان أكيد لعودة نفس الجرائم إلى الحدوث مرة أخرى. وإن قرأت بالكامل نتج عن ذلك مشكلة أخرى مع دوائر لا زالت نافذة قد تؤدي المواجهة معها إلى ما لا تحمد عقباه. صديقتنا في الشمال فرنسا تعيش اليوم نفس المشكل بطريقة أخرى، فمنذ أن سلكت بُعيد الحرب العالمية الثانية مسلك استقبال أبناء مستعمراتها السابقة للعمل في إعادة بناء ما دمرته الحرب والتخلف الذي كانت تعيشه أغلب دول أوروبا، إعادة البناء التي فتح أوراشها مشروع مارشال الشهير؛ ظلت تخصص لهؤلاء مساكن في الضواحي بعيدة عن الفرنسيين ذوي الأرومة الأصلية البيضاء، هؤلاء المهاجرون الذين استقروا وأنجبوا في بلاد دوغول، شب أبناؤهم وأصبحوا فرنسيين، ولكنهم فرنسيون من درجة أخرى، وهو الميز الذي فجرت مسكوناته انتفاضة الضواحي في الشهر الأخير، التي أقنعت الفرنسيين أن لا أمن ولا سلم اجتماعي إلا برفع الحيف عن هؤلاء، ولكن كيف؟ كيف يمكن رد الاعتبار لهم دون إحصائهم حسب اللون والأصل، وهو ما يمنعه قانون الجمهورية التي أحد أركانها المساواة!؟ هل يُخرق أحد أركان الجمهورية الفرنسية من أجل تطبيقه بعد أن ظلت الممارسة تلغيه في الواقع مع التلويح به في كل مرة؟ أم الاستمرار في التعاطي مع المشكل في نفس الإطار من النفاق الاجتماعي حفاظا على ماء الوجه مع ما قد يعتري ذلك من استمرار للامساواة، أي الخرق الفعلي لمبدإ يرفض الفرنسيون خرقه صراحة من أجل رد الاعتبار له في الواقع؟هذا المقال الذي نشرته ليكسبريس الباريسية يوم عاشر نونبر 2005 يحاول أن يستجلي الوضع. ... من أجل إصلاح الوضع وإرساء مبدإ المساواة في فرص الشغل، يقترح عدة مسؤولين اقتصاديين وسياسيين إحصاء المأجورين حسب معايير إثنية وثقافية. غير أن القانون يمنع ذلك، بحكم مبدإ المساواة في الجمهورية التي تقوم على أساس ثلاثة مبادئ (حرية-أخوة-مساواة). ولكن الداعين إلى هذا الإحصاء يقولون بأن تجاوز هذا الطابو من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها ويقلل من حدة التغاضي عن الحقوق. ولكنه -يقول المعارضون-سوف يكرس العنصرية والميز.يقول عزوز بكاك الوزير المنتدب في تنمية تكافئ الفرص مدافعا عن هذا الإحصاء:كيف يمكن تغيير الواقع إذا لم نكن نعرفه؟ . ومن جهة أخرى يعلق سامويل توماس:إنها فكرة شاذة وخطيرة؛ بينما يقول باتريك ويل:إن الإحصاء الإثني لن يحل مشكلا. وتقول ميشيل تريالا:بل إن هذا الإحصاء يمكن أن يساعد في محاربة الميز العنصري الواقع يؤكد أن البحث الأولي الذي تقوم به المؤسسات قبل التوظيف تحول عمليا من بحث في المؤهلات إلى بحث في لون طالب العمل، إنه بحث عنصري يقوم على مبدإ ما يسمى بr.b.b. (bleu,blanc,rouge) لأنه مبدأ يعني أن الشخص المرغوب في توظيفه يجب أن يكون أبيض البشرة. وسواء كان الأمر مقصودا أو غير مقصود؛ فإن التمييز في التشغيل بحسب لون البشرة أو الأصل الإثني هو أمر شائع بشكل كبير في فرنسا. فمن أجل منصب موظف تجاري مثلا وحتى إن كان يتوفر على نهج سيرة مهني أفضل بكثير فإن مرشحا من أصل مغربي يتلقى استدعاءات أقل خمس مرات للحوار الذي يسبق التوظيف من فرنسي حقيقي. ومن أجل التقليل من هذه اللامساواة التي تمس سواء الأجانب أو الفرنسيين المنحدرين من أصول مهاجرة أو المنحدرين من الجزر الفرنسية وراء البحار(المارتينيك، والغواديلوب، وغيرها) يعتبر عدة مسؤولين اقتصاديين، ومن بينهم الوزير الفرنسي من أصل جزائريعزوز بكاك أنه أصبح ملحا اللجوء إلى إحصاء الأقليات الظاهرة؛ لأن إحصاء المأجورين حسب أصولهم سوف يمكن من: تسليط الضوء على غياب التنوع داخل المقاولات. الفكرة تقتضي نقاشا موسعا. لأنها حتى وهي مفعمة بالنوايا الحسنة، فإنها تصطدم بأحد أهم أعمدة وأسس الجمهورية: مساواة المواطنين أمام القانون دون تمييز حسب العِرق أو الدين .وحسب معارضيه فإن هذا المنهاج في الإحصاء ينطوي على خطرين كبيرين: إحداث -وبشكل مصطنع- مطالب طائفية، وفتح الطريق أمام إحداث إجراءات من قبيل ما يُتداول حاليا من التمييز الإيجابي من أجل التمكن من إصلاح تعدادي للتفاوتات القائمة ظلما. ولقد عمدت في شهر يوليوز الماضي لجنة المعلوميات والحريات بالبرلمان الفرنسي إلى التذكير بأن تحفيظ معطيات إثنية وعنصرية أمر ممنوع في الوضع القانوني الحالي.ولكن تقرير فورو حول محاربة التمييز الإثني في التشغيل يؤكد بأن هذا: التعامي المقصود...] يوفر ذريعة مناسبة لكل أولئك الذين يُنكرون وجود مشكل تمييزي أصلا، وهو التقريرالذي سُلم يوم ثامن شتنبر الماضي. إلى وزير التآلف الوطني جون-لوي بورلو. وعلى أرض الواقع يلاحظ أن المبادرات المؤيدة لتغيير الأمر الواقع لا زالت تتضاعف. ولقد انطلق لدى ستة مقاولات، بحث تجريبي يقوده المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، القصد منه قياس تحديد حجم التنوع الإثني والثقافي بين مأجوري هذه المقاولات.وكذلك فإن مائتين وثلاثين شركة قد وقعت خلال سنة واحدة على ميثاق التنوع: وهي تلتزم بالتوظيف من الآن فصاعدا دون تمييز بسبب اللون أو الأصل. لقد ظلت محاربة التمييز تقوم لحد الآن أساسا على القيم الأخلاقية وعلى اللجوء إلى القضاء في حالة ضبط الجرم، فقط. فهل يجب توسيع حقل التقصي الإحصائي؟ هل يجب حتى يُمكن التصدي للعنصرية في التشغيل، وضع السؤال على المأجورين لمعرفة هل هم بيض أو سود أو سمر أو غير ذلك؟ السؤال يبقى على كل حال مطروحا دون مواربة