إذا رغبت السلطة في رحيلنا فليتم تعويضنا بشكل إجمالي وشامل، هكذا استقر رأي ساكنة دوار لمليكات، أولاد عزوز، قيادة أولاد بحر الصغار، دائرة خريبكة، بخصوص النزاع المحتدم بينهم وبين المكتب الشريف للفوسفاط حول الأرض وحجم التعويضات. المسؤولون في المكتب يصرون على أن الأرض اقتنوها من وزارة الداخلية، ويرون أنه ما على السكان إلا قبول التعويض والرحيل بمقتضى المصلحة العامة، في حين تعتبر السلطة نفسها مجرد خيط أبيض بين الطرفين، مهمتها تفادي الفوضى، ومعالجة الملف بطرق حبية تراعي مصلحة الجميع. التجديد تقصت تطورات الملف وتعرجاته ووجهات نظر مختلف الأطراف. نريد تعويضا حقيقيا في 18 يناير 2000 قام المكتب الشريف للفوسفاط، بمقتضى عقد، بشراء أراضي لمليكات أولاد عزوز من وزارة الداخلية باسم المصلحة العامة، وهي أراضي جموع، لكن السكان رفضوا حجم التعويضات التي عرضت عليهم ووصفوها بالهزيلة. يقول التاج بوزكري من أعيان لمليكات في غضب: لقد وقعنا عدة طلبات استفسار لكن دون جدوى، وحاولنا القيام بمسيرة من الدوار إلى عمالة خريبكة لمعرفة حقيقة الأمور، لكن تم منعنا. أما صالح النجيمي بن الكبير فيقول: لقد استدعيت مرتين، وتم تهديدي بهدم بناياتي. ليس لدي أي مكان أرحل إليه. ولو كنت أتوفر على مكان يأويني، خاصة أن الكل يعاني من العطش والجفاف، لرحلت قبل تهديدات السلطة والمكتب الشريف للفوسفاط، ومن جهته يؤكد عبد الرحيم بنسعادة: نحن لا نعارض المصلحة العامة، نحن مستعدون للرحيل، لكن بعد أن تقترب الأشغال إلى الدوار ب800 متر، وبعد أن نتلقى تعويضا حقيقيا، مضيفا: نستغرب كيف أن دواوير مجاورة تم تعويضها بمبالغ مهمة وصلت حدود 100 مليون سنتيم للفرد. أما المحظوظ فينا، الذي يملك بنايات وأغراسا وآبارا، فيتم منحه تعويضا لا يتعدى 15 مليون سنتيم، ليتساءل بامتعاض: ماذا سيفعل المرء بهذا المبلغ الهزيل... المكتب الشريف للفوسفاط يقول بكل صراحة لكل واحد منا: اشتر حبلا واشنق به نفسك أنت وأفراد أسرتك. هشام الشعراني، مهندس بقسم الاستخراج ومسؤول عن مصلحة العقار بإدارة المكتب الشريف للفوسفاط، يقول معقبا على السكان: منطقة أولاد عزوز تنتمي إلى فئة أراضي الجموع، والمكتب الشريف للفوسفاط، في إطار سياسته لاستغلال مادة الفوسفاط، يعتمد على مبدإ اقتناء الأراضي، لهذا اقتنى أراضي لمليكات، التي تتجاوز مساحتها 2500 هكتار، من الوزارة الوصية على أراضي الجموع، وهي وزارة الداخلية، ورغم أن الأرض أصبحت في ملكية المكتب، فإنه كان دائما على استعداد لتعويض السكان عن ممتلكاتهم قبل الترحيل. أما محمد بن يسف، رئيس مصلحة الشؤون القانونية بالمكتب الشريف للفوسفاط، فيشير إلى أن المكتب بحاجة إلى الأرض، لأن عملية الاستخراج يجب أن تبدأ مع بداية 2006, لذلك باشر المكتب عملية الإحصاء منذ سنة 2000 بحضور السلطة المحلية والمنتخبين ونواب الجموع، لكن بعض السكان كانو يعرقلون مسلسل الإحصاء بهدف النفخ في حجم الممتلكات. وعن حجم التعويضات ومعاييرها، يؤكد المسؤول ذاته أنها تحدد وفق معايير تشمل الموجودات على الأرض ومساحته وطبيعة الأغراس وكذا الآبار، وهذه