إن شدة الهم والغم وكثرة الأحزان والمآسي وشدة وهول الفاجعة تجعل الحليم في هذا العصر حيرانا، وتذهب بلب وعقل الرجال وتشيب لها الولدان وتقشعر منها الأبدان، فأينما وجهت بصرك وأينما يممت واستدرت وجدت نكبة هنا، ونكبة هناك، تقتيل وتشريد وتعذيب، حصار وتجويع وتدمير. وإذا أمعنت النظر في كل هذا وجدت أن بلاد الإسلام والمسلمين هي دار النكبات والمآسي، إن صوبت بصرك إلى المشرق وجدت اليهود الغادرين وقد صوبوا بنادقهم إلى الصدور العارية، وواجهوا الحجارة بالدبابات والمدافع والطائرات، وإن صوبت بصرك تجاه بلاد الرافدين وجدت العراق المحاصر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأبناؤه يموتون جوعا ومرضا وفقرا، وتسقط عليهم قذائف أمريكا وبريطانيا، وإن صوبت بصرك تجاه آسيا وأوروبا الشرقية وقع بصرك على مآسي كوسوفا والبوسنة والهرسك وداغستان وكشمير والفلبين والشيشان، وكلها تسيل فيها دماء المسلمين الطاهرة على أرض أجدادهم وأسلافهم (وما نقموا منهم إلا أن يومنوا بالله العزيز الحميد) البروج 4، وصدق الله العظيم القائل كذلك: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) البقرة 120، وصدق الله ومن أصدق من الله حديثا. (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) البقرة 217. ما بال النكبات قد استوطنت بلاد المسلمين، أو من قلة عدتنا وخيراتنا؟ نحن عباد الله تجاوز عددنا في العالم اليوم المليار، ونمتلك الطاقة الأساسية لسير العالم من الفوسفاط والبترول والموارد الطبيعية كالمياه وغيرها، ولكننا كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ولكنكم غثاء كغثاء السيل) وقد تداعت عليها الأمم من كل مكان، بل إن أهون الخلق وأخسهم على مر العصور وهم اليهود تسلطوا علينا تسلط الجلاد على العبيد وما ذلك إلا من هواننا على أنفسنا ومن هان على نفسه سهل الهوان عليه. إنه من باب التذكير بمآسي المسلمين أذكر نفسي وإخواني المومنين بنكبات الشعب الشيشاني الذي عانى لمدة أربعة قرون متتالية من الروس الملاعين الكفرة الشيوعيين، عانى من روسيا الشيوعية ثم هو يتألم ويعاني من روسيا الصهيونية، هل تعلم أيها المسلم أن إخوانك في الشيشان مروا في عشر سنوات الأخيرة بحربين أولاهما تمت تصفية 120 ألف مسلم، والثانية التي مازالت مستمرة أكثر من عام ذهب ضحيتها أكثر من 40 ألف، وهل تعلم أيها المسلم أنه: قبل هذه الحرب كان تعداد المسلمين الشيشان مليون نسمة طاهرة مسلمة، وهم اليوم في تناقص بسبب الهجمات البشعة للروس الصهاينة الذين يذبحون الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة ولا يرحمون ضعيفا ولا مدنيا ولا أسيرا بل إنهم يقتلون المسلمين بأبشع الطرق الهمجية، هل تعلم أيها المسلم أن أغلب القادة الروس الذين تعاقبوا على تقتيل المسلمين الشيشان هم من أصل يهودي. إن دعم الجهاد في الشيشان بالدعاء والمال والإعلام هو دعم للجهاد في فلسطين، ولولا قداسة أرض فلسطين لما تميزت عن قضية الشيشان، ولولا المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، لما فضلت فلسطين بلاد الشيشان، لأن حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة البيت الحرام. فكيف لا ندعم إخواننا في فلسطين والشيشان وكشمير وكوسوفا وداغستان وهم مسلمون يشهدون شهادة الإسلام ويصلون إلى الكعبة المشرفة؟ هل طابت أنفسنا بالعيش المستطاب ونسينا أن علينا حقوقا تجاه إخواننا في الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. لو تسلحنا بسلاح الإيمان قبل سلاح الحديد والنار، لواجهنا أعداءنا وأعداء الإسلام والمسلمين بقلب قوي لا يتراجع ولا يتخاذل، ولو استعنا بالله على أعدائنا لأعاننا الله عليهم، ولو توكلنا على الله حق التوكل لرزقنا النصر على الأعداء. لكن، ألا يمكن لهذا الواقع أن يرتفع ولهذه الأزمات أن تحل؟ بلا ورب العزة إن الليل مهما طال لابد له من آخر، والظلم مهما تجبر لابد له من زوال. هذه مآسينا وواقعنا الذي طال ليله ولابد له من آخر، إن نحن أحسنا التوكل على الله وأحسنا العمل من أجل رفع الظلم والعدوان والضعف والهوان. (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم 5 6. قال تعالى في سورة آل عمران: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم، منهم المومنون وأكثرهم الفاسقون، لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار، ثم لا ينصرون، ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب الله، وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبئاء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون). 112 إنه يوم يزول الحبل الأوروبي الذي يؤيد اليهود بالمال والعتاد، ويوم يزول الحبل الأمريكي والسوفياتي الذي يعين الصهيونية بالمال والسلاح والمواقف السياسية والتكنولوجيا، ويوم يقطع الحبل العربي الذي يسالم اليهود ويفتح لهم الأسواق، يوم تزول هذه الحبال وقد زال حبل الله عنهم بكفرهم وضلالهم يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عليهم وهزمهم وإنهاء طغيانهم وجبروتهم، أبشروا يا جنود الرحمان، يا من ارتضيتم الجهاد في سبيله لكم منهجا، وبعتم لله الأنفس والأموال أبشروا بقوله تعالى (وإذن تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم وقطعناهم في الأرض أمما، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم لعلهم يرجعون) الأعراف 167. فاللهم اجعلنا من جندك المسلط على أعدائك، واكتب لنا الجهاد في سبيله واخترنا شهداء عندك. الأستاذ: عبد الجليل الجاسني