هل من لم يدخل الكتاب لا حق له في الشغل والكسب ؟! وهل من لم يحصل على شهادة عليا لا حق له في الكلام ؟! وهل من لم يكتب ويخطب لم يساهم في تحرير العباد والبلاد ؟! وهل حضن الوطن خاص بالنخب ؟! إن ثورة التحرير قارب ركبه كل المغاربة، والتجذيف كان للسواعد المفتولة. الهوية ليست مجرد وثيقة إدارية يمكن الحصول عليها بشكل أو بآخر، بل هي قلب وعقل، واجبات وحقوق، والرأي والتعبير ليس حكرا على شريحة دون أخرى، والشعور بالمواطنة لا يقاس بالشهادة والنسب، فليس كل الأسماء تدل على مسمياتها . إن أبواب المغرب يجب أن تفتح لكل المغاربة: في العيش الكريم، في التعليم النافع، في التعبير ... وفي الصعود والنزول. كل المواطنين نخب، والعدالة لا تصنف بين أفراد الشعب، نخب وغير نخب. هذا هو رمز قوة كل الشعوب ، الرمز الذي جاء به ومن أجله الإسلام قبل أربع عشر قرنا . فمنذ أن تخلت الأمة عن هذا الرمز انكسرت قوتها وستبقى كذلك ما دامت ثقافة المساواة مجرد كلام يتأبطه أبطال من دخان ليحتلوا مراكز نخبوية فوق السواعد المفتولة . القوة والمناعة ليست في كنا وكان .. ليست في الأبراج والأطلال الرملية .. ليست في التضليل والتخدير والترهيب، بل قوة الشعب في قوة كرامته المحصنة بقوة علمه وثقافته وتكوينه الصحيح واقتصاده العتيد وعيشه الرغيد، والتي تكتسب بقوة الإيمان بالثوابت والمرجعيات الدينية والنظامية الخالدة، لأن في الثوابت تكمن العدالة المنتج القوي الحقيقي لكرامة المواطن القادرة على منحه مناعة تقيه ووطنه من العواصف العاتية شرقية كانت أم غربية . أما اللهث وراء الأقوياء الذين من لا ثوابت لهم للعق ملذات ملغمة هو وخز بإبر سامة تشل كل الأطراف فيموت البدن موتا بطيئا ويندثر في مزابل التاريخ . فنتمنى أن تكون الذكرى الذهبية للاستقلال ثورة على مغرب النخب ليحتضن الوطن كل مواطنيه ويمنحهم الكرامة فيعود المغرب لكل المغاربة كما كان قبل وإبان حرب التحرير والوحدة، لا استثناء فيه لأحد، وتتجمع السواعد في كتلة واحدة مهما اختلفت المواقع والمشارب تحارب الفقر والتخلف بسلاح العدالة والمساواة وحب الوطن بثوابته تحت سلطة القانون بعيدا عن سلطة المنصب والنسب والنفاق السياسي ليعم الأمن والأمان، فترافقنا السعادة في حياتنا والطمأنينة في مماتنا.. فالأشخاص ذاهبون والأوطان باقية، فمهما تعملق الإنسان من حلال أو من حرام فهو فان لا ذكرى له إلا من نقش إسمه على القلوب بأحرف من نور.