المعايير تم تطبيقها في جميع الأراضي التي اقتناها المكتب سابقا في مناطق بني ملال وبوجنيبة وبونوار... لا نعرف غير هذه الأرض السكان يطعنون في وثيقة التفويت التي وقعها (م ح) بصفته نائبا عن أراضي الجموع بدوار لمليكات بتاريخ 30 أكتوبر 2000 لفائدة المكتب الشريف للفوسفاط، والبعض منهم يؤكد أن التوقيع وقع بضغط على النائب المذكور وبدون إرادته، لأنه تراجع فيما بعد في رسالة موجهة بتاريخ 15 يونيو إلى عامل إقليمخريبكة يقول فيها: إننا وأسرنا سنتعرض للضياع والتشرد بعد إخراجنا من أرضنا التي لا نعرف أرضا غيرها. عن هذه القضية يقول علال البصراوي، محام بهيئة خريبكة وعضو المجلس الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان: قانون نزع الملكية واضح ويتم عبر مراحل، أما الاتفاقات بين المكتب الشريف للفوسفاط والسكان فكانت تتم سابقا بطرق حبية بالتوقيع على شبه محاضر، لكن الأمور تغيرت من الناحية القانونية، على الأقل بعد تأسيس المحاكم الإدارية. وأشار البصراوي إلى أن أراضي الجموع من الناحية القانونية لا تباع ولا تشترى، ولكن في حالة الرغبة في نزع ملكيتها، فتنطبق عليها المساطير نفسها التي تسري على نزع الملكية الخاصة، ومن الناحية القانونية، فمن حق مالك الأرض أن يطالب بخبرة لتحديد القيمة الحقيقية للأرض. وفي 27 يوليوز 2004 وجه النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، سليمان العمراني، سؤالا كتابيا إلى وزير الطاقة والمعادن تساءل فيه عن الكيفية التي تم بها تفويت أراضي تخضع لملكية جماعية بدوار لمليكات لفائدة المكتب الشريف للفوسفاط مقابل تعويض مالي يقدر ب3 ملايين سنتيم عن الهكتار الواحد، كما تساءل عن التعويض الهزيل الممنوح لسكان لمليكات على الرغم من أن هناك سابقة في هذا المجال تتمثل في تعويض سكان دوار أولاد عمر بالجماعة نفسها مقابل الأراضي المنزوعة منهم. فجاء الجواب بعد شهرين من طرح السؤال، مفاده أن اقتناء أراضي لمليكات جاء بعد موافقة كل من الجماعة المعنية ومجلس الوصاية في ما يخص المبدأ، وكذا شروط نقل الملكية، وقد حددت اللجنة الإدارية للتقويم ثمن اقتناء هذه الأراضي ب20 ألف درهم للهكتار. محمد البستي أسرته تتكون من 15 فردا، يقطن مع أبنائه المتزوجين، يقول: لقد بنيت منزلا كلفني 25 سنة من العمل، وأنفقت من أجله 62 مليون سنتيم، واليوم يأتي المكتب الشريف للفوسفاط ويعرض علي 15 مليون سنتيم: هذا هو عين الانتحار. ويضيف والحسرة بادية على محياه: لن أرحل إلا بعد أن تقترب الأشغال إلى أملاكي ب800 متر، ويتم تعويضي تعويضا حقيقيا. أما محمد زهار، البالغ من السن 81 سنة، فيحكي عن حالته قائلا: أنا أملك 7 مبان وثلاثة هكتارات من الأراضي وأشجار الزيتون، ويريدون أن يعوضوني بمبلغ 6 ملايين سنتيم. تحولت المدرسة قبل أن يتحول السكان الصراع بين المكتب الشريف للفوسفاط وساكنة أولاد عزوز تطور إلى شكل من أشكال الاتهام المتبادل، فالمكتب يتهم السكان بالنفخ في الممتلكات. يقول المهندس هشام الشعراني: السكان يلتجئون إلى عدة حيل، منها تقسيم ممتلكاتهم على أفراد الأسرة. وعند الإحصاء