"التجديد" تنشر آخر حوار للشهيد أحمد ياسين أدلى به لقناة العربية ساعات قبل استشهاده:الكيان الصهيوني لا يحتاج إلى تبريرات لتقتيل الشعب الفلسطيني
بين يدي الحوار يشكل استشهاد شيخ المقاومة الزعيم أحمد ياسين منعطفا نوعيا في مسار المقاومة الفلسطينة بأبعاده المختلفة: المحلية والعالمية. وإذا كان فقدانه قد خلف حزنا عميقا في نفوس المسلمين عامة، فإن حركة حماس وكما كان يقول الشيخ الشهيد دائما قادرة على إبداع العشرات من نماذج أحمد ياسين، بمنهجه وفكره الجهادي المقاوم، الذي يرفض الخنوع والاستسلام. وفي هذا الحوار الذي أجرته معه قناة العربية الفضائية ساعات قبيل استشهاده، يبدو الشيخ الشهيد وكأنه يكتب وصيته الأخيرة للشعب الفلسطيني، وللشعب المسلم، وللشعوب الحرة عبر العالم. وفي هذا الحوار / الوصية، 5يرسخ الشيخ المبادئ والأسس التي ارتكزت وترتكز وسترتكز عليها المقاومة الفلسطينية حتى التحرير إن شاء الله، ويؤكد أن المقاومة تتحرك على أرض فلسطين المباركة فقط، وليس لها أي امتداد خارج فلسطين، وأن علاقتها بباقي الحركات الإسلامية عبر العالم هي علاقة أخوة ودعم، يوجبها هذا الدين العظيم الذي يربط بين الجميع. ويوضح الشيخ الشهيد أيضا أن المسلمين في جميع بقاع الأرض ملزمون بدعم المقاومة بشتى الوسائل الممكنة، وأشار في السياق ذاته إلى أنه لا يجب على المسلمين أن يقفوا موقف المتفرج على ما يحدث في فلسطينالمحتلة من مجازر. ولم ينس الشيخ العظيم العراق والمحن التي يمر بها، فيؤكد أن المقاومة العراقية ستنتصر بإذن الله، مضيفا أن عمليات التفجير التي تستهدف المواطنين العراقيين هي عمليات مشبوهة، وغير مستبعد أن يكون الصهاينة والأمريكيون وراءها. وفي الأخير، يعطي الشيخ المقعد الشهيد درسا آخر للمطبعين والمتخاذلين والمستسلمين حين يؤكد الحقيقة الناصعة الحتمية، وهي أن فلسطين ستعود حرة مهما طال الزمن، ومهما تكالب الأعداء عليها. لقد غاب أحمد ياسين عنا بجسده، لكنه سيبقى حاضرا في نفوس جميع المسلمين، أطفالا وشبانا وشيوخا ونساء، وسيبقى شعلة متوقدة في قلوبنا حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين بإذن الله.. وفي ما يلي نص الحوار، ولنصغ جميعا إلى شيخ المقاومة، الشهيد أحمد ياسين:
إذا بدأنا شيخنا الفاضل من عملية أشدود الأخيرة، يقال إنها شكلت مبررا لشن مزيد من الهجمات على الفلسطينيين؟ إن الحقيقة الساطعة أمامنا هي أن الكيان الصهيوني لا يحتاج إلى مبررات لقتل الشعب الفلسطيني وتشريده، وسفك دم البرآء من أطفاله وشيوخه ونسائه. ولنرجع إلى ما قبل عملية أشدود بأيام قليلة فقط.. كم من هجوم تعرضت له مدن غزة المختلفة، وكم من عملية تعرضت لها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البريج، ورفح، وخان يونس، وجميع بلدات وقرى فلسطين الأخرى.. ولا أظن أن الأمة نسيت ما وقع في الماضي وما وقع في جنين مثلا.. إذن العدو الصهيوني لا يحتاج إلى أي تبرير لممارسة جرائمه في حق الشعب الفلسطيني، وعلى كل حال فالصهاينة أناس يعيشون على القتل، وهذا صار معروفا للقاصي والداني..
