في الحادي عشر من شهر شتنبر لسنة 1990 وفي أجواء انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وبمناسبة بروز أزمة الخليج الثانية وما تلاها من انتشار مكثف وحاشد للقوات الأمريكية بمنطقة الخليج، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، أن العالم يشهد بروز نظام دولي جديد مبني على التعاون والإخاء واحترام الديموقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة الأخطار المحدقة بالسلم والأمن الدوليين، وخال من الإرهاب وتلعب فيه الأممالمتحدة دورا بارزا وفعالا، لكن مسار الأحداث الدولية أثبت أن النظام الذي بشر به الرئيس الأمريكي أعضاء المجتمع الدولي وشعوب العالم، لم يكن سوى ذلك الشعار التي ارتأته رائدة هذا النظام - أمريكا- وسيلة لخدمة مصالحها وتأبيد زعامتها، فالتدخل الأمريكي التعسفي بكل مظاهره وأنواعه تزايد بشكل كبير في مختلف بقاع العالم، وأضحت الأممالمتحدة آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية التعسفية بدل تحقيق السلم والأمن الدوليين، وبذلك تنامت المنازعات والحروب ومختلف أوجه الاستخفاف بقواعد الشرعية الدولية، وهو ما خلف حالة من الاستياء والتدمر في أوساط المجتمع الدولي الذي فرضت فيه أمريكا الصمت ترهيبا و ترغيبا. وبعد مرور عقد من الزمن عن التبشير الأمريكي بهذا النظام، وبالضبط في الحادي عشر من شهر شتنبر 2001 ، شهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أحداثا داخلية مرعبة تم خلالها تحويل طائرات مدنية إلى ما يشبه صواريخ موجهة نحو أهداف حيوية وحساسة داخل العمق الأمريكي، وذلك في أول سابقة من نوعها تقع في هذا البلد أو في غيره من بلدان العالم، وهي أحداث يمكن أن تقرأ في بعض جوانبها باعتبارها إشارة من القائمين بها- بغض النظر عن جنسياتهم ومذاهبهم ودوافعهم الآنية المباشرة والبعيدة المدى- إلى رفض أسس هذا النظام المزعوم وتجلياته الظالمة، وكرسالة تحذيرية للولايات المتحدة لعلها تعيد النظر في سياساتها الخارجية التعسفية في حق شعوب العالم. لقد شكلت هذه الأحداث محطة مهمة وحاسمة أثرت بشكل كبير في مجريات مختلف الشؤون والقضايا الدولية الراهنة، شأنها شأن الأحداث العالمية الكبرى التي كان لها الدور الكبير في إعادة ترتيب وتأريخ العلاقات الدولية(الثورة البلشفية، الحربين العالميتين الأولى والثانية، تأسيس الأممالمتحدة، حرب الخليج الثانية، انهيار الاتحاد السوفييتي..). فنتائجها لم تمس فقط الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتبارها المسرح الذي جرت فيه العمليات، بل إن تداعياتها لحقت جل أعضاء المجتمع الدولي بشماله وجنوبه ومعظم القضايا والأزمات والمفاهيم الدولية، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى الثقل الأمريكي في الساحة الدولية على المستوى الاقتصادي والعسكري والديبلوماسي. بعد مرور أربع سنوات على هذه الأحداث، وبروز الملامح الكبرى للمتغيرات الدولية الكبرى التي تلت هذه الأحداث (من قبيل الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب..) وتراجع التحليلات الساخنة التي حاولت مقاربة هذه الأحداث في مختلف تجلياتها، يحاول د.إدريس لكريني، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق بمراكش أن يجيب بشكل أكاديمي ضمن كتابه: التداعيات الدولية الكبرى لأحداث 11 شتنبر، من غزو أفغانستان إلى احتلال العراق، الصادر مؤخرا عن المطبعة والوراقة الوطنية، على مجموعة من التساؤلات الكبرى التي طرحت بحدة عقب هذه الأحداث، ويرصد مختلف التداعيات التي أفرزتها هذه الأحداث في تجلياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية المتباينة، سواء في علاقتها بالضالعين والأطراف الخاسرة والأطراف الرابحة بعدها، وتفاعل مختلف القضايا العربية والإسلامية والدولية مع نتائج هذه الأحداث. يقع الكتاب الذي توزعه شركة شوسبريس المغربية في 247 صفحة من الحجم المتوسط، وقد قسمه المؤلف إلى خمسة عشر محورا، جاءت على الشكل التالي: أحداث 11 شتنبر ومعادلات الربح والخسارة في المجتمع الدولي، قراءات في إشكالية الضلوع، التدخل الأمريكي في أفغانستان: بين قوة القانون وقانون القوة، الضرورات الأمريكية تبيح خرق الحقوق والحريات الإنسانية، القضية الفلسطينية والمحيط الدولي المتغير، القضية الفلسطينية بعد أحداث 11 شتنبر: التحديات والرهانات، ظاهرة الإرهاب الدولي: بين تنامي المخاطر وتعدد المقاربات، الحملة الأمريكية لمواجهة الإرهاب وتصاعد النزاع الهندي- الباكستاني، الإسلام والغرب: بين نظريات الصدام وإمكانيات الحوار، بين الإكراهات الداخلية والتحديات الخارجية: أي مستقبل للزعامة الأمريكية؟، الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة لتصفية الحسابات: العراق أولا، الإرهاب الدولي ومطلب الديموقراطية، بين مقتضيات القانون ومنطق السياسة: أية محاكمة تنتظر صدام؟، مستقبل الأممالمتحدة في ظل التحولات الدولية الراهنة، أزمة الجامعة العربية في زمن التكتلات.