تصدع جديد لصف الأغلبية تكشف عنه مناقشات قانون المالية 2005 فرق الأغلبية تطلق الرصاص على بعضها البعض شكلت مناقشات مشروع قانون المالية 2004 داخل أروقة مجلس النواب محطة أخرى كشفت تصدع صف فرق الأغلبية، المشكلة للحكومة الحالية، وأبانت عن غياب الانسجام بين مكونات هذا الصف. فبعد محطة تجديد المكتب المسير للمجلس خلال السنة التشريعية الحالية، التي استدعت تحكيم الوزير الأول لفض النزاع الذي أشعل فتيله فريق اتحاد الحركات الشعبية عندما طالب بضرورة أن يتمتع بمنصبين لخلافة رئيس المجلس، بالنظر إلى العدد الكبير للنواب الذين أصبح يضمهم، في مقابل رفض الفريق الاشتراكي للمطلب الحركي، بعد هذا جاءت محطة مشروع قانون المالية، الذي نوقش في جلسة عامة يوم أول أمس الأربعاء وأمس الخميس، لتعيد صراع المصالح بين مكونات الأغلبية إلى الواجهة، لكن هذه المرة بطريقة متسترة لعبت فيها تدخلات الفرق المذكورة، برسم مناقسة المشروع في جلستي الأربعاء المنصرم دورا مهما. فقد راحت جل فرق الأغلبية تطلق النارعلى بعضها البعض. فريق اتحادات الحركات الشعبية ينتقد الاتحاديين انتقد فريق اتحادات الحركات الشعبية بشدة أداء القطاعات التي يسيرها وزراء اتحاديون أو استقلاليون أو من التجمع الوطني للأحرار، فيما دافع عن قطاعات الطاقة والمعادن والتجارة الخارجية والفلاحة، التي يشرف على تدبيرها وزراء من العائلة الحركية. النائب الحسناوي، رئيس الفريق الحركي في مداخلته، طالب بضرورة البحث على مكامن الخلل في الجوانب التي لم تحقق فيها الحكومة المبتغى المأمول، وذكر في هذا السياق أن تحسن ميزان الأداءات، بفضل تحويلات العمال المغاربة المهاجرين بالخارج، لم يقابله اعتناء كبير من لدن الحكومة بفئة المهاجرين،وهو بهذا يوجه اللوم بالتحديد إلى الوزارة المكلفة بالجالية المغربية، التي توجد على رأسها نزهة الشقروني عن حزب الاتحاد الاشتراكي. كما وجه الحسناوي انتقاداته نحو قطاع تأهيل الاقتصاد، الذي يشرف عليه الطالبي العلمي، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وقال في هذا الإطار: «نسجل ما تقوم به الحكومة من جهود لتأهيل المقاولة... غير أننا نقر بأن الآليات المعتمدة في هذا الإطار لم تساهم بالشكل المطلوب في تأهيل المقاولة المغربية». وفتح الحسناوي النار على قطاع التعليم، الذي يسيره الحبيب المالكي عن الاتحاد الاشتراكي، وأشار في هذا السياق إلى أن الحصيلة المسجلة في قطاع التعليم حتى الآن «لا تعكس تماما حجم الانفاق الذي يخص بها هذا القطاع الذي يلتهم قرابة 26% من الميزانية». الحسناوي لم يترك قطاعا، دون القطاعات التي يسيرها وزراء أحزاب العائلة الحركية، إلا ووجه له انتقادات. وهكذا اعتبر أن المجهودات المبذولة لفك العزلة على العالم القروي تظل دون المستوى المطلوب من حيث التجهيزات الأساسية، والتعليم والصناعة إلخ، وقال في سياق ذلك «لا نظن أن تدابير من قبيل ما أتى به مشروع الميزانية كفيل بفك هذه العزلة وإزالة طوق الحرمان» الذي تعاني منه الساكنة القروية. انتقادات الحركيين لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى قطاع التشغيل، الذي يسير مصطفى المنصوري عن حزب التجمع الوطني للأحرار، فقد أكد الحسناوي أن البرنامج المقترح من لدن الحكومة لإنعاش التشغيل لن يكون له أثر كبير على امتصاص جيوش البطالة، وقال في هذا الإطار: «يمكن القول وبكل موضوعية، وبعيدا عن كل تهويل أو ديماغوجية إن الحكومة تعتمد نفس البدائل في التخفيف من آفة البطالة بدون أن يكون لها أي أثر يذكر» إذ يتطلب الأمر يضيف الحسناوي إجراءات أكثر جرأة تحمل في كنهها بوارد الخلق والإبداع». بالإضافة إلى ذلك انتقد الفريق أداء قطاع الإسكان والصحة. وفي مقابل هذه