فضيلة الشيخ، نود أن نعرف رأيكم بخصوص ما يروج الآن من كلام حول احتمال انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وهل تغير شيء في خطة حماس التي أعلنتها لما بعد الانسحاب؟ نحن ندفع العدو الصهيوني لأن يتخلى عن احتلاله لجميع أراضي فلسطينالمحتلة، وهذا أمر أولي يجب أن نؤكد عليه. ثانيا، إذا قرر العدو أن ينسحب انسحابا كاملا من قطاع غزة، فنحن نظن أنها خطوة أولى في اتجاه الطريق الصحيح، حتى يعيش الشعب الفلسطيني في الحرية التي طالما تمناها وناضل من أجلها، ودفع ثمنا باهضا من أبنائه وقادته لأجل تنسم عبقها. ونحن في حماس كنا قد أعددنا خطة واضحة المعالم أسميناها ميثاق الشرف الفلسطيني يجمع عليه الشعب الفلسطيني وكافة فصائله، بمجرد ما بدأت الأنباء تتوارد بخصوص خطة الانسحاب المتوقعة. وتحدد هذه الخطة الإجراءات والخطوات التي يجب اتباعها في حالة انسحاب العدو من قطاع غزة، وذلك حتى يسود الأمن والأمان في القطاع بشكل كامل.
لاحظنا في الآونة الأخيرة تحركات مصرية مكثفة في غزة، والتقى مدير المخابرات المصرية عمر سليمان بالعديد من الفعاليات الفلسطينية. ابتداء هل التقى أي وفد عن حماس بعمر سليمان؟ لا، لم يلتق عمر سليمان بأي فرد من حماس".
وهل لديكم أي معلومات حول مضمون تلك اللقاءات؟ بداية نحن لم نتقدم بأي طلب للسلطات المصرية لكي تعقد هذه اللقاءات مع فصائل الشعب الفلسطيني. وأعتقد أن المصريين يلعبون دور الوسيط بين العدو الإسرائيلي وبين السلطة الفلسطينية. ونحن نأمل أن يكون الأشقاء في مصر إلى جانبنا، وأن يبتعدوا عن لعب دور الوسيط المحايد، فهذا مجرد وهم غير حقيقي للأسف، ففلسطين ليست للفلسطينيين فقط، بل هي أرض إسلامية وجب على الجميع الدفاع عنها. أما في ما يخص ما رشح عن تلك اللقاءات، فهو أن مصر تحاول ضمان أمن حدودها، كما تحاول ضمان مستقبل غزة بعد أي انسحاب محتمل وعدم نشوء أي صراع داخلي.
لكن فضيلة الشيخ، رشح أيضا أن المسؤولين المصريين يخططون لأداء دور أمني داخل أراضي غزة. وإذا تم الانسحاب فهذا يعني بالضرورة أنه تم عقد اتفاقات تم بموجبها هذا الانسحاب. كيف سيكون موقفكم حينئذ من هذه الاتفاقات؟ إن الحديث عن دور مصري مباشر يرتبط بمجال الأمن في غزة هو حديث غير واقعي، وحديث بعيد عن الحقيقة. وأنا أؤكد أن الشعب الفلسطيني قادر على حفظ نفسه بنفسه، وقادر على تدبير شؤون بلاد دفع آلاف الشهداء والجرحى والمعطوبين لأجل تحريريها. أما مساعدات المصريين لنا، والمفروض أن يقدموها لهذا الشعب المجاهد، فهو أمر نحبذه، وسيكون إجراء رائعا من طرف الأشقاء المصريين.
لكن في حالة ما إذا تم سيناريو الانسحاب كما يتوقع الجميع، وطلب منكم وقف المقاومة، كيف سيكون ردكم في هذه الحالة؟ في الواقع يجب أن يكون أي طلب من حماس في حدود المعقول، وفي حدود ما يمكن استيعابه وتصوره. فالعدو الصهيوني يطالبنا نحن بوقف المقاومة. فلماذا لا يطالبه العالم بوقف احتلاله، ووقف ممارساته الوحشية التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني. ومن الأولى أن يوقف: الذي يدافع عن نفسه، أم الذي يهاجم ويشرد ويدمر؟.. إن وقف المقاومة يعني بكل بساطة الاستسلام والهزيمة.. لكن إذا زال الاحتلال فالمقاومة تتوقف تلقائيا..
إذا انتقلنا إلى موضوع آخر فضيلة الشيخ، وتحدثنا عن بعض الاشتباكات التي تقع بين بعض المجاهدين، وبعض عناصر الشرطة الفلسطينية.. وهي مشكلة تؤرق كثيرا المهتمين بالشأن الفلسطيني سواء كان داخل فلسطين أو خارجها.. هل هذا يعني أنه سيكون هناك صراع داخلي إذا تم الانسحاب من غزة؟ كيف تفسرون هذا الأمر الشيخ أحمد ياسين؟ أولا نحن أعلنا دائما، ونعلن أننا بنينا منهجنا الخالد على أساس نبذ أي صراع أو نزاع يقوم بين فصائل السلطة الفلسطينية، مهما كانت الأسباب. أما بخصوص بعض المشاكل التي تحدث بين الفينة والأخرى فهي تكون نتيجة خلل داخل عناصر السلطة الفلسطينية ذاتها. فهل يعقل أن تسعى عناصر الأمن الفلسطيني إلى تعريض حياة المجاهدين للخطر عبر إلزامهم بالكشف الشامل لستائر سياراتهم، ومعلوم أن هؤلاء المجاهدين يتخذون ستائر لنوافذ وسائل تنقلهم حتى لا يتعرف عليهم العملاء، وتفشل بالتالي محاولات اغتيالهم.. نحن كنا دائما مع تطبيق قوانين السلطة، لكن ليس مع القوانين التي تعرض حياة المجاهدين للخطر.. وهذا ما يخلق مشاكل مع عناصر الشرطة الفلسطينية. إن تعريض حياة المقاومين لصواريخ العدو أمر لا يقبله عقل أو دين.
