العلاقات بين بلدان المغرب العربي الخمس والدولة العبرية ليست بنت الساعة، بل هي تمتد تاريخيا إلى فترات متقدمة من القرن الماضي، حتى أن المراقب قد يتساءل عن المفارقة الموجودة بين بعد المنطقة عن مسرح الشرق الأوسط جغرافيا وبين تسارع وتيرة التطبيع بين دولها الخمس وبين الدولة العبرية. فقد قطعت كل من المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس خلال العقدين الماضيين أشواطا كبيرة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 بين الحكومة الصهيونية والسلطة الفلسطينية بمثابة آلة الضخ في وتيرة التطبيع تلك، ولم تتوقف تلك العلاقات على المستوى الديبلوماسي بل طالت المستويات الاقتصادية والتجارية، وأخيرا وصلت إلى مستوى التعاون العسكري داخل نادي حلف شمال الأطلسي. في 17 نوفمبر الجاري شاركت أربع دول مغاربية هي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، إلى جانب بلدين عربيين مشرقيين هما مصر والأردن المرتبطين باتفاقيتي سلام مع الدولة العبرية عامي 1978 و ,1994 هم اتفاقيتاكامب يدفيد ووادي عربة في أول قمة لرؤساء أركان ووزراء دفاع بلدان حلف الأطلسي في بروكسيل ببلجيكا، ضمن ما يسمى بمجموعة الحوار المتوسطي التي تتشكل من البلدان العربية المذكورة إلى جانب الدولة العبرية. وتعتبر تلك القمة الأولى من نوعها التي تجمع أعضاء الحلف مع بلدان الحوض المتوسطي، وتأتي تمهيدا للقمة التي ستنعقد في 8 دجنبر القادم في العاصمة البلجيكية تحت عنوانمستقبل علاقة الحوض المتوسطي مع حلف الناتو، لكنها تعتبر الأولى التي يتم فيها إشراك الكيان الصهيوني منذ الإعلان عن انطلاق مشروعالحوار المتوسطي الذي دعا إليه الحلف عام .1994 المفاجأة أن هذا اللقاء جرى بعيدا عن الاهتمام الإعلامي الذي كان يتوجب أن يلقاه لدينا نحن في العالم العربي، وبالأخص في منطقة المغرب العربي التي أصبحت في الآونة الأخيرة مسرحا لعديد من المناورات الأمريكية والصهيونية، الرامية إلى تطويعها والتأسيس لمشروعها الاستراتيجي الجديد لما بعد احتلال العراق في المنطقة العربية والعالم الإسلامي. فقد تزامنت تلك القمة مع التحضير لعقدمنتدى المستقبل في الرباط في منتصف الشهر القادم، وهو المنتدى الذي يعد الخطوة الأولى في إطلاق مسلسل الإصلاحات التي دعا إليها مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا في العالم العربي والإسلامي قبل عام، بما يشير إلى أن هناك مرحلة جديدة وفاصلة تبدأ في المنطقة عنوانها الأبرز اختراق أمريكي صهيوني أكبر للمنطقة المتوسطة. القضية لا تقتصر على التعاون العسكري والأمني بين البلدان العربية المشاركة في الحوار المتوسطي وبين بلدان حلف الناتو، وإنما تتعداه إلى التوافق حول مبدإ ضمان أمن الكيان الصهيوني والتوقيع بالمصادقة على واقع الاحتلال الأمريكي والبريطاني في العراق. لقد جرى الحديث في اللقاء الأخير بين أعضاء حلف الناتو وبلدان الحوارالمتوسطي ومن ضمنها الكيان الصهيوني عن إمكانية مشاركة هذه الدول في أي قوات عسكرية يرسلها الحلف إلى العراق وفلسطين، لاستتباب الأمن في الأول وضمان انسحاب الكيان الصهيونيي هادئ في الثانية، في حال ما إذا نفذ شارون خطته الانسحاب من غزة. وذلك هو النفق الذي يتم جر البلدان العربية الست إليه. إدريس الكنبوري