يبدو أن صدمة فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية قد تجاوزت الدوائر العلمانية المتطرفة، وبعض فلول اليسار المتأمرك في مصر، لتمتد إلى أمثالهم في العالم العربي والمهجر، ومعهم جميع المعقدين الذين يظنون أنهم بهجائهم للظاهرة الإسلامية سيجدون لهم موطىء قدم هنا وهناك عند هذا النظام أو ذلك أو هذه الجهة أو تلك، لاسيما بعد أن غدا استهداف الإسلاميين، وبخاصة من يتبنون فكر المقاومة والممانعة، بضاعة رائجة تدفع فيها الأثمان الغالية من قبل واشنطن وأتباعها في المنطقة. ليس ثمة منطق فيما يتقيأه هؤلاء من خطابات وتصريحات ومقالات، بل مجرد غضب يعبر عن نفسه من خلال الشتائم وترديد المقولات المستهلكة التي يظن هؤلاء أنهم اكتشفوها للتو، ولم تترد منذ عقود طويلة في أروقة النخبة من دون أن تؤثر في الجماهير أدنى تأثير. إحداهن، وبعد كلام طويل وممل حول تاريخ الظاهرة الإسلامية تستنتج بذكاء مفرط أن لب المشكلة هي في المناهج التي تركت للأصوليين يربون الأجيال الجديدة من خلالها، وهو هراء ما بعده هراء، وإلا فأية مناهج أصولية تلك التي توفرت في الجزائر وتونس وليبيا والمغرب، وأي أصولية تلك التي بثت في مناهج التعليم في تركيا، وكيف تفسر السيدة العبقرية تلك الصحوة الإسلامية العارمة في دول آسيا الوسطى بعد ثلاثة أرباع القرن من مطاردة الدين حتى في العقول؟ ما يجب أن يعترف به هؤلاء هو أنهم يكرهون الدين بحد ذاته، ويتطيرون من رؤية مسجد أو فتاة محجبة، لكنهم يسكتون خوفاً من التيار السائد في الشارع فيميلون إلى تنفيس عقدهم من خلال ما يسمى "الإسلام السياسي" الذي يحاول ترجمة التدين الشعبي إلى حضور سياسي يستعيد مرجعية الدين في المجتمع وخيارات ممانعة ومقاومة للهجمة الأمريكية والصهيونية على الأمة. أحد هؤلاء لم يتورع عن أن ينشر على موقعه الشهير على الإنترنت مقالاً لأحدهم يهاجم فوز الإخوان المصريين ويتساءل عن النبي الذي يتبعونه والذي كان مغتصباً للطفلات الصغيرات، ثم عاد وأزال المقال معتذراً عن خطأ في نظام النشر!! هذا ونفر من أصحابه لا يتورعون عن هجاء كل صورة مضيئة في الأمة، مع أنهم ينهلون من أموال دولة متهمة بتصدير الإرهاب وفكره إلى العالم العربي والإسلامي، بل إنهم يزايدون على الأمريكان أنفسهم في تبني خطابهم السياسي حيال أمتنا!! آخر يهدد الإخوان المصريين بفوزهم، معتبراً أن عليهم أن يعودوا إلى شعبهم لكأنهم كانوا خارجين عليه، من دون أن يسأل نفسه عن السبب الذي يدفع المصريين إلى انتخاب قوم يخرجون عليهم ولا ينسجمون معهم!! ما يجب أن يرد به الإسلاميون على مثل هذه الأصوات الرديئة هو المزيد من الانحياز لهموم الجماهير وبوصلتها السياسية داخلياً وخارجياً، لا أن يبدءوا في تقديم التنازلات الفكرية والسياسية طمعاً في كسب رضاها أو التخفيف من غلوائها، لأن أصحابها لن يرضوا ولن يسكتوا قبل أن تختفي المساجد، أو تتحول إلى مبان مهجورة في أقل تقدير، وقبل أن يختفي الحجاب من الشوارع، أما الإسلاميون المسيسون، فمن الأفضل أن يودعوا السجون إذا لم يتحولوا إلى مطبلين في الزفات الرسمية، وبالطبع من أجل أن يقال: أنظروا هؤلاء هم الذين وثقتم بهم ومنحتموهم أصواتكم!! لسنا نرد على طروحات هؤلاء البائسة، فهي أسخف من أن يرد عليها، لاسيما وهي تتردد منذ عقود، لكننا ننفس عن أرواحنا بعض الشيء، أو لعلنا نبحث عن بعض الأجر في إغاظة قوم لا يتورعون عن إهانة كل ما هو مقدس في أرواح الناس.