لكن السؤال الذي يطرح هنا، هو: هل هناك احتمالات لأن تتطور هذه المشاكل إلى مستويات مقلقة، قد تهدد لا قدر الله الوحدة الفلسطينية؟ لا أبدا، نحن نعتبر أن هذه المشاكل التي وقعت، هي مشاكل فردية، ولا تشكل بأي حال من الأحوال عناصر ظاهرة بدأت تظهر في الشارع الفلسطيني..
إذا انتقلنا يا فضيلة الشيخ إلى الساحة الإسرائيلية.. تعرف أن هناك حزبا جديدا نشأ بعد انصهار كتلة حزب ميريتز اليساري مع المتعاطفين والمؤيدين لوزير العدل السابق يوسي بيلين. وفكرة هذا الحزب تقوم أساسا على وثيقة جنيف. هل ترون داخل حماس أي فرق بين هذا الحزب الإسرائيلي الجديد وبين الأحزاب الأخرى؟ بداية يجب على كل المسلمين أن يعلموا أن كل الإسرائيليين يعملون لتحقيق المصلحة الصهيونية رغم اختلاف ألوانهم وتشكيلاتهم وتوجهاتهم السياسية. من هذا المنطلق، فكل الأحزاب الإسرائيلية ومنها هذا الحزب الذي تتحدث عنه تعمل لحساب إسرائيل، لكنها تختلف فقط في الوسائل التي تحقق لهم هذا الهدف الخالد: خدمة إسرائيل، والحفاظ على وجودها. أما في ما يرتبط بوثيقة جنيف فأنا أؤكد دون الدخول في التفاصيل أنها وثيقة ظالمة، حرمت الكثيرين من الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة. فعلى سبيل المثال هناك حوالي خمسة ملايين فلسطيني في الشتات. وأن تأتي وثيقة ما وتشطب حقهم في العودة إلى وطنهم فهذه كارثة بكل المقاييس، ولا أحد من حقه أن يفعل ذلك.
وفي ما يتعلق بالشرق الأوسط الكبير الذي حاولت الإدارة الأمريكية الترويج له؟ إن كل المبادرات التي تطرح على الساحة الفلسطينية هي مبادرات تهدف إلى النزول بسقف المطالب الفلسطينية إلى أدنى مستوى ممكن. وهي مبادرات لا تحقق سوى الأهداف الصهيونية والأمريكية، ولا تمنح أي شيء للعرب والمسلمين. إن هذه المبادرات هي محاولات لجس نبض الفلسطينيين خاصة، والمسلمين عامة، ومعرفة إلى أي مدى هم مستعدون للتنازل..
إذا تحدثنا عن مستقبل المقاومة الفلسطينية، يشاع الآن أنها تعاني من شح في السلاح وسط هذا الحصار الصهيوني العربي الشامل. ما حقيقة هذه الإشاعات؟ أولا نحن بدون شك محتاجون إلى سلاح لكي نقاوم، وهذا واجب الأمة العربية والإسلامية. والمقاومة تتدبر أمر سلاحها بطرق مختلفة ومتنوعة، لكن على الأمة جمعاء أن تدعمها، وأن تقدم لها جميع المساعدات الممكنة، وتبرئ ذمتها أمام الله بخصوص هذا الموضوع.
