من منا لا يذكر بدرا وفرحتها، وفتح مكة وعزتها، وحطين وفتوحها، والأندلس ورجالها... انتصارات عزنا الله بها، ورفع قدرنا بين الأمم باسمها، فنقشنا أسماءها على جبيننا وصرنا نفخر بذكرها، حتى نسينا الطريق إليها... جرح فلسطين الدامي، ومحنة العراق التي تبكي، وانكسارات أفغانستان التي تشتكي، وأحزان الشيشان التي نرثي.. لقد انتشر فيروس الذل والضعف والتفرقة القاتلة في عروقنا، وصرنا لا نبتسم ضحكا إلا حياء بين الأمم الأخرى، فأذلنا الله لما خذلنا طريقه، و سخط علينا لما حذنا عن منهجه، و رغم سوء حالنا فعندنا حبل النجاة الذي إن تمسكنا به عدنا إلى منصة الشرف، وأنشدنا نشيدنا والراية ترفرف... قبل حوالي ثلاث سنوات اشتريت كتابا من سلسلة الهداية للأستاذ عمرو خالد تحت عنوان من روائع حضارتنا، يتكلم فيه عن مزايا الحضارة الإسلامية الخالدة في ميادين مختلفة، فتحدث عن المساواة. وذكر العديد من الأمثلة والأدلة الشاهدة عليها. تحت لواء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى). وتطرق أيضا إلى التسامح الديني الذي عاشه المسلمون في الأندلس وصقلية ومصر وإيران وأوربا الشرقية، حيث رفعنا راية كتب عليها بحروف مرصعة في كتب التاريخ: نحن المسلمون إن حكمنا العالم... كنا رحماء ...كنا شرفاء... كنا عظماء... و تحدث عن القوة الاقتصادية للمسلمين في عهد عمر بن عبد العزيز الذي نثر القمح في الصحراء، حتى يأكل الطير من خير المسلمين، و في ذلك رسالة إلى الأممالغربية التي تدمر فائض الإنتاج من الحبوب و القمح وغيرها كي تحفظ الأسعار، و ترفع القيمة المادية و تحط من القيمة الأخلاقية. و تناول الجانب الأخلاقي في الحرب، و تحدث عن الرفق بالحيوان الذي سبق وأن سكن ببيوتنا قبل أن يرتحل إلى الحي الغربي من العالم. وتحدث عن التوازن المطلوب فلا انغماس في الشهوات ولا ترك للعبادات، ولا انقطاع عن الله ولا ترك للسعي لتحصيل الرزق... وختم كتابه بمفخرة الوحدة الاسلامية التي تميز بها مجتمعنا، في وحدة الرأي و الفكر والمنهج و العقيدة والشريعة والاخلاق والترابط الأسري والأداء الجماعي للعبادات و صلة الأرحام. فما أروعها من حضارة انحدرت من نبع النبوة الصافي ووحي الكتاب الهادي و تمر الأيام ليطلق نفس المؤلف برنامجا تحت عنوان: صناع الحياة الذي يعد ثورة شبابية على مشكلة الأمية المتفاقمة، والبطالة التي تعيق الآن التقدم الاقتصادي في الوطن الاسلامي، و يعبر عن استنكاره لما أصاب المسلمين من تفرقة و حروب و تناحر، لقد عبر عن امتعاضه من واقع الفقر و الجوع والتلوث و ضياع الأخلاق، ومجون الشباب و ضلالة الإعلام و سوء استخدام التكنولوجيا، و استغلال المرأة كسلعة تجارية، و غياب العمل التطوعي، و شيخوخة الأعمال الجمعوية، وانتشار الأمراض نتيجة لسلوكيات خاطئة كالتدخين و المخدرات، وهجران بيوت الله وتعاليم دين الله. فالناظر لقصة هذا المشروع يلحظ أن الرجل يدعو الشباب للتعلق بأمجاد الأمة،ويرسم حضارة مستقبلية تقوم على خطى الحضارة السالفة، من خلال خطة أبانت عن نجاحاتها في كل محطاتها... فتحاليل هذه الظاهرة تؤكد أن فلسطين عن قريب تشفى والعراق سينجبر، و تبستم أفغانستان و تضحك الشيشان،وتموت البطالة والأمية والفقر، وينتهي عصر التفرقة، و يأتي عصر النهضة. فهل هذه التباشير تعيد البسمة إلى شمال افريقيا و تعز الجزيرة و ما حولها و تكون محطة لانطلاق نهضة أمتنا. أم هي مجرد أحلام وردية جميلة. قد يشكل الاستيقاظ منها كارثة أخرى،وفاجعة على شباب هذه الأمة الطموح الذي قد ينجح فيكون أو يفشل فلا يكون... فبين آفاق مشرقة قد تحتاج إلى معجزة لتحقيقها،وبين مشاكل قد لا تنفع معها عصا موسى لتغيرها،يظل قلمي يخط لكم من أنباء هؤلاء ما قد حصل من نجاح أو فشل، وما يخالجهم، فما أنا إلا مراسل من الأرض الثكلى إلى الشباب المحمدي: انهضوا بنا أنتم أملنا... أنتم مستقبلنا...وحدوا جهودكم فالنهضة قادمة اليوم أو غدا.