يسعى الأكاديمي الأميركي ريتشارد بوليت في كتابه المترجم إلى العربية دفاعا عن مقولة الحضارة الإسلامية المسيحية لإثبات أن تعبير الحضارة الإسلامية المسيحية يشير إلى ترابط طويل وقدري بين مجتمعين صديقين متجاورين، بينما يتقاسم المسيحيون واليهود تاريخا من التعايش المتسم بالمأساوية. وقد ضم كتاب الدكتور بوليت الأستاذ في جامعة كولومبيا والذي صدر عن دار النهار للنشر ومنشورات جامعة البلمند، أربعة فصول سبقتها مقدمة للترجمة العربية كتبها مترجم الكتاب الدكتور محمود حداد رئيس دائرة التاريخ في جامعة البلمند اللبنانية تبعها تصدير للمؤلف. حمل الفصل الأول عنوان الكتاب نفسه، في حين حمل الفصل الثاني عنوان أين الخطأ؟ وقد رد فيه المؤلف على أطروحات مؤرخ أميركي بريطاني الأصل صهيوني الهوى. وبينما تحدث الفصل الثالث عن نظريات الحداثة الغربية المختلفة، أعرب الكاتب في الفصل الرابع عن تفاؤله بدور مقبل لحركات تجمع بين الإسلام التقليدي والحداثة. ويرى بوليت أن الأساس التاريخي للفكر السائد في المجتمع المسيحي في أوروبا الغربية وليس في كل المجتمعات المسيحية في كل مكان، والفكر السائد في المجتمع المسلم في الشرق الأوسط وليس في كل المجتمعات المسلمة في كل مكان، المبني على أنهما ينتميان إلى حضارة تاريخية واحدة يذهب إلى أبعد من المعتقدات المقدسة. وأكد أن العلاقة الإسلامية المسيحية تختلف اختلافا واضحا عن العلاقة اليهودية المسيحية المستترة، إذ يتقاسم المسيحيون واليهود في الغرب الأوروبي تاريخا من التعايش المتسم بالمأساوية لا بالبناء ويصل ذروة مأساته في فظائع المحرقة اليهودية، موضحا أن التعايش بين المسلمين والمسيحيين في غرب أوروبا لم يكن في مثل هذه القسوة. وأضاف بوليت أن تعبير الحضارة الإسلامية المسيحية يشير إلى الترابط الطويل والقدري بين مجتمعين صديقين يتمتع كل منهما بالسيادة في منطقتين جغرافيتين متجاورتين ولهما مساران يوازي أحدهما الآخر.. لا نستطيع فهم المسار التاريخي المسيحي ولا الإسلامي من دون النظر إلى علاقته مع المسار الآخر، بينما للحضارة اليهودية المسيحية جذور تاريخية معينة داخل أوروبا وردات فعل لكل من الديانتين على الكوارث التي حصلت في القرنين السابقين. وفي نظرية تحمل إلى الذاكرة نظرية أنطون سعادة قبل أكثر من نصف قرن في كتابه الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، رأى بوليت أن التطورين التاريخيين للإسلام والمسيحية الغربية رغم كل ما اعتراهما من صعاب سارا بشكل متواز إلى حد أن مجتمعي المؤمنين يمكن التفكير فيهما كأنهما نسختان متشابهتان من نظام ديني اجتماعي واحد، تماما مثلما يمكن اعتبار المسيحية الأرثوذكسية والمسيحية الغربية نسختين من نظام ديني اجتماعي واحد. وبعد عرض تاريخي في هذا المجال خلص إلى أنه إذا نظرنا إلى المجتمعين كوحدة واحدة وضمن إطار تاريخي فإن العالم الإسلامي المسيحي لديه ما يجمعه أكثر مما يفرقه، فماضي الغرب ومستقبله لا يمكن فهمهما بشكل كامل دون تقدير العلاقة التوأمية التي ربطته بالإسلام طوال 14 قرنا.. والملاحظة نفسها تنطبق على العالم الإسلامي. وختم بالقول إن الحضارة الإسلامية المسيحية مفهوم نحتاجه بشدة إذا كنا سنحول يوما تراجيديا مشهودا (أي هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن) إلى لحظة تاريخية للاستيعاب والتكامل الاجتماعي والديني.