الآن في ما يخص الملف العراقي، كيف تنظرون إلى عمليات التفجيرات التي وقعت في الفترة الأخيرة، وذهب ضحيتها عشرات العراقيين، هل تصنفون هذه العمليات في خانة المقاومة أم في خانة الإرهاب؟ إن أي احتلال كيفما كان يحاول دائما أن يحسن صورته أمام الناس، مقابل تشويهه لسمعة المقاومة وصورتها أمام الشعوب المحتلة. فعندنا هنا مثلا، يظهر الصهاينة المقاومة في صورة المنحرفين الذين يهددون مصالح الفلسطينيين أنفسهم، بحيث إن العدو بعد كل محاولة يهدم ويقتل ويشرد، ويقول إنه لولا العمليات الاستشهادية لعاش الشعب الفلسطيني آمنا.. وهذا كذب وافتراء، وما يفعله الصهاينة كل يوم يدل على ذلك.. وأعتقد أن الاحتلال الأمريكي يفعل الدور ذاته، ويحاول أن يوجد تناقضات داخل الشارع العراقي لكي يحقق مصالحه هو، وليس مصالح العراقيين. وأنا لا أستبعد أن يكون الاحتلال الأمريكي، ومعه الاحتلال الصهيوني وراء عمليات التفجير تلك التي استهدفت وحدة الشعب العراقي نفسه، من خلال إحداث الصراع بين السنة والشيعة والأكراد. لذلك، فكل عمل يخرج عن أسلوب المقاومة هو عمل مشبوه، يجب التحفظ عليه، ويجب وضع سطر أحمر واضح تحته.
الشيخ أحمد ياسين، هناك من يتحدث عن امتداد ل حماس داخل العراق، هل هذا صحيح؟ في الواقع نحن أعلنا سابقا، ونعلن الآن أننا لا نعمل إلا على أرض فلسطين.. ونحن ندعم المقاومة العراقية ونثمن أداءها لأن نجاحها يخدم القضية الفلسطينية، لكون العدو هو نفسه في البلدين معا.
وما هو نوع العلاقة التي تربط حماس بالحركات الإسلامية خارج فلسطين؟ نحن نعمل على بناء علاقات حسنة مع الجميع، لأجل خدمة القضية الفلسطينية، ونحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لأي تنظيم منهم.
بما في ذلك تنظيم القاعدة؟ لا يوجد أي شيء مع القاعدة أو غيرها، نحن نقاوم على أرض فلسطين، ونحن نتعاون مع الحركات الإسلامية على هذا الأساس.
وما رأيكم في الضغوط التي تمارس على سورية لكي تكف عن دعم حزب الله، وتطرد المقاومة الفلسطينية من على أراضيها.. ما هو مستقبل المقاومة في حالة ما إذا نجحت تلك الضغوط، على اعتبار أن مقرات عديدة لبعض فصائل المقاومة تستقر على الأراضي السورية؟ بداية، يجب التنويه بموقف سورية الصامد في وجه الضغوط الرهيبة التي مورست وتمارس عليها.. وهي ضغوطات قديمة وليست جديدة بالمناسبة. ثانيا، لقد طردت المقاومة من الأردن، لكن الآن نرى والحمد لله أنها مستمرة في أداء دورها بعد أن حوصرت في الأردن. إن الوطن العربي الإسلامي كله حضن لحماس، ولن يضيق بها هذا الوطن يوما، ومهما حوصرت أو هوجمت بعض البلدان الإسلامية التي تحتضن بعض فصائل المقاومة، فكل البلدان الإسلامية الأخرى ستستقبل حماس، وستدعمها بكل الوسائل الممكنة. هذا ونعلن أننا نرفض أن يخضع أي نظام عربي للضغوط الصهيونية الأمريكية، مهما كانت شراسة ووحشية تلك الضغوط.. والمفروض أن يقع العكس، وأن يلتف جميع المسلمين لدعم بعضهم بعضا، ودعم المقاومة الفلسطينية الباسلة، ولا يقفوا متفرجين أمام ما يحدث لها.
وما رأيكم في المركز التكنولوجي الصهيوني الأردني الذي أنشئ على الحدود، ألا يعد هذا المركز خطرا على المقاومة داخل الأراضي المحتلة؟ نحن نقدر العلم، وندعو له. لكننا نرفض أن يكون العلم وسيلة للتطبيع مع العدو الصهيوني، ونرفض أن يكون وسيلة لتدمير القوة العربية الإسلامية.. وصاحب هذا المشروع كما تعلمون هو مليونير يهودي لن يخدم أبدا القضية العربية الإسلامية، بل هو يريد أن يخدم إسرائيل عبر صنع نخبة مطبعة، مغسولة الدماغ، وهذا ما لن يحدث أبدا بإذن الله تعالى..
هناك معلومات تشير إلى أن السلطات الأردنية مستعدة لمنح جوازات سفر للاجئين الفلسطينيين على أراضيها، مقابل إسقاطهم مطالبهم بحق العودة.. كيف تعلقون على هذا الأمر؟ إن توطين اللاجئين هي قضية قديمة. ونحن عام 1955 عرض علينا التوطين في سيناء، ورفضت غزة ذلك، وعمت المظاهرات الصاخبة الشوارع رفضا لهذه المخططات الخبيثة. إن فلسطين وطن غال لا يباع ولا يشترى.. وسيعود حرا كما كان مهما طال الزمن.. أعده للنشر: أحمد حموش