الانتقادات اللاذعة، انتصر الحسناوي للوزراء الحركيين، وطالب في هذا السياق بدعم ميزانيات قطاعات الطاقة والمعادن والتجارة والفلاحة، وأعلن أن «الاعتمادات المخصصة لهذه القطاعات لم تكن في حجم طموحاتها وأهدافها». الفريق الاشتراكي يطلق النار على الحركيين بعدما أثنى النائب حريري، في مداخلة له باسم الفريق الاشتراكي، على المجهودات التي بذلت في صياغة مشروع قانون المالية ,2005 وبعدما ردد أسطوانة وزير المالية فتح الله ولعلو عما سماه إيجابيات المشروع وأهدافه الطموحة، صوب رصاصته بالتحديد نحو القطاعات التي تسيرها أحزاب العائلة الحركية، وجاء في مداخلته أن «بعض القطاعات الحيوية بالنسبة للاقتصاد المغربي مازالت لحد الآن لا تتوفر على رؤية واضحة لمستقبلها، مما يشكل تهديدا لمستقبل الاقتصاد المغربي»، و»من أهم هذه القطاعات، يضيف حريري، القطاع الفلاحي وقطاع الصيد البحري وقطاع إنتاج الطاقة، وذلك برغم الموارد الهامة والإمكانات التي تزخر بها هذه القطاعات». كما هاجم حريري بعض القطاعات التي يشرف عليها حزب التجمع الوطني للأحرار، ومن ذلك إثارته انتباه الحكومة إلى «التأخر الحاصل في تفعيل مقتضيات قانون المنافسة»، هذا القانون الذي يظل من مهام رشيد الطالبي العلمي، المنتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان يشرف من قبل على وزارة الصناعة والتجارة، والذي يشرف الآن على وزارة الشؤون الاقتصادية والعامة حاليا، أضف إلى ذلك دعوته إلى تبني مقاربة جديدة لمحاربة القطاع غير المهيكل، تقطع مع السياسة القديمة. انتقادات الاتحاديين شملت أداء قطاع التجهيز، الذي يسيره كريم غلاب عن حزب الاستقلال، وقال حريري في هذا الاتجاه إن «ميزانية 2005 تخصص قرابة 8 ملايير درهم لقطاع إنتاج ونقل المياه، جزء منهم من هذه الميزانية مخصص لبناء واستكمال سدود جديدة، لكن عددا من الدراسات الوطنية والدولية، يضيف حريري، التي تم إنجازها أخيرا تؤكد أن المغرب يجب أن يوجه موارده بالأولوية إلى صيانة وإصلاح المنشآت الموجودة، وتوفير تجهيزات الري التي تمكن من استغلال المياه المخزونة في العديد من السدود». وتساءل حريري عن إعادة النظر في تحديد الأولويات، والاعتمادات بشأن قطاع التجهيزات الكبرى. عواد في مواجهة وزير المالية والخوصصة اختار الفريق الاستقلالي من جهته أن يهاجم معظم القطاعات الحكومية، وفي مقدمتها قطاع المالية والخوصصة، الذي يشرف عليه فتح الله ولعلو عن الاتحاد الاشتراكي. وهكذا نبه النائب عبد الحميد عواد، في مداخلته باسم الفريق، على أن مشروع قانون المالية 2005 أعد خارج سياق مخطط اقتصادي واجتماعي جديد بعد انتهاء العمل بمخطط 2000 ,2004 وأكد عواد أن الحكومة لم تلتزم بما يشير إليه الدستور في هذا الباب. كما نبه عواد على عدم التزام الحكومة بمواد الدستور التي تتضمن الدعوة إلى عقد المجلس الوطني للإنعاش الاقتصادي، وقال في هذا الإطار «إنه كان على الحكومة أن تعقد المجلس في يوليوز 2003 للوقوف على ما نفذ في سنة ,2002 وفي يوليوز 2004 للوقوف على ما تم إنجازه في سنة ,2003 وانتقد عواد التأخر الذي حصل في تحضير مشروع قانون المالية، ورأى أن معطى الإحصاء العام ,2004 الذي تذرعت به الحكومة لتبرير هذا التأخر، يظل مبررا غير مقبول. وعاب عواد على الحكومة عدم تحركها بالجدية اللازمة لمواجهة مقترفي الفساد المالي والجرائم الاقتصادية، وذكر في سياق ذلك ملفات البنك الوطني للإنماء الاقتصادي والقرض العقاري والسياحي وصندوق الضمان الاجتماعي. ولفت عواد الانتباه إلى فتور المحاكمات القضائية بشأن ملف الرقابة على المال العام. وانتقد أداء وزارة المالية بشأن تدبير ملف الخوصصة، وذكّر في هذا الصدد بالاقتراح الذي كان قد تقدم به الفريق