بدأت أمريكا وحليفتها بريطانيا حربها الصهيونية "المقدسة" في سحق العراق وشعبه، والفوز بكبد الذهب الأسود بالشرق الأوسط ثم باقي الدول الإسلامية المجاورة، تمكينا للربيب المدلل "الكيان الصهيوني". وحدها الدول العربية ظلت تعض أناملها من الخزي المفضوح الذي ينذرها بالرحيل، سواء إبان الحرب أو بعدها بقليل، تبعا لسنن الله في تغيير الأقوام، يقول تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا). إذن، فسنن الله لا تحابي الخارج عن صراط الله في العدل والاستخلاف وفق شرعه، وهذا ليس نكاية في شعب العراق، أو في واقع الأمة الراهن، بل هو إشارة لنا نحن المسلمين بأن إسلام الأسماء والشعارات لن يغني عنا شيئا، فها نحن نلمسه اليوم في حروب مدمرة في ظرف ثلاثين سنة فقط، في الصومال والشيشان والبوسنة والهرسك وفلسطين وأفغانستان والعراق وغدا الله تعالى أعلم. قد يستطيع بعضنا خداع البعض الآخر وتمويه المظاهر، لكن الله تعالى، مدبر الكون، وجاعل الأيام دولا بين الأمم، لا يعزب عنه مخالفة ظاهر أعمالنا لبواطن نفوسنا، وهذا الخطاب في أصله موجه لمن استمسكوا بالعروة الوثقى، وعملوا لأن يحكم الإسلام حياتهم الخاصة والعامة، أما أولئك الشاردون المهتدون، باسم المبادئ الدولية وشعاراتها الخادعة، فلا ينسحب عليهم هذا التقريع، فيكفيهم أن ممارسي الجريمة الحالية ضد الإنسانية والشعوب المستضعفة هم قدوتهم، فكيف لعاقل أن يجعل اللص حارسا للمتاع والذئب حاميا للغنم؟ لعمري لهذا أشد تقريع ... وفي واجهة أخرى كاشفة لعورة إيماننا بالله تعالى، واستلهام سننه في الأمم، أن نجد أقوما منا آخرين يحرصون أشد الحرص على الجلوس قياما وقعودا وعلى جنوبهم لمتابعة مذبحة شعب العراق أمام التلفاز، وتغيير القنوات لاستطلاع آخر الأخبار في تخدير وتنويم مستمر، يعمي عن التفكير في البدائل ومراجعة خطوات الأمس لتملك الغد. شريحة أخرى انشغل بالها باقتناء أجهزة متطورة من وسائل الاتصال الرقمية والحروفية والملونة والتي لا لون لها، لتسقط في دورة التخدير بعد أن نجاها الله منها، إذ بدل أن تصرف هذه الأموال الزائدة في دواء للشعوب الإسلامية المقهورة في فلسطين والعراق وأفغانستان أو غذاء للجوعى أو كسوة للعراة، نجدها تسعى جاهدة لإسرافها المكلف في اقتناء هذه الأجهزة في حساب مقلوب للأولويات. قد تتعدد التبريرات وتأتي الحجج الدامغة للرؤوس بجدوائية هذا السعي الحثيث إلا أن هذا لا يشفع لصاحبه المؤمن بزوال الدنيا بما فيها واستخلاف الله تعالى الأقوام الحاليين بآخرين يعبدونه ولا يشركون به شيئا، شيئا من حب الدنيا والمال والولد والنفس والدعة، (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) الحديد آية 20. والدورات الزراعية تتكرر أمام أبصارنا كل عام منذرة بالفناء، لكن نشكو إلى الله ضعف تبصرنا. فعلى المؤمن الموقن بالله تعالى أن يراجع حاله، ووضعه في الدنيا، هل هو علم بالسنن؟ هل هو متأخر عنها؟ هل هو مستعد لتجاوز المحن والتصالح مع الله ليستخلفه في الأرض؟ وهل إذا علم بهذه السنن سيعمل بها توبة إلى الله تعالى؟ يقول تعالى:(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)، لكن هذا التمكين متعلق بقوله تعالى (يعبدونني ولا يشركون بي شيئا). ورغم نزيف الجراح والهوان يبقى أملنا في الله تعالى كبيرا أن يجعل رحمته أوسع من تفريطنا، وينقذ شعب فلسطين والعراق وأفغانستان وكل المضطهدين في أرض الله تعالى من سطوة وجلد الجبابرة ويبدلنا من بعد خوفنا أمنا، وأن نسعى جميعا إلى التفكير لمرحلة ما بعد المحنة حتى لا ينطبق علينا قوله تعالى في قوم موسى عليه السلام (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يرثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، قالوا أوذينا من قبل أن تاتينا ومن بعدما جئتنا، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون) الأعراف آية 126 128. فالأصل الشرعي ما العمل بعد الاستخلاف في الأرض وهلاك الظالم المعتدي. عبدلاوي لخلافة