تمنح اللجنة التعويض لكل اسم حسب الشكل المصرح به. لكن إذا أردنا احتساب القيمة الحقيقية للتعويض، فيجب جمع كامل التعويضات التي منحت لجميع أفراد الأسرة، آنذاك تتضح قيمة وأهمية التعويض، وتنكشف الحيل المتبعة من لدن السكان. أما السكان فيتهمون المكتب الشريف للفوسفاط والسلطة باتباع سياسة الأرض المحروقة، وذلك من خلال سياسة هدم الآبار وفصل أراضيهم بجدار رملي، وتحويل المدرسة على بعد 12 كيلومترا من مركز الدوار، كل ذلك من أجل الضغط على الساكنة للرحيل. يقول مصطفى عزا، وهو من شباب الدوار: المشكل الأكبر يتمثل في تحويل المدرسة بقرار إداري قبل أن يرحل السكان. لقد حولوها دون علم أحد، وعندما توجهنا إلى رئيس الجماعة نفى أن يكون له علم بالموضوع، وتوجهنا إلى نائب وزارة التربية الوطنية فحمل المسؤولية للسلطة المحلية، وهاته الأخيرة تتهرب من إعطاء أي جواب، وهكذا حرم 130 تلميذا من متابعة الدراسة. من خلال اللقاءات مع بعض مسؤولي السلطة المحلية بخريبكة، لا سيما الكاتب العام للعمالة ورئيس الدائرة، اعترفوا أن مشكل أراضي أولاد عزوز معقد، وتتشابك فيه قضايا الحق والواجب، ويرى هؤلاء المسؤولون أن دور السلطة ينحصر في التدخل بين الطرفين بخيط أبيض، ومادام أن المكتب الشريف للفوسفاط اقتنى تلك الأراضي بمقتضى مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، فإن مهمة السلطة تنحصر في تنفيد الأحكام، والحيلولة دون حصول الفوضى، كما أنها تستحضر الجانب الإنساني في الملف، حسب أحد مسؤولي السلطة المحليين. هذه شروطنا للرحيل يقول أحمد الشربي، من إدارة المكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة: لأول مرة في تاريخ المكتب يمنح بقعا أرضية في ملكه للسكان من أجل مساعدتهم في بناء منازل أخرى، ويضيف: لقد منحنا حوالي 200 بقعة أرضية تبلغ مساحة كل واحدة منها 500 متر مربع على الجانب الآخر من الجماعة داخل قرية نموذجية. لكن محمد البستي، من سكان لمليكات، يرد باستخفاف: هل يريد المكتب تشريدنا في تلك المنطقة؟ ثم ماذا سنفعل ب500متر مربع؟ وماذا عن الماشية؟ وكيف سنعيش في ظل الأوضاع الجديدة، خاصة أننا سنصبح في عداد العاطلين؟ ومن سيعوضنا عن الأرباح التي كنا نجنيها من الفلاحة والرعي، والتي تصل في بعض الحالات إلى 20 مليون سنتيم في السنة؟ ثم إن القرية النموذجية التي يتكلم عنها المكتب لم يتم لحد الآن تزويدها بالماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير كما وعدت السلطة بذلك. المكتب الشريف للفوسفاط يطالبهم بالرحيل في أقرب وقت ليبدأ في استخراج مادة الفوسفاط، وهم يؤكدون أنهم لن يتزحزحوا إلا بعد اقتراب الأشغال من دوارهم ب800 متر، وبتعويضهم تعويضا شاملا وفق معايير شفافة، ثم تجهيز القرية النموذجية بالكهرباء والماء الصالح للشرب وتمليك السكان بقعها الأرضية وعدم تحويل المدرسة إلا بعد رحيل الساكنة، مع السماح لهم باستغلال الأراضي في الفلاحة والرعي حتى يحين أوان الاستخراج المباشر لمادة الفوسفاط، بالإضافة إلى التفكير في سبل تشغيل أبناء الدوار ومحاربة البطالة المتفشية وسط الجماعة.