الاستقلالي، والقاضي بتحويل اعتمادات الخوصصة كاملة نحو الاستثمار، كما حذر من أن تستبدل الوزارة المديونية الخارجية باللجوء إلى المديونية الداخلية. وفي ارتباط بتدبير ملف الخوصصة، نبه عبد الحميد عواد على أن العجز المعلن عنه من لدن وزارة المالية يظل غير حقيقي، وأكد في هذا الاتجاه أن العجز الحقيقي دون احتساب مداخيل الخوصصة سيصل إلى 9,5 بالمائة، بدل 2,3 المشار إليها في المشروع الجديد، ناهيك عن دعوته أي عواد وزارة المالية إلى التمييز بين معدل النمو الافتراضي ومعدل النمو المتوقع، انتقادات عواد همت أيضا قطاعات إنعاش الاقتصاد والطاقة، التي يسيرها وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار واتحاد الحركات الشعبية. التجمع الوطني للأحرار يذكر ولعلو بسنوات المعارضة فريق التجمع الوطني للأحرار دعا هو الآخر الحكومة إلى تبني مخططات قطاعية ومجالية تتأسس على منطلقات وأهداف واضحة وقابلة للإنجاز، وأكد الفريق، من خلال مداخلة تلاها باسمه النائب محمد عبو، أن المنظمات الاقتصادية والدولية، تبني علاقاتها مع الدول على أساس مخططاتها المتوسطة وبعيدة الأمد، وأضاف عبو قائلا: «إن لم تضع هذه الدول مخططاتها، فإن تلك المنظمات ستضعها نيابة عنها». ويظهر جليا أن انتقادات عبو تتوجه بالأساس إلى وزير المالية بدرجة أولى، ثم المندوبية السامية للتخطيط بدرجة ثانية. ووجه عبو في سياق ذلك انتقادا مباشرا إلى وزير المالية والخوصصة فتح الله ولعلو، فقال: «نريد منكم السيد الوزير أن تهتموا بمسألة مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تقييما واستشرافا». وسجل عبو ملاحظات قوية بشأن تدبير ملف التقاعد، وقال في هذا الاتجاه «إن التحملات المالية الهامة ذات الصبغة الاجتماعية يجب أن تندرج في إطار منظور ومسلسل إصلاحي» يرتكز بالأساس على ضمان التوازن المالي للصناديق وتحسين تدبير احتياطاتها المالية. ولم يكتف فريق التجمع الوطني للأحرار بهذه الانتقادات، بل أكد أن الميزانية أضحت نمطية وتكاد تعيد نفسها، وأنها ماتزال تعتمد على مداخيل الخوصصة، بالإضافة إلى ارتهانها إلى ارتفاع الاقتراض الداخلي ونفقات الدين العمومي. وتساءل الفريق عما إذا كان الميزانية الحالية ميزانية إرادية بالفعل كما أشار إلى ذلك وزير المالية في عرضه التقديمي للمشروع، وقال عبو في هذا الصدد: «نعتقد أنه حان الوقت للتعامل بمرونة مع التوازنات الماكرواقتصادية، وتبني سياسة إرادية فعلا، وتوسعية فعلا، وطموحة فعلا، من شأنها الرفع من حجم النفقات العمومية الموجهة للاستثمار». ومن الالتفاتات الطريفة لفريق التجمع تذكيره وزير المالية بما كان قد يدلى به عندما كان برلمانيا، وجاء في مداخلة عبو: «من المفيد التذكير بمطالبتكم القوية والمستمرة للحكومة، عندما كنتم نائبا برلمانيا بهذه المؤسسة، الداعية إلى عدم التضحية بالتوازنات الاجتماعية والاقتصادية من أجل الحفاظ على التوازنات المالية». خلاصة إننا بمقالتنا هذه لا نروم حرمان فرق الأغلبية من حريتها في مناقشة مشروع قانون المالية، فذلك من جنس عملها باعتبارها جزء من المؤسسة التشريعية التي تراقب عمل الحكومة، ولكن ما نلفت إليه الانتباه هو أن الانتقاد الصحيح هو الذي يشمل جميع القطاعات دون استثناء ودون انتقائية، وليس الانتقاد الذي يذكر أهل الدار بخير ويسوم الجيران بسوء. فالملاحظ أن كل فريق هاجم أداء القطاعات التي يسيرها الوزارء المنتمون إلى الفرق الأخرى، فيما غض الطرف عن سلبيات القطاعات التي يسيرها الوزراء الذين ينتمون إلى حزبه. والتوجه الصائب الذي يليق بالفرق البرلمانية المشكلة للمؤسسة التشريعية هو الوقوف على الإيجابيات والسلبيات التي تعرفها جميع القطاعات الحكومية دعما لأدائها. محمد أفزاز