في القرآن نماذج مشرقة لنساء تميزن بالتسامي الروحي وصدق الإيمان ورجاحة العقل. وهذه النمائج الخالدة في القرآن هي من أجل الاقتداء بها وليس فقط سرد أخبارها والتفرج على وقائعها، ومن هذه النماذج: مريم ابنة عمران رمز العفاف لعل أبرز مظاهر التكريم الالهي للإنسان أن يكون عابدا لله حقا. وقد نالت مريم عليها السلام هذا الشرف العظيم من الله رب العالمين، قال الله تعالى عنها: (كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا) وقال تعالى: (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)، أمرها بالقنوت وهو الخشوع، وأمرها بالركوع والسجود لله تعالى، وقد كانت من القانتين فعلا. وهذه هي المرأة الوحيدة التي ذكرت باسمها في القرآن لما لها من الدرجة العالية عند الله. وقد أشار القرآن إلى درجتها العالية بقوله: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة). ودرجة الصديقية هي الثانية عند الله بعد النبوة. كما تميزت عليها السلام بسمة العفاف في بيئة فاسدة، كل ما فيها يدعو إلى الانحراف قال تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتابه وكانت من القانتين) فهي عفيفة صديقة قانتة عابدة. وفي هذه القصة رسالة إلى كل امرأة في أي زمان ومكان، ومهما كانت درجة فساد المجتمع أن تبقى عفيفة نظيفة لتفوز برضى الله وتنال شرف الدنيا والآخرة. وفي هذه القصة رسالة إلى كل امرأة كيفما كان وضعها أن مفتاح السعادة الحقيقية الباقية هو الاتصال المتين بالله تعالى بأن تكون عابدة لله ذاكرة خاشعة صائمة قائمة. ولو فتح لامرأة باب العبادة الحقة لله والقرب منه سبحانه لاستهانت بما تفتخر به المفتخرات من أعراض الدنيا الزائلة. امرأة فرعون والثبات مهما عظمت التحديات آمنت امرأة فرعون في بيئة كلها تعادي الإيمان وفي غاية الصعوبة والخطورة، إذ أن مجرد إعلان الإيمان ربما يكلف الإنسان حياته، ومع ذلك آمنت وأصرت على إيمانها حتى النهاية، وواجهت أكبر قوة أرضية في ذلك الزمان. لقد كان كل شيء موفور أمامها: مال وجاه ومنصب فاختارت الإيمان على كل ذلك، وكانت تعرف يقينا أن ثمن إيمانها باهض جدا، وأدت الثمن راضية مطمئنة. ما السر في قوة إيمان امرأة فرعون؟ إنه قيمة الإيمان بالله بأنه أغلى من كل شيء، أغلى من الدنيا وما فيها. ولذلك هان عليها أن تتخلى عن وضعها الاعتباري في المجتمع وأن تواجه زوجها الفرعون. قال الله تعالى عنها: (وامرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)، لقد أسقطت امرأة فرعون كل الحجج والمبررات من أيدي اللاتي يتعللن بالظروف للتحلل من بعض ما يقتضيه الإيمان. وقالت بلسان حالها إن القضية قضية إيمان، فمتى كان قويا ثابتا أعطى ثماره اليانعة شرفا وعزا في الدنيا والآخرة. ملكة سبأ نموذج المرأة العاقلة الجمل التي ذكرها القرآن على لسان ملكة سبأ تنبئ على أنها امرأة مؤدبة عاقلة حكيمة، فلما تسلمت رسالة سليمان عليه السلام قالت في وصف تلك الرسالة (يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان...) وتجلت رزانتها في التشاور مع الملإ من قومها قبل الإقدام على أي قرار قد يجر بلدها إلى الحروب ومصائبها (قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) وأبرزت حكمتها في تقرير قاعدة تنطبق على كثير من ملوك الأرض: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة). كما تجلى أدبها في دقة تعابيرها وبعض حركاتها كما وصفها القرآن (فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قلت كأنه هو) جواب على مقاس السؤال. امرأة من هذه الطينة عقلا وأدبا لم ترفض الدين الحق لما عرض عليها، بل اعترفت في صراحة ورحابة صدر أنها كانت على الضلال: (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير، قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين). حواء وضرورة التوبة على كل حال شاركت أمنا حواء أبانا آدم اقتراف الذنب بارتكاب المنهي عنه وهو الأكل من شجرة الجنة، قال تعالى: (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) قال تعالى: (فاكلا منها) وقال (فلما ذاقا الشجرة) فقد أسند الفعل إليهما معا وأنبهما معا وقال لهما:( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين). وأحسا معا بالذنب وندما على فعلتهما وطلبا المغفرة من الله تعالى فقالا: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وتاب الله على آدم وزوجه حواء، وأقال عثرتهما. والمقصود أن كل بنات حواء عرضة للتقصير والخطإ، ولكنهن مسؤولات عن أخطائهن مطالبات بالتوبة والرجوع إلى الله في كل حين اقتداء بأمهن حواء التائبة إلى ربها. هذه بعض نماذج النساء القرآنيات ذكرهن الله للاقتداء بهن في عبادتهن وإيمانهن واسلامهن وتوبتهن، وهذه النماذج قابلة للتكرار في كل حين أو على الأقل الاقتراب من هذه المستويات المشرقة فلا يخلو زمان من معادن نفيسة من النساء يحيين سيرة مريم العفيفة العابدة وامرأة فرعون المومنة الصادقة القوية في إيمانها وملكة سبأ العاقلة الحكيمة وأفواج من النساء التائبات إلى الله في كل حين. الأستاذ محمد محفوظي